نسمات إيرانية في الربيع السوري

التبس الموقف الإيراني الأخير الذي اعلنه وزير خارجيتها علي أكبر صالحي بشأن الموقف من سورية على الكثيرين الذين بدأوا على الفور وضع رهاناتهم على تغير الموقف الإيراني وانعطافه في اتجاه مختلف، منطلقين في ذلك من مجموعة عوامل أهمها، ما سرب عن مفاوضات تجريها طهران مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن عدد من الملفات الساخنة في المنطقة، في مقدمتها الوضع في العراق، على ضوء الرغبة الأميركية بالبقاء لفترة أطول هناك بعد أن كانت قد قررت في وقت سابق الانسحاب نهاية العام الجاري.

ما تتحدث عنه مصادر دبلوماسية مطلعة على الحراك الدبلوماسي الأميركي في المنطقة، لا يشير الى ان مفاوضات أميركية ـ إيرانية قد انطلقت بخصوص هذا الأمر. إلا ان ما توفر من معلومات يؤكد ان مسألة عقد لقاءات بين الجانبين كان قد طرح منذ فترة قصيرة، حالت دونها عقبات كثيرة اهمها رفض المملكة العربية السعودية إجراء مثل هذه اللقاءات من دون التنسيق معها، إذ اعتبرتها موجهة ضدها، او فيها من الطعن الأميركي بشكل كاف لاستراتيجية العلاقات الأميركية ـ السعودية ولا سيما في الفترة الحالية التي تشهدها المنطقة وما يجري فيها من اضطرابات شعبية وامنية.

غير أن الموقف الأخير الذي أعلنته طهران تجاه سورية، لم يكن سوى "نسمات" إيرانية في "الربيع" السوري، كما أنه لا يتضمن جديدا، إلا بعض المفردات التي أدخلت على الخطاب الإيراني تتعلق بـ"تلبية مطالب الشعب السوري".. وتنفيذ الإصلاحات التي وضعها الرئيس السوري بشار الأسد موضع التنفيذ منذ لحظة الإعلان عنها، والتي عهد بها الى الحكومة التي شكلها في خضم الازمة لتنفيذها من دون أن تتأثر في الاحداث الجارية، في حين أن ما تدعو اليه إيران حاليا على مستوى الاصلاحات، لم يخرج الى العلن إلا بعد أن خرج الرئيس الأسد عبر الإعلام السوري موضحا، ان الأزمة باتت في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على إنهائها في إشارة مطمئنة تلقفتها العاصمة الإيرانية، عدا عما تنقله القنوات الخاصة من معلومات يجري تبادلها بين البلدين بالنظر الى عمق العلاقات التي تربطهما، ناهيك عما هو معلن من تحالف استراتيجي تخاض الحروب في المنطقة لاجل كسره.

تقول المصادر الدبلوماسية المطلعة، إن الجمهورية الإسلامية في إيران تتابع الوضع السوري من الداخل ولا تراقبه فقط من الخارج، لأنها تعتبر أن الحملة العنيفة التي يشنها العالم الغربي على سورية تتجاوز مسألة الإصلاحات الداخلية، وما تحاول تلك الدول التستر وراءه من شعارات حقوق انسان وغيرها، من دون أن يعني ذلك الدخول على خط ما يجري على الارض، كما تعمد بعض الجماعات المسلحة من المعارضة السورية الى ترويجه لتهييج الرأي العام الدولي ضد إيران وحزب الله في لبنان، لأنه لو كان ذلك صحيحا، لكان العالم المتآمر وجد مبرراً للتدخل العسكري الذي يخشاه حتى اللحظة لاعتبارات عديدة، فهو يعرف، وأقر بذلك، بأن ظروف التدخل في سورية ليست مشابهة لتلك الحرب التي شنها على ليبيا، وبالتالي هو لن يكررها، إلا إذا وجد من يكون فيها "رأس حربة"، و قد عمل في المرحلة الماضية على تهيئة تركيا للعب هذا الدور، لكن أنقرة أعلنت أنها ليست على استعداد للقيام بهذه المغامرة الخطيرة.

وتكشف المصادر الدبلوماسية عن تهديدات وجّهتها إيران الى العربية السعودية بعد الرسالة التي وجهها الملك عبد الله بن عبد العزيز الى سورية في 8 آب الجاري، في إطار توزيع الأدوار الدولية في الحملة عليها، والتي كانت نتيجة المعلومات التي بدأت تتسرب عبر المعارضة السورية وجماعاتها المسلحة ومفادها: أن الحكومة السورية بدأت تحكم سيطرتها على الوضع، وأن التحركات التخريبية الى افول، فكان أن برز الدعم على شكل إعلامي، وتصعيد في اللهجة تجاه الرئيس الاسد تطالب بتنحيه عن الرئاسة.
التهديدات الإيرانية للسعودية بلغت في تلك الآونة حدها الأقصى، بحيث رصدت الدوائر العسكرية في المملكة تحركات جدية وغير مسبوقة للجيش الإيراني وقوات حرس الثورة الإيراينة في المناطق المتاخمة للحدود مع السعودية، ما دفع السلطات الملكية الى التحرك بشكل عاجل على خط الولايات المتحدة التي كلفت السفير الفرنسي في طهران لقاء الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لإبلاغه رسالة أميركية تتضمن تحذيرا، إلا أن نجاد رفض مقابلة السفير الفرنسي الذي شدد على انه يحمل رسالة من الولايات المتحدة، ما اضطره الى "زجره" رداً على إصراره، في محاولة لإفهامه أن ذلك بالتحديد ما يجب أن ينقله الى الإدارة الأميركية على أنه موقف إيران .

ما اقدمت عليه طهران في الرد على السعودية يدل على موقفها الحقيقي تجاه سورية، علما انها تؤيد بشكل قاطع ما يريده المواطنون السوريون من حقوق سياسية واجتماعية وحريات، وهو ما تحث الرئيس الأسد على الإسراع في تنفيذه ولكن ليس على حساب وحدة سورية وأمنها.

لا بد من الإشارة هنا الى أن الكلام الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب يوم القدس العالمي، لا يحيد قيد أنملة عن تلك الإستراتيجية التي تتبعها طهران تجاه دمشق. ومناسبة هذه الإشارة، ما نقلته إحدى وكالات الأنباء الأوروبية الغربية عن مصادر في المعارضة السورية توقعها أو حتى رهانها على تغير في موقف حزب الله من النظام في سورية، ليشار الى أن هذا النوع من الكلام ليس سوى "فقرة" في برنامج الحملة على المنطقة التي تتوقع سورية ان تزداد في المرحلة المقبلة، لكنها بحسب مصادرها اصبحت اكثر استعدادا لمواجهتها بعد تنفيذ خطة ضبط الأوضاع في شقها الأخير.

السابق
ملاحظات على مشروع قانون السير الجديد
التالي
حركة شباب 6 أبريل تدعو السيد نصرالله إلى مراجعة موقفه من النظام السوري