أين حزب الله من زوبعة فايز كرم !؟

… اصدرت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد نزار خليل، عند الساعة التاسعة والثلث مساء (السبت) حكمها في قضية العميد المتقاعد فايز كرم في جرم التعامل مع العدو، فدانته بجرم التعامل مع العدو سندا الى المادة 278 عقوبات، وقضت بانزال عقوبة الاشغال الشاقة به مدة ثلاث سنوات وخفضها الى سنتين، وتجريده من حقوقه المدنية. كما قضت بانزال عقوبة الاشغال الشاقة بالمتهم الآخر الفار الياس كرم مدة عشر سنين بعد خفضها من 15 سنة».
72 كلمة كانت كفيلة بإثارة زوبعة اختلط فيها السياسي بالقضائي والامني في ختام صفحة امتدت 13 شهراً، منذ 2 اغسطس 2010 تاريخ توقيف العميد كرم، القيادي في «التيار الوطني الحر» الذي يتزعمه ميشال عون الذي يبقى عليه في حال ثُبّت عليه حكم التعامل بعد تمييزه ان يمضي اقل من 11 شهراً في السجن، اذ تُحتسب المدة التي قضاها قيد التوقيف من مسجونيته.

واذا كانت تلاوة الحكم بعد 11 ساعة من بدء الجلسة ترافقت مع انهيار العميد كرم داخل قفص الاتهام حيث أصيب بعارض صحي دفع النائب ناجي غاريوس من كتلة عون الى معاينته ثم نقله الى مستشفى أوتيل ديو، فان هذا التطور الذي حل وقعه كـ «الصاعقة» على «التيار الحر» جاء ليظهر عوارض «انهيارات» اضافية في المشهد السياسي الداخلي تجلت في الآتي:
وصف نواب «التيار الحر» الحكم على كرم بـ «الباطل»، مطلقين مواقف رسمت علامات استفهام حول مستقبل الحكومة والعلاقة بين مكوّناتها، غامزين من قناة اعتبارات سياسية أملت هذا الحكم وملوّحين بتداعيات سياسية «لا سقف فيها للتحالفات» على ما اعلن امين سرّ «تكتل التغيير والاصلاح» النائب ابرهيم كنعان.
 إحياء السجال حول فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي، وسط معاودة «التيار الحر» الحملة العنيفة عليه من بوابة ان الحكم استند الى التحقيقات الاولية التي أجراها مع كرم، مطلقين حملة تشكيك فيها من بوابة ما اثاروه لجهة عدم وجود اثباتات حولها و«التناقضات» في ما خص التسجيلات لهذه التحقيقات «التي قال فرع المعلومات بداية انها مسجلة، ثم قيل انها غير مسجلة، قبل ان تبلغ المديرية العامة لقوى الامن الداخلي انها أُتلفت على ما يحصل مع سائر التسجيلات»، متسائلين «كيف يتم تلف دليل؟.

وفي حين اكد نواب «التيار الحر» ان هذا الحكم «الظالم» صدر «ليحمي فرع المعلومات، لأن البراءة لم تكن لتبقي شيئا منه ومن صدقيته ومن الرهانات الموضوعة عليه محلياً واقليمياً ودوليا، في ملفات عدة»، اعتبر افرقاء 14 آذار ان الحكم على كرم «أثبت صدقية كل عمل جهاز فرع المعلومات الذي يتعرض منذ فترة طويلة لحملة سياسية شديدة»، منتقدين «الحكم المخفَّف» الذي صدر بحق كرم على عكس الاحكام الاخرى بحق متعاملين راوحت بين سبع سنوات والمؤبد، وغامزين من قناة ضغوط لم يكن «حزب الله» بعيداً عنها للخروج بهذه الحصيلة التي اختصرها القيادي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش معلناً «ما عليك الا ان تنتمي الى «التيار الحر» و«حزب الله» لتكون عميلاً يحصل على اسباب تخفيفية».

وارتفعت سخونة السجال على خلفية ملف كرم بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» في ضوء الافتتاحية التي كتبتها امس صحيفة «المستقبل» واستهلّتها بالآتي: «قبل أن يكتب التاريخ عن «وقاحة» النائب ميشال عون الذي أراد تبرئة «عميل إسرائيلي» بقوة «حزب الله»، سيكتب وبـ»خط نافر» عن «وقاحة» السيد حسن نصر الله الذي «بلع الموس» حيال هذه العمالة. حقاً، ما أقبح وأوقح الـ (…) حين تحاضر بالعفة».
وكانت المحكمة العسكرية الدائمة عقدت طوال يوم السبت الجلسة الأخيرة في قضية العميد كرم، إذ استمعت الى إفادات سبعة شهود قبل ان تستمع الى إفادات ثلاثة ضباط في فرع المعلومات هم الرائد رائد عبدالله والملازم أول فادي حماد والملازم أول آلان داغر والملازم أول في قوى الأمن بشير عبود.

وخلال سماعه، رفض الرائد عبدالله (رئيس القسم الفني في فرع المعلومات) الاجابة على أسئلة تمس سرية عمل الفرع والطريقة التي توصل فيها فرع المعلومات لكشف فايز كرم، لكنه قال: «أكيد لدينا داتا اتصالات لكل لبنان، ومن خلال هذه الداتا نستطيع أن نحلل إذا كانت الاتصالات المشبوهة حصلت مع الموساد أم لا، وهذا الأسلوب الذي اتبعناه أدى الى كشف عشرات شبكات التجسس الإسرائيلية». وأشار الى أنه «نتيجة التحليل والدراسة الفنية المعمّقة والمعقدة، توصلنا لتحديد الخطوط المشبوهة التي استعملها المتهم فايز كرم، وبحسب معطياتنا فإن الخطوط التي اتصل بها هي إسرائيلية».
ورداً على سؤال المحكمة أوضح أن «كل غرف التحقيق في فرع المعلومات مجهزة بتصوير مرئي وبتسجيل صوتي لكل الاستجوابات التي تحصل، لكن هذه التسجيلات تمحى بعد 15 يوماً وهي ليست موثقة».

وبعد الانتهاء من سماع الشهود رفعت الجلسة نصف ساعة للاستراحة، وعادت لتنعقد وتستمع الى مطالعة ممثل النيابة العامة العسكرية القاضي فادي عقيقي الذي تطرق الى اعترافات فايز كرم الصريحة في التحقيقات الأولية وأمام قاضي التحقيق العسكري الأول (رياض أبو غيدا) وقول كرم أمام قاضي التحقيق «أعتقد أن الإسرائيليين كانوا يريدون تجنيدي لأمور أخرى، وإن الضابط الإسرائيلي رافي سلمني خطاً أمنياً كي لا أتكلم معه الا عبر هذا الخط».
وقال عقيقي: «لقد كان العدو الإسرائيلي حريصاً على التواصل مع العميد المتقاعد فايز كرم، وإن إعترافات الأخير جاءت متطابقة ومترابطة ومتسلسلة وقد أدلى بها من دون تعذيب أو إكراه أو ترهيب خلافاً لما يدعي».

ثم ترافع وكلاء الدفاع عن كرم المحامون رشاد سلامة وساندريلا مرهج والياس كعدي الذين وصفوا ملف موكلهم بـ«السياسي وهو من اختراع فرع المعلومات الذي توجد خصومة سياسية بينه وبين العميد فايز كرم»، واعتبروا أن «لا قيمة مادية أو معنوية للتحقيقات الأولية لأنها انتزعت من المتهم تحت التعذيب والتهديد ولأسباب سياسية».

وفي نطقه بالحكم قال رئيس المحكمة العسكرية العميد نزار خليل انه «ثبت ان كرم كان على بيّنة مع مَن كان يتواصل، وهو قال ان اهداف التواصل عديدة بينها رد الجميل لضابط «الموساد» موسى، وافاد ان التواصل اقتصر على شؤون سياسية (…).

وما ان صدر الحكم الذي تم ابلاغ العماد عون به هاتفياً، حتى صدرت مواقف من نوابه ابرزها لكنعان الذي اعلن من امام المحكمة أن «الحكم باطل لأنه بنيَ على باطل»، لافتًا إلى أن «مديرية قوى الأمن الداخلي أشارت في البدء إلى أنه لم يكن يوجد تحقيقات مسجلة مع كرم، ثم قالت بعد ذلك إنها أتلفت التسجيلات بعد 15 يوما من التحقيق معه»، سائلًا: «هل يعقل ان نصدق هذا الامر؟». واشار إلى أنه «تبين أن ليس هناك اي تسجيل يظهر أي مكالمة مباشرة أو غير مباشرة تثبت التعامل»، معتبرا أن «مسؤولية فرع المعلومات كبيرة في هذا الأمر لأنه لم يعرض التحقيقات أمام المحكمة».

وأعلن النائب زياد أسود «سقوط هذه المحكمة» (العسكرية الدائمة)، مشككاً في هذا السياق «بكل إجراءات المحكمة العسكرية والتحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية والعدالة في لبنان».
في المقابل صدرت مواقف من نواب في كتلة الرئيس سعد الحريري (المستقبل)، فاعلن النائب احمد فتفت «ان ما صدر عن المحكمة العسكرية الدائمة هو تأكيد لصدقية فرع المعلومات. فالحكم اكد ان العميد المتقاعد كرم مارس عملاً خيانياً. لكن بصراحة نعتبر ان الحكم خفيف جداً ويشجع الناس على الاتصال والتعامل مع اسرائيل إلا اذا كانت الخلفية السياسية طغت وجعلت المصلحة السياسية اهم من الموقف الوطني الحقيقي».

ورأى النائب عقاب صقر «ان الحكم الصادر بحق العميل كرم أظهر فضيحة مزدوجة، اذ من ناحية اكد حكم السنتين مع الأشغال الشاقة ان جرم العمالة منطبق على كرم خلافا لكل تخرصات النائب ميشال عون وجماعته. ومن ناحية اخرى انكشف حجم الاستنسابية في التعامل مع ملف على هذا القدر من الخطورة. حيث نال زملاء كرم ممن ارتكبوا جرم الاتصال بالعدو وتقاضي أموال منه، او حتى اقل من ذلك، أحكاما راوحت بين السبع سنوات والمؤبد»، وأضاف: «بالمقارنة نتساءل هل كرم ربع عميل او هو عميل غير مكتمل النمو الخياني (…) ونعلم ان حكم المؤبد خفضه انتماء كرم الى التيار العوني وقربه الشديد من رأس التيار إلى 3 سنوات، وتكفلت علاقته الوثيقة بمحور المقاومة وتحديدا حزب الله بحسم سنة عربون وفاء من المقاومة الى عميل حليف كان يسبح في فضاء الممانعة ويعب من معين العمل المقاوم».

وإذ سأل صقر أين حزب الله اليوم من تصريحات قادته التي شنفت آذان اللبنانيين بالحديث عن ضرورة اعدام العملاء كرادع للعمالة»، استغرب «كيف أنّ حزب المقاومة في هذه القضية يعتصم بصمت كصمت القبور» متوجهاً بالتهنئة إلى «حزب الله بحكومة المقاومة التي ترفض محكمة دولية لمجرد شبهة إسرائيلية وتخفض في عهدها أحكام المعترفين بالعمالة المباشرة مع اسرائيل».وختم متهكما: «يفترض توجيه التهنئة الى العدو الاسرائيلي الغاشم فقد ربح جولة، وصار لديه خريطة طريق لتجنيد عملائه، فلن يتعب لان الطريق ارتسمت امام موساده وما عليه الا التوجه الى اقرب ممانع وتجنيده وبذلك يضمن أجود الخدمات وأضمنها مع كفالة بعد التوقيف… اما العميل المناضل فعليه الا ينسى ان يخبر راس تياره بأسرار عمالته ففي ذلك ضمانة لمستقبله وحصانة لمشغليه… وما زلت مصمما انه سياتي يوم سيصير للعملاء نشيد في لبنان، ومن يعش يرى».

السابق
ماذا صمتت المراجع الإسلامية عن مذابح السوريين ؟
التالي
الراي: مواقف ميقاتي أثارت عدم ارتياح حلفائه وجنبلاط أكد أنه لا يمكن التهرب من تمويل المحكمة