ميشال سليمان يقدم إليكم سعادة الصهر

 من إلياس الهراوي وفارس بويز، نزولاً إلى إميل لحود وإلياس المر، نصل ــ في أخير المحطات لا آخرها ــ إلى ميشال سليمان ووسام شوقي بارودي. لا بدّ للرئيس من صهر حتى يستقيم نفوذ العهد؛ فلا يجوز بعد الطائف خصوصاً، أن لا يكون للرئيس صهر، يذبح بظفره

الأول فارس بويز عمّه إلياس الهراوي. «كانت تلك العبارة بطاقة مرور بويز إلى المواقع والإدارات ودوائر النفوذ. خمسة عشر عاماً احتفظ خلالها بويز بالكرة بين قدميه في الملعب الكسرواني: لا منافس جدّياً له ولا قوى سياسية تحلم بامتلاك جزء مما يملكه، سواء كان نفوذاً سلطوياً ومالياً وسياسياً أو قدرات سجالية. لكن رغم ذلك، كان لا مفرّ من أن تنقطع الكهرباء مرتين في غرف فرز الأصوات، لضمان وصوله الآمن إلى المجلس النيابي. ولاحقاً توفي بويز سياسياً قبل وفاة عمه طبياً، وبات يطارد «صيصان عون» بين موسم انتخابي وآخر.
الثاني إلياس المر «عمه إميل لحود». اختار ابن ميشال المر السير في طريق يشقه له عمه إميل، على السير في طريق يشقه له أبوه. هنا أيضاً وجد صهر الرئيس نفوذاً سلطوياً (دفاعاً وداخلية) ومالياً، وباطنية سياسية استثنائيين. لكن هناك أطفال لا تعجل فيتامينات العالم كله في نموهم. فحتى لو بقيت الكهرباء بعد سنتين كما هي اليوم بفضل الوزير جبران باسيل، تنقطع ثلاث مرات في الدقيقة الواحدة، لن يستطيع إلياس المر أن يفوز بالنيابة إذا لم يسر في الطريق الذي يريده له والده. هنا أيضاً يمكن القول إن الصهر توفي سياسياً، فيما عمه حيّ يرزق.
الثالث وسام بارودي «عمه ميشال سليمان». متزوج بريتا، البنت البكر للرئيس. حين يكون سليمان عمّك وتنوي الترشح للانتخابات النيابية ضدّ التيار الوطني الحر تكون إطلالتك الإعلاميّة الجديّة الأولى على قناة الأو تي في. ولأن سليمان عمك، ستسر بالمشاركة في برنامج اسمه «بالهوا سوا»، وستمر ثلاث سنوات على العهد من دون أن يسمع غالبية اللبنانيين بك أو يحفظوا ملامح وجهك. ما دام سليمان هو العمّ، لن يتجاوز النفوذ السلطوي حجم عضلات المرافقين المخصصين لابنة الرئيس، ولن يكون هناك حنكة أو باطنية سياسيتان. رغم ذلك، سيراكم الصهر، نائماً ومستيقظاً، أحلام السلطة، مدركاً أن عمره السياسي لا يمكن أن يكون أقصر من عمر عمه بعد تحطيم الأخير أرقام الخيبات القياسية.
أنا الرئيس ميشال سليمان، أخبئ لكم مفاجأة هي ابني شربل. حتى يحين موعد إطلاقها أقدم إليكم صهري وسام بارودي.
في الانطباع الأول، إنه «زياد بارود ستايل». عمره 38 عاماً. يستقبلك بجينز، قميص أزرق وجاكيت رصينة. يُرجع شعره الخفيف بمساعدة بعض «الجِل» إلى الخلف. تربط الابتسامة أسنانه بخديه. يفتح الباب بنفسه للزائر، ولا يلبث أن يأتيه بالبوظة أو الـ«دايت سفن أب» بنفسه أيضاً. يقرأ من كتاب بارود: «من حقنا (الـ«نا» هنا = شباب لبنان) أن نعمل لإخراج مجتمعنا من الدائرة السياسية التي يبرم فيها (…). لست مع 8 آذار ولا مع 14، انطلاقاً من قيمي الوطنية سأقارب جميع الملفات». مع العلم بأن بارودي هو الذي وطد علاقة بارود بالرئيس سليمان. وكان يفترض بتجربة بارود الوزارية أن توفر لبارودي قاعدة شعبية ومعنوية يتكل عليها في انطلاقته السياسية. لكن استسلام بارود في النهاية أمام نفوذ القوى السياسية، أثر سلباً على بارودي؛ لأن الكثيرين يتساءلون اليوم عن المغزى من دعم الخيار الشبابي، إذا كان سيعلن استسلامه عند الوصول إلى السلطة. يذكر أن بارودي نقل في عهد بارود تذكرة نفوسه من المتن إلى كسروان، عسى أن لا يبقى غريباً.
لاحقاً، سينتقل بارودي من «زياد بارود ستايل» إلى رئيس بلدية جبيل «زياد حواط ستايل». الأخير نجح خلال العام الفاصل بين انتخابات 2009 النيابية وانتخابات 2010 البلدية في تحويل نتيجة الانتخابات في مدينة جبيل من ألفي صوت لعون مقابل ألف صوت لخصومه إلى ألفي صوت لحواط مقابل ألف صوت لعون، وذلك بالابتعاد عن التصعيد السياسي والانهماك بتلبية مطالب الجبيليين الخدماتية. ولزياد حواط شقيق متزوج بالبنت الثانية للرئيس سليمان. ويحاول بارودي أن يتشبه بحواط، ليس بالشكل وحده، بل بفتح منزله أيضاً في بلدة الكفور كل يوم سبت، ليستقبل المواطنين، محاولاً تلبية مطالبهم، فضلاً عن تلبيته مختلف الدعوات التي ترده من أشخاص أو جمعيات أو أحزاب. يستعين بارودي في حواره مع «الأخبار» بعبارات من «كتاب» حواط: «علينا أن نترك خلافاتنا السياسية على أبواب كسروان، وندخل منطقتنا حاملين الملفات الإنمائية فقط (…)». والأخطر: «يجب أن نخلق عصبية مناطقية أسوة بعصبيات المناطق الأخرى، ونتعظ من اتحاد الآخرين لتوطيد حضورهم في مؤسسات الدولة، بغض النظر عن هوية المستفيد السياسية».
شيئاً فشيئاً، يظهر بارودي بالـ«منصور البون ستايل». يقول صهر الرئيس الذي يُعدّ نفسه للترشح عن أحد المقاعد المارونية الخمسة في كسروان: «طبيعة المجتمع اللبناني وواقع الإدارات الرسمية يفرضان على من يرغب في التعاطي بالشأن العام أن يلجأ إلى ما يسمى اليوم «التقليد السياسي». فالشرقيون يحبون التواصل، ولا بدّ من تعزيز العلاقات الشخصية بغض النظر عن الموقف الانتخابي للذي أهنئه أو أعزيه أو أوظف له ابنه. أما الواقع الإداري المخزي فلا يسمح لك بإغلاق الباب في وجه مواطن يقصدك حاملاً ملفاً محقاً. إنساني هذا البارودي، لكنه رغم ذلك يثير بعض الانتقادات. فيقول أحد النواب الكسروانيين إن بارودي، بدلاً من تقديم نموذج سياسي جديد، يستنسخ النماذج التقليدية. وتتواكب حركته الخدماتية مع شائعات كثيرة عن المرامل ومحطات الوقود واستغلال نفوذه في بعض الإدارات الرسمية. وفي ظل تحزب الكسروانيين لعائلات وأحزاب معروفة، لن يستطيع بارودي، بحسب النائب العوني، أن يستقطب غير الذين يسعون إلى سد حاجاتهم المختلفة من طريق الانتخابات، وهؤلاء بغالبيتهم الساحقة يناصرون البون. وبالتالي لن يأكل بارودي الأصوات إلا من صحن حليفه المفترض منصور البون.
بارودي لا يقارن نفسه بأحد، لكن قيمته المضافة، موازنة مع السياسيين التقليديين، هي في مبادئه السياسية، على حدّ قوله. هذه هي التي ستجذب الناخبين وتشدهم إلى وسام بارودي. هنا سيظهر الـ«ميشال سليمان ستايل». يردد صهر الرئاسة الأولى الجديد: «لدي اقتناعات لا أحيد عنها، سواء عززت شعبيتي أو قلصتها. في ما يتعلق المحكمة الدولية، على لبنان التزام قرارات المجتمع الدولي، وما على اللبنانيين إلا انتظار الأدلة التي ستقدمها المحكمة؛ إذ لا يجوز أن يبني فريق موقفه الرافض للمحكمة على أساس تسريبات من هنا وهناك». أما سلاح حزب الله، فيؤكد بارودي اقتناعه بأن لبنان يحتاج إليه، وأن المقاومة الحقيقية لا تستطيع إعلام مجلس الوزراء أو أي سلطة مدنية أخرى مسبقاً بخططها. وفي المقابل، يرى أن «استخدام السلاح في الداخل أضعف المقاومة، وبات مصدر خوف للبنانيين والمستثمرين، فضلاً عن زعزعته الوحدة الوطنية». أما القضايا المالية التي تمثّل عصب الخطاب العونيّ، فيرى بارودي أن الرئيس رفيق الحريري لم ينفرد وحده بالسلطة، و«في حال وجود إهدار في كلفة الإنماء، فإن الحريريين يتحملون فقط جزءاً من المسؤولية عنه». مع العلم بأن بارودي بات المصدر الأساسي لدى الكثير من الصحافيين والسياسيين للإخبار عن سياسة القصر الجمهوري في ظل تكتم الوزير ناظم الخوري وحصر مكتب الرئيس الإعلامي الأخبار الخاصة بصحافيَّين يكتبان لمدير هذا المكتب التقارير عن زملائهما.
الصهر الجديد تمهل قبل الآن في الظهور ريثما يتبلور أمامه المشهد السياسي ويبتعد عنه أولئك الذين هجموا للإحاطة به بعد انتخاب عمه رئيساً، ظناً منهم أنه يسعى إلى منصب سياسي. يحيط نفسه اليوم ببعض الشباب وبرهط من رجال الأعمال. يقول صراحة إن لمصاهرة الرئيس إيجابيات كثيرة وسلبيات كثيرة أيضاً؛ فهناك من «يبسطه أني الصهر، وهناك من لا يراني إلا صهراً للرئيس». المهم أن «لا تنتهي المسيرة مع انتهاء العهد». الأجمل في مقابلته هو قوله: «أنت لا تعرفني جيداً. المحيطون بي يعرفون أنه ليس لديّ شهوة سلطة، ولا أتشردق بالمواقع» 

السابق
لماذا علي عبد الكريم علي؟
التالي
اسارتا في زيارة قا ئد الجيش