خالد الضاهر

من أقصى الشمال أتى إلى دار الإفتاء ليفاوض مفتي الجمهورية على إلغاء زيارته لمنطقة شبعا. ربما لكونه أقسى قساة تيار المستقبل أو لكونه القوة الضاربة، أو آخر القادرين على الإقناع. فللرجل أوجه متعددة، ينتقل من أحدها إلى الآخر، مقنعاً الكل بأنه ضرورة للنظام والأمن في البلاد، ولتيارات عدة، منها المستقبل وغيره. إنه خالد الضاهر. هو إخواني سبق أن كان في الجماعة الإسلامية، ثم راح في السلفية، لا بل حاول الانتساب إلى الشق الجهادي، ولكنه بقي مستقبلياً ويرتدي ربطة العنق. عمل في الفتاوى، وكذلك في التحقيقات الميدانية، ويُتَّهَم بأنه قدّم خدمات جلّى في مجال الكشف على المتهمين، ثم عاد إلى تمثيل الأمة في المجلس النيابي.
يخلع الضاهر زياً ليرتدي آخر، وهو اليوم يمثّل عقلية المستقبل الذي بدل أن يعبر إلى الدولة يحار في كيفية الخروج منها وعليها، فتقدم الضاهر رفاقه المستقبليين خطوة، وشرع في الهجوم على ما يُعتبر في لبنان آخر المؤسسات المتماسكة، أي الجيش اللبناني، ليورّط تيار المستقبل في موقف أين منه موقف المسيحيين في الانتخابات النيابية عام 1992، أو موقف الشيعة من الدولة عام 1923.
 

حتى الكتائب اليوم حاولوا الدخول إلى الحكومة الميقاتية، ليس فقط محاولة لحصد مغانم، بل لأنهم تعلموا درس الخروج من الدولة في الماضي القريب. ولكن الضاهر ومن يشبهونه يبنون على ردود فعل شخصية لزعيمهم سعد الحريري، فينغمسون في الخروج ولو كان من جلدهم نفسه، يشتمون مفتيهم بعد أن كانوا يرجمون كل من يتعرض له أو ينتقده.
وبدل أن تتعلق معارضة الضاهر بالمؤسسات وتحيّدها بصفتها لكل المواطنين، راح الرجل يشتم قيادة الجيش، والجيش، ويلوّح بالعصيان والانشقاق، علماً بأن بديل الجيش لن يكون ساراً. فإذا انهارت المؤسسات تعود الميليشيات، وفي لعبة الميليشيات قد يسرّ الضاهر شخصياً، ولكن حتماً لن يسرّ زعيمه. فقد اختبر هذه اللعبة سابقاً وأحرق أصابعه فيها. اللهم إلا إذا كان هناك من يفكّر في تدويل الأمن أو التعامل مع الجيش كما يُتعامل مع وزارة الهاتف.
شخصية الضاهر السلفية لم تكن مقنعة لأبو عائشة، الشاب الذي انتفض على ظلم السلطات وذهب معتزلاً إلى الضنية عام 2000. وحين حاول الضاهر مفاوضته هناك، كان انعدام الثقة بالضاهر قد بلغ حداً دفع بأبو عائشة إلى إلزام الضاهر بخلع كل ملابسه قبل استقباله، وهكذا كان.

وأيضاً لم تكن مقنعة سلفية الضاهر عام 2007 لقيادات تنظيم فتح الإسلام، حيث كان يُتعامل معه بالكثير من الشك والريبة. ولكنها كانت مقنعة للشبان المتحلقين حول أسرى الحزب السوري القومي الاجتماعي الواقعين في قبضة الضاهر في حلبا. هناك اكتشف أتباع الضاهر المستوى الشرعي الرفيع الذي يملكه الرجل، وراحوا يروون لاحقاً أنه بعد اعتقالهم لشبان الحزب الذين نفدت ذخيرتهم واستسلموا للجيش ثم تركوا في أيدي مهاجميهم، عمد الضاهر إلى التحقيق معهم أمام الشبان، ثم استُفتي أحد المراجع الدينيين، وعاد بعدها بعضهم ليكشف عن عورات الشبان ليتأكد من منهم مسلم ومن هو غير مسلم، قبل أن يُطلَق «نوع الحكم الشرعي». فقتل المسلم يجب (كما يبدو) أن يحصل بخلاف قتل من لم يكن مسلماً، وهو ما اعتمده تنظيم القاعدة في العراق في التفريق بين حزّ الرؤوس وقطع الأعناق (رغم أن التنظيم لم يصل إلى حدّ تحطيم الرؤوس بالأحجار).
أما الإخوانية فقد كانت الطريق الأمثل لخالد الضاهر. طبعاً لم يختلف الضاهر مع الجماعة الإسلامية على الاستراتيجية الدفاعية، أو على الموقف من الثورة السورية، بل ببساطة كان الخلاف النهائي حين قرر الترشح للانتخابات النيابية عام 2000 ورفضت الجماعة ترشيحه، فانفصل عنها وترشّح وخسر.
عامها، وضع يده على أرض ومدرسة، ورأى أنهما تعويض عن خدماته، لكونه كان عاطلاً من العمل، ورفض إعادة الأرض والمدرسة إلى الجماعة، حتى رمضان الماضي، حين أعاد الأرض إلى الجماعة بعد سلسلة وساطات طويلة.
نائب الأمة بقي يلعب على محور المنكوبين، ويجمع السلاح مقابل المال، حتى ارتقى على ظهور المنكوبين إلى المجلس النيابي. حينها رمى السلاح إلى المحيطين به، للتخلص من مسؤوليته، ومن عبئه، ورمى مع السلاح المنكوبين، من ناخبيه ومن القاطنين في المنكوبين، ولكنّ المحيطين به تولّوا بيع السلاح بدل توزيعه.
إلا أن الأمر لم ينته هنا، ولن ينتهي هنا، بل عاد اللعب بالسلاح وبالمنكوبين من المساكين، فتورّط من تورّط في اللعب بالداخل السوري وبإطلاق النار عبر الحدود، وكأن الثورة السورية ينقصها ملّا أو نائب ومحقق ميداني. كذلك يُتَّهم بأنه أرسل من يفسد على الصائمين إفطارهم فيقتل من يقتل ويصيب من يصيب ويرهب من يرهب، قبل أن يشنّ هجومه على الجيش.
من أوصل الضاهر إلى المجلس النيابي عليه أن يفكّر في كيفية إخراجه.

السابق
مليارا شخص يستخدمون الإنترنت
التالي
طرائف الثورة على النت سيف الإسلام: بابا فين؟