شعرة معاوية بين المفتي و الحريري

من البديهي التساؤل عن مغزى الهجوم المبرمج الذي يشنه تيار "المستقبل" على مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني في هذا الظرف بالذات، وهو الذي مثّل غطاءً دينياً لهذا التيار فعل فعله في الحقبة السياسية، التي امتدت منذ العام 2005 الى العام 2011.

بادئ ذي بدء لا بد من الاشارة الى ان هذه الحملة التي تشن على المفتي ليست وليدة الساعة، وهي بدأت لحظة أخذ الرئيس سعد الحريري قراراً بزيارة دمشق من دون علم دار الفتوى، أو على الأقل الوقوف على رأيها بعدما أُجبرت على قطع أواصر العلاقة بينها وبين سورية. وقد خرج هذا الخلاف بين قريطم وعائشة بكار من خلف الستارة عندما استقبل المفتي قباني السفير السوري عبد الكريم علي، وتفاقم الوضع عندما زار وفد من حزب الله دار الفتوى في اليوم نفسه الذي جرى فيه الإعلان عن القرار الاتهامي، وهو ما اعتبره تيار "المستقبل" بأنه تنكر واضح من قبل المفتي للمحكمة. ووصل الأمر الى حد اتهام الشيخ قباني بأنه تبرأ من دم الرئيس الحريري. وقد انقطعت شعرة معاوية بين الطرفين لحظة خروج مسؤولي ومناصري "التيار" من جامع محمد الامين في وسط بيروت لحظة إلقاء المفتي خطبة العيد، ومن ثم مقاطعته زيارة المفتي الى الجنوب.

المتابعون لسير العلاقة بين المفتي والرئيس سعد الحريري وفريقه السياسي، يؤكدون أن الأمور وصلت الى مرحلة اللاعودة بين الجانبين، وأن ما يسمع في الصالونات السياسية يؤكد أن منسوب التوتر قابل للارتفاع في غضون الأيام والاسابيع المقبلة، وأن هناك في تيار "المستقبل" من يعمل على إطاحة المفتي من داخل الدار من خلال التواصل مع بعض المشايخ الذين ما زالوا يمدّون جسوراً مع الحالة "الحريرية" ويعلنون الولاء السياسي والديني لها. غير أن سلطة هؤلاء ما تزال محدودة، وأن المفتي متنبه الى هذا الأمر ويأخذ الاحتياط اللازم لتجنب أي خرق محتمل يؤدي الى محاصرته أو إضعافه، خصوصاً وأنه تلقى في الآونة الاخيرة بواسطة البعض من هؤلاء تهديدات واضحة بضرورة العزوف عن زيارة الجنوب، والحد من الاندفاع في اتجاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وكذلك باتجاه حزب الله، أقله في هذه المرحلة التي يخوض فيها الرئيس الحريري معركة إسقاط الحكومة، وتضييق الخناق على حزب الله بغية تقويض سلاحه.

وينطلق تيار "المستقبل"، وفق المتابعين لمسار ما آلت اليه العلاقة بينه وبين دار الفتوى، من قاعدة أن من هو مع الرئيس ميقاتي ومن يفتح بابه أمام حزب الله هو عدو له يجب محاربته، وكون ان المفتي في رأي "تيار المستقبل" يقدم الغطاء السياسي والروحي الى الرئيس ميقاتي، فإنه بات من الواجب مقاطعته لا بل خوض معركة ضده.

أين المفتي قباني من مسألة الدفاع عن نفسه وعن دار "الفتوى"؟

لا شك أن المفتي قباني لا يملك القوة نفسها التي يملكها خصمه، وهو بالتالي لن يكون قادراً على المواجهة السياسية، ولذا، فإنه قرر المواجهة بعدم الخوض في السجالات التي يعتبرها عقيمة، واللجوء الى ترتيب "الدار" من الداخل من خلال التحضير الى مجلس شرعي جديد في غضون الشهرين المقبلين، والحرص على ابراز الخطاب الهادئ والرصين الذي يُبقي على المسافة ذاتها بين اللبنانيين، لأنه يعي أن مجرد اتخاذ أي موقف علني ضد "تيار المستقبل" في هذه المرحلة سينقلب ضده، في ضوء ما يشهده الشارع السني من تعبئة على خلفية اغتيال الحريري، وصدور القرار الاتهامي الذي يتهم عناصر من حزب الله بارتكاب الجريمة.

ولا يستبعد هؤلاء أن يلجأ الحريري الى "تسويد" صفحة المفتي لدى المملكة العربية السعودية، والإيعاز الى فريقه في بيروت نبش بعض الملفات التي يعتقد أنها تدين المفتي، حيث يتعلق البعض منها بمسائل مالية وعقارات عائدة للوقف السني.
وأمام هذا المشهد المشحون، فإنه من المتوقع ان تستعر الحرب بين الجانبين، ولا سيما أن الحريري في ما يبدو قد أخذ قراره بخوض حرب شرسة ضد المفتي الذي يعتبر أنه خرج عن إرادته، وأنه بات يشكل رافعة قوية لخصمه الذي خرج بسببه من جنة الحكم وبات مهجرا ما بين فرنسا والرياض وشواطئ اسبانيا.

السابق
بداية سنة دراسية ساخنة!!
التالي
لا عودة له ..