كلفة صعبة يرتبها الدعم اللبناني للنظام السوري

تفاعلت خلال هذا الاسبوع وعلى اثر اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة بدعوة من الجامعة العربية التي اصدرت بيانا اعتبرته السلطات السورية "كأنه لم يصدر "واضطر لبنان الى التنكر بدوره لما حصل في الاجتماع فبرزت مواقف لافرقاء اساسيين في الحكومة نددوا بما اعتبروه تخليا عربيا عن النظام السوري وانتقدوا الدول العربية. فرئيس مجلس النواب نبيه بري تحدث عن تخلي غالبية الدول العربية عن النظام السوري وكذلك فعل نواب ومسؤولون من "حزب الله" بعد تبلغهم ان ما تناولته النقاشات داخل اجتماع وزراء الخارجية العرب كان اقوى بكثير مما جاء في البيان الديبلوماسي للجامعة العربية وان دولا كانت تعتبر داعمة جدا للنظام السوري ومتفهمة له باتت على نقيض مواقفها السابقة وهذه الدول باتت تشكل اكثرية بين الدول العربية من حيث زيادة تشددها ازاء ما يحدث في سوريا. والكلام في هذا الاطار لا يشمل المملكة العربية السعودية او قطر باعتبار ان موقفهما جوهري واساسي في هذا السياق بل ايضا سلطنة عمان والامارات العربية المتحدة وسواها من الدول.

وهذه المواقف اللبنانية تثير تساؤلات جدية حول الكلفة السياسية التي يمكن ان تدفعها الحكومة اللبنانية عربيا ودوليا ازاء هذا الموقف على رغم ان المواقف المنتقدة للدول العربية كانت حتى الان مواقف افرقاء في الحكومة لكن هؤلاء يشكلون ركيزتها الاساسية بحيث يصعب الفصل بين مواقفهم ومواقف الحكومة حتى لو لم تتخذ موقفا علنيا وواضحا خصوصا ان الموقف المعلن للديبلوماسية اللبنانية يترجم الموقف الذي عبر عنه الفريق الشيعي في الحكومة لكن من دون اعتراض من رئيسها. اذ ان الحكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي واجهت لدى معظم الدول العربية الاساسية كما لدى تركيا مشكلة ما اعتبر انقلابا نفذه حلفاء سوريا في لبنان ضد الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري وبحض او غطاء من النظام نفسه. وهذا ادى الى نشوء تحفظات كبيرة على طريقة اسقاط الحكومة وتأليف الحكومة الحالية التي نجت واقعيا حتى الان ومنذ ولادتها قبل بضعة اشهر نتيجة الانشغالات العربية والدولية بالثورات العربية في المنطقة. كما ان لدى الحكومة مشكلة ازاء دعم النظام في سوريا في ظل مواجهته المعارضة الداخلية لشعبه وليس اي فريق خارجي اخر حيث لا تملك عمليا القدرة والبعض يقول الجرأة على عدم تقديم الدعم مع علمها ان الموقف العربي المندد بما يحصل في سوريا يمكن ان يؤدي الى ما هو ابعد على الصعيد الدولي نتيجة العلاقة الديالكتية القائمة بين الموقفين العربي والدولي من حيث اعطاء الاول شرعية للثاني على نحو واسع ومع علمها ايضا ان الانحياز لمصلحة النظام سيكون مكلفا جدا على الاقل من حيث زيادة وطأة المقاطعة العربية للحكومة.
وتبدو مواقف الافرقاء اللبنانيين الحلفاء للنظام السوري في الحسابات الداخلية مفهومة الى حد بعيد نتيجة الرعاية السورية لهؤلاء خلال ما يزيد على ثلاثة عقود استمرت ولا تزال حتى الان وصولا الى الحكومة الحالية وفي ظل رفض لبناني واجهه هذا النظام ايضا من افرقاء لبنانيين اخرين على نحو متقلب ومتعدد، وذلك على رغم ما تثيره هذه المواقف المعلنة من تناقضات حول ازدواجية المعايير التي يعتمدها هؤلاء الافرقاء ازاء ما يحدث من ثورات في الدول العربية. لكن ومع التضييق الدبلوماسي والسياسي على النظام السوري حاليا وصولا الى فرض عقوبات اميركية على وزير الخارجية وليد المعلم الذي كان يعتبر نافذة النظام على المسؤولين الاميركيين نتيجة علاقات واسعة نسجها معهم خلال ما يزيد على عقد من شغله منصب السفير السوري في واشنطن، يبدو لبنان في موقع صعب اذ يأخذ هذا الدور ازاء الدول العربية وليس فقط امام مجلس الامن حيث يبدو في الافق مشروع قرار ضد النظام السوري لم يوضع على نار حامية بعد نتيجة الموقف الروسي الرافض لفرض عقوبات على النظام مدعوما من الصين وبعض الدول الاخرى غير الدائمة العضوية في المجلس. لكن هذا الاستحقاق قد لا يتأخر مع توافر معطيات ديبلوماسية عربية تفيد ان الموقف الروسي الاخير من النظام السوري لن يتأخر في ان يسلك طريق التغيير باعتبار انه موقف تفاوضي ينتظر على الارجح ان يفتح الاميركيون والاوروبيون الباب امام حصوله من اجل المقايضة عليه.

وتجدر الاشارة الى ان لبنان تلقى تحذيرات غربية مبكرة على هذا الصعيد اي في الشهر الثاني للانتفاضة في المناطق السورية ولجوء عدد كبير من المواطنين السوريين الى لبنان لجهة ضرورة عدم التماهي مع النظام السوري والعمل على الفصل بين مواقفهما نظرا الى ما يمكن ان يترتب على لبنان نتيجة لذلك. وكانت الامور في سوريا لم تشهد هذا القدر من العنف في حين تكررت ملاحقة معارضين سوريين في لبنان. وهو امر لم يظهر لبنان الرسمي قدرة على القيام به حتى لو رغب بذلك مما يثير تساؤلات جدية حول الكلفة الدولية التي ستترتب على الحكومة اللبنانية نتيجة لذلك الى جانب الكلفة المترتبة عليه من جانب الدول العربية.

السابق
الحرب الاستباقيّة على الحريري بدأت من طرابلس!
التالي
لبنان اليوم قوي بقوته ..