مقارنة ليبيا بالعراق خرافة مضحكة

أثناء ثورة الليبيين الطويلة الزمن، والتضحيات، سمعنا أكثر من كاسندرا (لغير المهتمين بالكلاسيكيات، هي الابنة الجميلة لملك طروادة بريام وزوجته هيكوبا في إلياذة هومير ترادف نبوءات التشاؤم) تحذر من أن ليبيا المحررة من الناصرية القذافية ستكون عراق ما بعد سقوط صدام مليئة بالصراعات الطائفية وإرهاب «القاعدة».
المصالح المشتركة والفهم المعوج للتاريخ جمعا اليساريين الشرق أوسطيين والأوروبين، مع الفاشية العسكرتارية في صحافة الناصريين والبعثجية والعروبيين (بعنصريتهم وعنجهية تعريب الإثنيات غير العربية)، مع فاشية ولاية الفقيه وحزب الله – التي تخوض معركة الخندق الأخير في اللافنت (المشرق) دفاعا عن ديكتاتورية البعث. وبهدف فرعي يجدد الحرب مع إسرائيل لإنقاذ الأسد المحاصر، بمساعدة الجماعات الدينية والسلفية الإخوانجية، تحت راية معاداة الغرب.
أطراف تجمعهم معاداة ليبرالية الغرب، لأنها تعتمد حرية الفرد في الاختيار مما يهدد شموليتهم.
الأطراف الإسلامية في التحالف لا تقلق من نجاح شعب أعزل في الإطاحة بديكتاتور عسكري مختل عقليا بمساعدة الديمقراطيات الغربية فحسب؛ بل لأن قادة الثوار، مقاتلين ومنظمين وأطباء وممرضات، يحملون جنسيات مزدوجة أو أقاموا في الغرب. مبادراتهم ببناء ليبيا الديمقراطية بخبرتهم الغربية ستفند أكاذيب الشموليين بأن ديمقراطية حرية الفرد في الاختيار والتعددية فساد وانحلال أخلاقي لا إسلامي.
التحالف الفاشي، وهو على وشك النجاح في اختطاف ثورة مصر – إن لم يكن نجح بالفعل – لاستبدال الديكتاتورية المباركية (المرحلة الثالثة من الديكتاتورية الناصرية) بديكتاتورية شمولية مزدوجة، من السلفية الثيوقراطية والناصرية المعدلة بحماية العسكرتارية؛ هذا التحالف يريد إفشال الثورة الليبية بأي ثمن.
فضائيات بالإنجليزية والعربية والأوردو تستغل الديمقراطية البريطانية للبث بحجة مخاطبة مسلمي أوروبا، بينما تستهدف كعب أخيل المسلم، أي نظرية المؤامرة التي تغلق أذهان المسلمين عن أي فكرة لم تهبط بـ«باراشوت» الفتوى السلفية.
شبكات تتعمد عدم دفع أجر يقبله المتخصصون المحترمون، فتستضيف معلقين مسلمين يمولهم – بسخاء شديد – أمثال القذافي وإيران وصدام سابقا، فيروجون (كذبا) أن الناتو (رغم مشاركة طيران بلدان إسلامية) يستهدف المسلمين في غزو صليبي لليبيا. ولو كان القذافي نجح في ذبح أهل بنغازي من «بيت لبيت ومن زنقة لزنقة» لكان المعلقون شجبوا الغرب «لخذله مسلمي بنغازي طمعا في التجارة مع القذافي».
الصحافة اليسارية (خاصة المملوءة بكتاب يماثل غرورهم الذاتي أي ديكتاتور عربي، ماركتهم المسجلة «خالف تعرف»، مع كوكتيل معاداة أميركا فتقدسهم جماهير عربية لم تتخلص من إدمان صحافة ومناهج تعليم تقييس المسافات بالعداء لإسرائيل ولاستعمار رحل من 60 عاما) تستغل قلق رأي عام من الاقتصاد؛ فالحرب مكلفة إلى جانب ارتفاع خسائر بشرية في أفغانستان، ويحمل الفولكلور اليساري مسؤوليتها لحملة بوش وبلير في العراق.
وفورا يلقي المذيع بـ«كارت» العراق فيبدأ المعلق – المختار بعناية لآرائه المعروفة مسبقا – بالمقارنة المزيفة بين ليبيا والعراق ويلتقط جهاز مناعة اللاوعي لدى الرأي العام إشارة احتمال انتقال عدوى تجربة العراق إلى ليبيا.
ولا يحتاج الأمر سوى لوقفة عقلانية هادئة، بلا عواطف، مع أحداث التاريخ القريب، عام 2003، لإدراك أن الفارق بين ليبيا صبيحة هروب القذافي وآله وصحبه عبر أنفاق باب العزيزية، والعراق صبيحة هروب صدام وولديه وقيادة البعث من بغداد، مثل الفارق بين مناخي الربع الخالي وألاسكا.
بداية أميركا – رغم تقديم المساعدة التكنولوجية واللوجيستية للناتو – تغيب عن قيادة عملية ليبيا سياسيا وتتركها لبريطانيا، بتاريخ طويل من الصداقة مع العرب والدبلوماسية المحنكة بمشاركة فرنسا بخبرتها وشبكة معارفها في الشمال الأفريقي. بل تفاخر الرئيس أوباما بسقوط القذافي بلا مشاركة جندي أميركي واحد على الأرض.
قرار ليبيا مسؤولية المجلس القومي الانتقالي لا قرار حاكم أميركي بسذاجة بول بريمر الذي ارتكب حماقة تاريخية (بمشورة منظمات تحركها إيران) بحل الجيش العراقي وقوات الأمن فكانت فوضى في الشوارع، وتحول جنود مسيسون عراقيون إلى مرتزقة تقاضوا الأجر على عمليات الإرهاب.
الجيش الليبي تعمد القذافي إضعافه وهو غير مسيس؛ وضباطه المنشقون عن القذافي يعملون ضمن خطة، أعدها المجلس الانتقالي، نوقشت في لندن الشهر الماضي، لضم مجموعات ثوار المقاتلين كنوايا لكتائب يقودها هؤلاء الضباط الليبيون مثل تأسيس الجيش البريطاني منذ قرون بكتائب إقطاعيات regiments. خبراء بريطانيا العسكريون – الذين دربوا الثوار – جهزوا مع المجلس برنامج تدريب للجيش الليبي. كما أن الخطة درست أيضا تفعيل دور الشرطة الليبية التي أضعفها القذافي ونزع صلاحيتها ليقوي دور بلطجية النظام المعروفين باللجان الشعبية.
ويعمل محامون ليبيون لتعديل القانون الجنائي ولائحة تنظيم عمل الشرطة وصلاحياتها بإشراف قضاء مستقل شرعوا في تأسيسه.
وبعكس العراقيين، لم ينتظر المجلس الليبي سقوط القذافي فأعد مسودة الدستور الليبي (بلا تدخل أي طرف غير ليبي) جرى توزيعها على الليبيين منذ 9 أغسطس (آب)، بهدف إدخال المقترحات والتعديلات قبل طرحها للاستفتاء ما بين ستة إلى تسعة أشهر، ثم مناقشة عامة لتعديلات محتملة قبل انتخابات برلمانية ما بين 17 – 23 شهرا.
ليبيا يغيب عنها التقسيم العرقي الطائفي على خطوط سياسية، ولا ميليشيات مسلحة كالشيعية المتعددة والبيشمركة الكردية حيث استغلها جيران العراق كإيران والبعث السوري لمصالحهم الخاصة. فدور القبائل في ليبيا اجتماعي واختلافها ثقافي محلي.
مسيرة ثوار 2011 تحت علم استقلال 1951 تؤكد الوحدة. علم رفعه الملك إدريس السنوسي (1890 – 1982) لتلتف حوله كل القبائل الليبية في جيش التحرير بمعسكر إمبابة في القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية. ودخل جيش السنوسي ليبيا بمساعدة مصر وبريطانيا ليعلن دستور برقة 1944 (بحرية الفكر والعقيدة)، وانضمت فزان إلى ولايتي برقة وطرابلس في الجمعية الوطنية للولايات في نوفمبر (تشرين الثاني) 1950، وبعد زيارة تفتيشية اعتمدت الأمم المتحدة قرار الجمعية بعد شهر، وأعلن استقلال المملكة الليبية المتحدة ديمقراطية دستورية بمجلس نواب منتخب 24 ديسمبر (كانون الأول) 1951.
العرقيات التي قهرها القومجيون العروبيون في القذافية الناصرية، كالبربر والطوارق، سيلقون بكل ثقلهم لدعم دولة مدنية برلمانية تضمن المساواة.
الجامعة العربية وقفت مع الشعب الليبي، بعكس دعمها لصدام ضد شعب العراق في عهد سكرتيرها السابق عمرو موسى.
ولا يوجد للجيران، مصر وتشاد والسودان وتونس، أطماع في ليبيا، بل سيدعمون الاستقرار لعودة عمالتهم المهاجرة والتوسع في التجارة. الجزائر – التي لم تعترف بالمجلس – لن تغامر بالتورط في السياسة الليبية بعد تجربة عنف جماعة الإنقاذ في التسعينات.
وجه التشابه الوحيد هو الدور الغربي في ليبيا والعراق لإنهاء ديكتاتوريتين عسكريتين جمعتهما مزبلة التاريخ.

  

السابق
فلسطين والديموقراطية شماعتان للديكتاتورية!
التالي
ميقاتي يحارب على ثلاث جهات