في بيئة المقاومة..الحزب بالع الموس

شعبياً، فضحت قضية فايز كرم حجم «الهوة» بين حزب الله والعونيين. الغضب واضح في بيئة الحزب فيما لا يبدو الجزء الأكبر من التيار الوطني الحر، محرجاً. 11 شهراً، تعني أنه «اتصل» بالعدو، ولم «يتعامل» معه

سيخرج فايز كرم إلى الضوء في آب. بدأ بلال، سائق «الديليفري»، يحصي الأيام منذ اليوم. يجزم الشاب الغاضب من «تفنيصة» العدالة، بأن 90% من سجناء رومية «تهمهم أقل سوءاً من تهمة كرم». لا يستند إلى إحصاء رسمي. لكن، للسجون أهلها. وهو واحد من هؤلاء، الذين حكموا بالسجن ثلاث سنوات؛ لأنه سرق دراجةً نارية «أيام الطيش». الدراجة بثلاث سنوات والتعامل مع العدو بسنتين. لا بد أن العدالة مثقوبة هنا. على نقيض منه، يبدو صديقه الضخم البنية، أكثر واقعية: «المدعوم مدعوم». يحيلنا فوراً على ثقافة «المدعوم» الدارجة لبنانياً. السائق الآخر براغماتي، ولا يثق بأحد. يعدل نظرية صديقه (ممازحاً): «العميل العادي بالإعدام والعميل الإكسترا بسنتين». يلاقيه في ذلك أحد المتابعين، الذي علق على الموضوع في صفحته على «الفايسبوك»، ساخراً، بالقول: «اسمع يا رضا، بكرا لما بدك تتجسس لإسرائيل، لازم تعرف بالأول لأيا حزب وتيار لازم تنتمي». ومثل هذه التعليقات، تبدو مسوغة، ما دامت مجموعة كبيرة من «العونيين» سخّرت صفحاتها لكيل المديح لكرم، إلى حد تصنيفه «بطلاً» هزم فرع المعلومات.
هنا، تبرز الهوة، على المستوى الشعبي، بين جماهير الحزب والعونيين. هوة قد يصعب جسرها بالخطابات والمؤتمرات الصحافية. فالمسألة بنيوية ومتعلقة بـ«العدو الصهيوني». وأكثر من ذلك، فإن أيام «طيش» كرم، تعود لزمن طويل، في الوعي الجماعي، لكثيرين في «البيئة الحاضنة» للمقاومة. بعض هؤلاء مقتنع بأن «فايز كرم عميل منذ 1982». أقلية ضئيلة جداً تطالب بتخفيف الحكم بحق كرم على قاعدة «عفا الله عما مضى»، وأكثرية غاضبة متيقنة من أن كرم «عاود نشاطه بعد التفاهم». التفاهم في الضاحية الجنوبية يُعَدّ حقبة رئيسية. لا يقبل حتى المتساهل، والداعي إلى «عدم منح 14 آذار فرصة للضغط على عون» أن يكون هناك نوعان من العملاء: «عميل بسمنة وعميل بزيت». ففي الأساس، قال الأمين العام لحزب الله، في خطاب قبل حادثة كرم بكثير: «العميل لا دين له». و11 شهراً حكمٌ مخفف. تبين أن الأمر عكس ذلك بالنسبة إلى محمد كمال الدين. محمد، الذي سجن قريبه في معتقل الخيام، قبل التحرير، ظل واحداً من «الساخطين» على تساهل السلطات المحلية في قضية المتعاملين مع إسرائيل بعد عام 2000، إلى حد تصنيفها «وجهة نظر»، وتقديم «اقتراحات لعودة العملاء». اليوم، ازداد اقتناعاً بأن العمالة ليست «خطاً أحمر». الأمر ذاته يخيف شاباً آخر، يضع نفسه في خانة «الحرصاء» على المقاومة. فإن لم تكن العمالة خطاً أحمر، فذلك يعني أن «المقاومة من أساسها ليست خطاً أحمر». يقلقه صمت حزب الله في موضوع كرم. يخالفه رامي الرأي: «غداً يخرج وئام وهاب ويقول ما يريد الحزب أن يقوله». يعقب ممازحاً: سنتان في السجن وقت طويل لعميد سابق، ومرشح «وافر الحظ» للانتخابات النيابية. كذلك فإنها سنتان «مع الأشغال الشاقة». يُطلع رامي أنه لا أشغال شاقة في لبنان، فيعاود المزاح مجدداً: «بسيطة، أشغال كرم الشاقة أن يزوره نبيل نقولا يومياً».
في الجنوب، يثقون بحزب الله. لكنهم مستغربون. هناك، في تلك البيئة، التي وُشمت بثقافة الحزب وأدبياته، متعامل واحد مع إسرائيل طليق، في قرية واحدة، يعني أن القرية تلك بأكملها مسجونة في حسرة الذاكرة.
ذاكرة قاسية تعود إلى ما قبل أيّار 2000، حين كانت المقاومة أكثر شيوعاً «لفظياً» على الأقل. لكن التعبئة ضد العدو متواصلة والشعب يسكن شعارات «وطنية» صارخة، سرعان ما اكتشف ـــــ لحظة نطق رئيس المحكمة العسكرية بالحكم على كرم ـــــ أنها حمّالة أوجه. فالمعادلات التي تتحكم بعلاقة لبنان مع «الأصدقاء» و«الأعداء» لم تتبدل كثيراً. والناس في الجنوب، وإن كانت رغباتهم لن تصل إلى حد مساءلة الحزب ينتظرون موقفاً واضحاً من «كبير حلفاء الحزب» النائب ميشال عون. موقفٌ يعلن تبرؤه الواضح من كرم. هكذا يحاول القرويون أن يكونوا عقلاء: «الحزب بالع الموس». أحد هؤلاء مقتنع بهذه الفرضية، وهي تبدو شائعة جنوباً. و«الموس» ذاتها، برأي مواطنين أكثر ولاءً للحزب، مبتلعة «من عون أيضاً». في النهاية، المواطنون مواطنون. لا حسابات سياسية تتحكم بانفعالاتهم. إحداهن، من المستغربات قلة فترة سنين السجن لكرم، ذكّرت بزيارة عون الأخيرة لـ«مجمع مليتا». القروية المسنة تحب عون وتصدقه، لكنها «لا تصدق كل من هم حوله». فمثلاً، قد يكون «هيدا العميل اللي معو» زار مليتا، أو زار «السيد» حسن نصر الله.
يحلق الطيران الحربي على ارتفاع منخفض في بنت جبيل. إسرائيل ماضية في حشو «بنك الأهداف». يلتقط جيشها الصور من الجو. العملاء يجمعون وجوه الضحايا على الأرض. المحصلة الوحيدة هي توضيب «المعلومات» وقصفها في حرب مؤكدة لا أحد يعرف متى تندلع. العدو والمتعاملون معه مشاركون في المجزرة، بنسبٍ متعادلة، تقريباً. إذا قُدر للضحية أن يحاكم الطائرة الحربية، سيسجنها إلى الأبد، لا 11 شهراً فقط. تعود بعدها أدراجها بخفة. بعد 11 شهراً، سيخرج العميل فايز كرم من السجن، بالطريقة عينها.

السابق
زهرمان: مقبلون على تأجيل الجلسة الوزارية غدا
التالي
40 في المئة من الأوروبيين يعانون من خلل في الدماغ