قبّاني والمستقبل: أبغض الحلال…

بِغضّ النظر عمّا إذا كان توارد الأفكار بين نواب تيار "المستقبل" قد بلغ من التقدّم مرحلة جعلت هؤلاء جميعاً يقرّرون – ومن دون سابق تنسيق أو إيعاز- أن يؤدّوا صلاة العيد كلّ في منطقته وفي اقرب مسجد الى منزله، بدلاً من تكبّد عناء الانتقال الى العاصمة للصلاة خلف مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، فإنّ المؤكّد انّه في سماء العلاقة بين دار الإفتاء و"بيت الوسط" غيمة يجوز حتى الساعة – ولو تماشيا مع حال الطقس – تسميتها غيمة صيف، وإن كان تبدّدها في وقت قريب يبقى أمراً غير مؤكّد.

فالأزمة لم تبدأ منذ عيد الفطر، بل قبل العيد بأشهر، وتحديداً منذ ما بعد اللقاء الذي دعت اليه دار الإفتاء في ربوعها عقب تكليف الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة.

في تلك الفترة كان تيار "المستقبل" وجرياً على ما سارت عليه الأمور منذ عام 2005 يتوقّع من قباني ان يكون "رأس حربة" معركته والتي لم يكن لها سوى عنوان واحد: إعادة الرئيس سعد الحريري الى السراي الحكومي.

ووفقاً لما يقوله مطّلعون على كواليس بداية الخلاف بين الجانبين فإنّ خطة حصار ميقاتي التي وضعها تيّار"المستقبل" كانت تعتمد في شكل أساسي على تجريده من الغطاء الشعبي، إن من خلال التظاهرات الرافضة له على نسق تظاهرة يوم الغضب ومؤيّدة للحريري ونهجه على نسق تظاهرة الـ"لأ" الشهيرة، ومن الغطاء الديني من خلال سلسلة المواقف التصعيديّة التي كان متوقّعاً ـ ويقال مطلوباً- منه ان يتّخذها وصولاً الى حد اعتبار الحكومة، حكومة غير شرعيّة تيمّناً بالأسلوب الذي اتّبعه حزب الله في تعاطيه مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى.

لكنّ المفتي كان يملك على ما يبدو رأياً آخر وكانت رغبته في الحفاظ على العلاقة التاريخية والايجابية التي لطالما ربطت دار الافتاء برئاسة الحكومة، ايّاً كان شخص المفتي وشخص الرئيس، اقوى من رغبته في مسايرة آل الحريري، خصوصاً وأنّ شعوراً ما كان ينتابه بأنّ "المستقبل" لم يعد لـ"المستقبليين"، بل صار لخصومهم.

هكذا وبدلاً من ان يساهم قبّاني في عملية اغراق الحكومة الميقاتية التي كانت قوى 14 آذار قد بدأتها، فإنه رمى من مطار بيروت الدولي بطوق النجاة لرئيس الحكومة المكلف عندما وصفه قبيل سفره الى الاردن بـ"رجل العلم والإيمان" الذي يستحقّ أن يعطى فرصة.

قال قباني كلمته ومشى، إلّا انّ صدى كلامه وصل سريعاً الى "بيت الوسط" وحلّ على ساكنه – او بالاحرى على القصر – حلول الصاعقة فكان ان وضع الرجل في دائرة المرشحين لطعن الشيخ سعد في ظهره السياسي الغُر.

منذ تلك الفترة وضعت العلاقة بين "شيخ عائشة بكّار" و"شيخ بيت الوسط" في ثلّاجة، خصوصاً وأنّ قبّاني الذي علم بعتب الحريري عليه لم يبادر بعد عودته الى إزالة الالتباس عن موقفه، ولم يعمد الى التواصل معه، لا مباشرة ولا عبر وسطاء.

ولأنّ "البعد جفاء" حسب ما يقول المثل الشعبي، فإنّ وجود الحريري الطويل خارج البلاد ساعد، على ما يبدو، في تعزيز الجفاء بينه وبين قبّاني، وهو الأمر الذي استفاد منه ميقاتي بذكاء من خلال حرصه على التواصل الدوري مع دار الفتوى وعلى ايصال رسالة لَبقة الى سيّد الدار مفادها: "إذا كان سعد الحريري يريد لدار الافتاء ان تكون تحت عباءته فإنّ كل همّي ان أكون تحت عباءة دار الإفتاء".

أيّاً يكن، وإذا كان التفاؤل بانتقال الموقف السياسي العام لدار الافتاء انتقالاً جذريّاً من ضفة الى ضفة هو أمر مبالغ فيه، فإنّ استقرار هذا الموقف على مسافة متساوية من جميع اطراف النزاع يبقى الاحتمال الأرجح الذي تعتبره الأكثرية الجديدة كافياً لتوجيه ضربة معنوية لتيّار "المستقبل" في مكان غير متوقع. علماً أنّ "المستقبليّين" الذين "بلعوا" على مضَض استقبال قبّاني لسفيري إيران وسوريا، تماماً كما "بلعوا" قبل ذلك استقباله لوفد من حزب الله يوم صدور القرار الاتّهامي، فإنّهم "سيغصّون" من دون شك في بلع أيّ زيارة محتملة قد يفكر قباني بالقيام بها الى دمشق. فوَطءُ قدمي المفتي لأرض عاصمة الأمويين ونظام الأسد لا زال حاكماً فيها يعني وقوع أبغض الحلال بينه وبين التيّار السنّي الأقوى حتى الساعة على الساحة اللبنانيّة. والأهم من ذلك أنّه يعني انطلاق معركة انتخاب مفتٍ جديد قبل الموعد المفترَض بعامين، وثمّة من بدأ يشحذ أسلحة المعركة فعلاً

السابق
عراجي: خلاف تيار المستقبل مع بري سياسي
التالي
زهرمان: مقبلون على تأجيل الجلسة الوزارية غدا