الحرب على الإصلاح أم لإضعاف المسيحي القوي؟

للتيار الوطني الحر قناعة راسخة بأن السجالات القائمة حول مشروع الوزير جبران باسيل للكهرباء ما هي إلا عنوان فرعي في الحرب السياسية الباردة القائمة ضد التيار ورئيسه النائب العماد ميشال عون، وجوهرها العنوان الكبير: الإصلاح بكل مضامينه السياسية والإدارية والمالية.

وفي اعتقاد أوساط سياسية متابعة، فإنه كان من الطبيعي ان يكون النائب وليد جنبلاط أول المعترضين على ما يطرحه ميشال عون، إلا أنها تجزم أن اعتراض جنبلاط الفعلي هو على أمر آخر، لاسيما أنه معروف عنه أنه عندما يريد شيئا يصوب على شيء آخر، وهو الآن يصوب على اعتماد النسبية في قانون الانتخاب، الذي يعتبر المدخل الحقيقي الأول للإصلاح السياسي في لبنان».

وبحسب الأوساط، فإن مطلب النسبية الانتخابية أساسي لمعظم القوى السياسية التي يتكئ بعضها على قاعدة طائفية عريضة، سواء الإسلامية او المسيحية منها، ولا تخشى الذوبان في بحر الأكثرية كما يخشاه جنبلاط، لكن مروحة عون الاصلاحية تتسع لكل ما يمكن أن يلحق أضرارا بالقوى السياسية التي تربعت على عرش السلطة منذ ما بعد اتفاق الطائف، سواء على الصعد المالية والضريبية أو الادارية أو الخدماتية وطبعا السياسية، ما يدفع هذه القوى المتضررة مجتمعة لاتخاذ قرار تحجيم عون داخل الحكومة وخارجها، وخصوصا في المجلس النيابي.

من وراء جنبلاط ، تقف قوى سياسية كثيرة تتلطى «بالموقف التقني» من مشروع تطوير الكهرباء، وفي هذا المجال، لا تخفي اوساط التيار الوطني الحر، انه خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الميقاتية، كانت قوى كثيرة ترغب في انضمام بعض «مسيحيي قوى 14 اذار» الى الحكومة، وخاصة الرئيس أمين الجميل والنائب بطرس حرب وحتى «القوات اللبنانية»، بهدف منع عون وحلفائه المسيحيين من الاستئثار بالتمثيل المسيحي كاملا وفي بعض الحقائب الاساسية الخدماتية والمؤثرة في الحكومة، لكن المفارقة كانت ان «قوى 14 آذار» رفضت المشاركة في الحكومة لأنها وجدت في تمثيل عون فرصة لشن الحرب عليه تحت كل المسببات المنطقية وغير المنطقية لمحاولة اضعافه في مجالات الخدمات وصولا لإضعافه في السياسة.

وتعتبر اوساط التيار ان محاولة تقييد ايدي وزير الطاقة جبران باسيل في مشروع الكهرباء، عبر اقتراحات مثل تشكيل هيئة او لجنة وزارية – تقنية تشرف على المشروع، تعني امرين اساسيين: الاول منعه من قطف النتائج الايجابية وحيدا في حال نجاح المرحلة الاولى، وتحميله المسؤولية وحيدا في حال فشل المشروع باعتباره وزير الوصاية على قطاع الكهرباء، والثاني محاولة البعض «لحس اصبعه»، وظهر ذلك في تسريب معلومات قبل اسبوعين لم ينفها النائب جنبلاط، عن طرح وزيريه في الحكومة خلال جلسة مناقشة مشروع الكهرباء اقتراح تعيين احد اصحاب شركات النفط المقرب من جنبلاط عضوا في هيئة الاشراف على مشروع الكهرباء.
لكن اوساطا حكومية تعتبر ان هناك مبالغة في مقاربة التيار الوطني للملاحظات حول ملف الكهرباء، ولكل ملفات الاصلاح المطلوب على كل مستويات الدولة.

وتذكر الاوساط بان الرئيس ميقاتي اول من طرح اعتماد النسبية في قانون الانتخاب وضمنها في البيان الوزاري لحكومته، واذا كان جنبلاط يصوب على النسبية فهذا يعني حكما التصويب على رئيس الحكومة وعلى كل من يدعم النسبية، حتى الرئيس نبيه بري. كما توضح ان اجراءات التصحيح المالي بدأت مع الوزير محمد الصفدي بدليل الاجراءات التي بدأ يتخذها في وزارته، اما «التطهير» الاداري والامني والقضائي الذي يريده عون، فهو ليس نهج ميقاتي والحكومة عموماً، وإن كان الاصلاح في هذه المجالات أحد عناوين برنامج ميقاتي للعمل.

على هذا، يشكل الاجتماع الوزاري المقرر اليوم في السراي لمتابعة البحث في مشروع الكهرباء، وبعده جلسة مجلس الوزراء لبت او تأجيل المشروع، الفرصة الاخيرة للحكم على مسار ومستقبل الحكومة، ومصير تضامن الحد الادنى داخلها، واحتمالات تفجرها من الداخل في حال نفذ النائب عون تحذيره بعدم السكوت على تعطيل مشروع الكهرباء، خاصة ان هناك مواضيع مشتعلة اخرى لم تقاربها الحكومة بعد، مثل تمويل المحكمة الدولية في تشرين المقبل، والتجديد للبروتوكول بينها وبين الدولة اللبنانية في آذار المقبل، والتعيينات الادارية، وهو الامر الذي يدفع القوى الحليفة لعون الى تكثيف المسعى لمعالجة ملف الكهرباء، حرصا على دور عون ووجوده وحرصا على استمرارية الحكومة، التي إن تم شلها او استقالت فستكون الخسارة على مكوناتها كارثية سياسيا وشعبياً.

السابق
عتاب مستقبلي !!
التالي
إرهاب سبتمبر وتغيير الاستراتيجية الأميركية