آهٍ من عيدنا آهٍ آه

تتصاعد رائحة البخور، المقبرة قريبة مني، والأموات أيضا، ينتشر التائهون، يفتشون بين القبور عن ذاكرتهم، عن حنين لأم أو أب، عن عيد كان ناقصا.
يترنح على كرسيه، العائلة إلى جانبه أيضا، يفترش الأرض زهورا، لا طعم ولا لون ولا رائحة لها، إنها زهور المقابر، يبلسم الزائرون أمواتهم بها، فالحواس الخمسة معدمة لديهم، وهل تهمهم هذه الباقة الصناعية اليابسة؟
لكن سجّل، إنها مصدر رزق له ولعائلته، فلتبقَ الأرض زهورا والمقبرة موتا، وبين هذا التناقض الشكلي، لم يعد للمعاني دلالات.
ينقسم سكان الأرض، يفصلهم ليل أو نهار، تبعد السماء نظراتهم عمّا حولهم، يرفعون رؤوسهم، يراقبون عاليا، يبحثون عن هلال جديد، ويغيبون بانتظار من يقرر عنهم: متى العيد؟
يتشتت أفراد العائلة، أمي اليوم عيدها، وغدا أبي. داخل الخلية الواحدة إنقسام، رسخّه رجال دين، بعدما تخلت الناس عن مهنة التفكير، العطالة عن العمل عادة لنا.
ثياب جديدة، ملابس مرتبة وأنيقة، أفضل ما نلبس في أيام السنة. كل شيء متاح، كل شيء مباح، الأطفال يشترون الالعاب النارية، يأكلون الحلوى بدون ضوابط، لا فرشاة أسنان ولا معجون. يلعبون، يصرخون، يتركون نفايات ألعابهم في السيارة، يقصدون مدينة الألعاب، يأخذون المال، يجمعونه، يشترون ما يريدون، يستيقظون باكرا، قبل وقت باص المدرسة، العيد مختلف لديهم، عيدية منتظرة وفوضى عارمة!
اليوم نغادر المدينة، نحنّ إلى أريافنا، إلى الجبل، إلى الجنوب، إلى البقاع. المدينة وحيدة، العيد لن يمر عليها، ضيعتنا تتأفف من ضجيج أبنائها، غابوا عنها سنين، اليوم يذكرونها، تاركين نفاياتهم، همجيتهم المدنية. خالعين عنها عفتها، وهم يرقصون على أنغام ضجيجهم الغوغائي.
تمتد الموائد، "اللاحمّون" فرحون اليوم، الخراف حزينة، والعجول تنتظر موتها، بطون فارغة من الرحمة، صامت شهرا كاملا، إنه كفر بالطعام، إنه كفر بحاجات غرائزية، من قال إنّ الجوع مختلف بين يوم وآخر؟ السعرات الحرارية تزيد، الوزن يزيد، لا مشكلة اليوم عيد.
في اليوم الأوّل لم يكن هناك صلاة للعيد، عيّدت شريحة كبرى من الناس، من دون أن تفتح المساجد أبوابها لتكبيرة العيد، صلاتهم في المنازل، هم من اللاطبقة سياسيا، لا يؤيدون، و لا ينتمون. المساجد مقفلة أمامهم، ورجال الدين، غابوا بين إنقساماتهم، ولم نجد من يؤمّ الصلاة!
الحفر في طرقاتنا كما هي، اللعنة الصباحية والمسائية نفسها، زحمة السير تخنق ابتساماتنا، الماء في الطرقات، والمنازل عطشى، غدا أول الشهر، نصف الراتب إختفى سريعا، الناس منسيون، والبلدية تتمنى لنا فطرا سعيدا!!

السابق
عماد الحوت: ميقاتي مسؤول عن أي قرار تتخذه الحكومة لقيام مجلس أعلى للمقاومة برئاسة رئيس الجمهورية
التالي
الانباء: معلومات عن رسالة مزدوجة لعون لسحب معادلة الحكومة مقابل الكهرباء و«المستقبل» يهدد بالنزول إلى الشارع في حال إقرار المشروع