كهربة عون···وقرار تصريف الأعمال!

يبدو من الصعب التعامل مع تكتل الإصلاح والتغيير، ورئيسه النائب ميشال عون إلا على طريقة <عنزة ولو طارت>، التي يُؤمن بها جنرال الرابية، ويحاول فرضها على الموالاة والمعارضة، انطلاقاً من <قدراته الخارقة>، التي تحوّل <الإصلاح> إلى استئثار بالسلطة، وتعتبر التغيير وسيلة لتحقيق المثل الشائع: <قم لأقعد مكانك!>·

لم نكن بحاجة إلى ملف الكهرباء، العونيّ بامتياز، لندرك أن مزاج رئيس تيّار الإصلاح يبقى مكهرباً، طالما أنت لم تُجارِه في جموحاته السياسية وفي طموحاته الرئاسية·

ولم تكن الحكومة تنتظر تهجمات عون وحملاته المتكررة على رئيس مجلس الوزراء، والوزراء الوسطيين، لتدرك أن ثمة محاولة مكشوفة للهيمنة على قرار الحكومة من قبل جنرال الرابية ووزرائه الأشاوس·

ولم يكن اللبنانيون، ينتظرون تهديدات عون بإسقاط الحكومة عبر استقالات وزراء التيار، ليعلموا جيداً أن البلد كلّه، وليس الحكومة وحدها، هو أسير لعبة ابتزاز رخيصة، وضعت الصفقة والمصلحة الشخصية فوق أي اعتبار للتضامن الحكومي وللاستقرار، ورفعت <الكرامة> الشخصية فوق كرامات كل المرجعيات الوطنية والسياسية والرسمية الأخرى، على اعتبار أن صاحب مشروع الكهرباء وكرامته يتقدّم الجميع بالعفة والطهارة والقداسة الوطنية··· إلخ!·

لسنا في وارد مناقشة وتفنيد <ورقة الكهرباء> المقدّمة من النائب ميشال عون، والذي يطالب فيها بتخصيص مليار ومائتي مليون دولار أميركي إلى الصهر العزيز وزير الكهرباء، يصرفها كيفما يشاء بحجة العمل على تأمين 700 كيلووات جديدة، فالمسألة تتجاوز التفاصيل التقنية، إلى جوهر الأسس التي تقوم عليها الدولة، وإلى القواعد والقوانين التي تنظّم الإنفاق العام، وتصون الأموال العامة من العبث والهدر والسرقات·

في الشكل، جاءت ورقة عون <لأن النص لم يتضمن مشروعاً أو خطة واضحة المعالم والأهداف> لتنقض كل الطروحات والشعارات التي يرددها التيار العوني، ويُزايد بها على خصومه السياسيين، بالنسبة لبناء الدولة، والحفاظ على الأموال العامة، وضرورة التمسك بالأنظمة والقوانين مرعية الإجراء، في إدارة شؤون البلاد، وتنفيذ المشاريع الإنمائية·

فالمنطق الذي طرحه جنرال الرابية في ملف الكهرباء يعود بنا إلى القرون الوسطى، يوم كانت أوروبا تختصر دولها بشخصية الملك: <أنا الدولة··· والدولة أنا>!·

وعندما تصبح <الكرامة> الشخصية أهم من وجود حكومة في البلد، يصبح الشعار: <أنا أو لا أحد> لازمة ضرورية لتبرير كل تصعيد وتوتير في موضوع الكهرباء·

أما في المضمون، فيبدو أن صاحب الورقة المكهربة لم يعد يثق بالنظام السياسي في البلد، ولا حتى بالنظام المالي المتّبع وفق قانون المحاسبة العمومية، ومؤسسات الرقابة المالية، لا سيما ديوان المحاسبة، لأنه يريد أن يقفز الوزير المدلل فوقها جميعاً، حتى يتمكن من التصرف بالمليار والمائتي مليون دولار، بالطريقة التي يراها مناسبة، حتى ولو أدى ذلك إلى توظيف العشرات من الخبراء والمستشارين، إلى جانب المئات من الفنيين، بحجة الإسراع في بناء محطات توليد الطاقة، بعيداً عن رقابة مجلس الخدمة المدنية وإجراءاته في تعيين الموظفين الجدد، وبمنأى عن عيون هيئة التفتيش المركزي التي تُراقب وترصد أداء المدراء والموظفين والخبراء في إدارات الدولة·

أما مسألة تأمين هذا المبلغ الضخم من خارج الموازنة، فتبقى مهمة وزارة المالية، التي يبدو أن وزيرها التزم الصمت إزاء مطالبة عون باستدانة المليار وملحقاته من السوق المحلية بفائدة مرتفعة قد تصل إلى 8 و9 بالمائة، لأن الوقت لا يسمح بانتظار نتائج المفاوضات مع صناديق التنمية العربية والدولية التي تؤمّن التمويل عادة لمشاريع البنية التحتية، مثل هذا المشروع، بفوائد رمزية لا تتجاوز 2%، مع فترة سماح لا تقل عن 3 أو 5 سنوات، قد تنتهي بمبادرات إعفاء عن سداد الأقسام الأخيرة من القرض!!·

صحيح أن تهديدات عون ووزراء الرابية بقيت حبراً على ورق، لأن صاحبها لم يجرؤ على تنفيذها، لأنه يُدرك جيداً أن القرار الحاسم ليس بيده، و <الأمر> اليوم ليس له، بل لحليفه الاستراتيجي <حزب الله>·

وإذا كان الحزب قد مَنَح عون فرصة المناورة الواسعة في فترة <الوقت الضائع> قبل تأليف الحكومة، فهل هو في وارد السماح بتحويل الحكومة الميقاتية إلى حكومة تصريف للأعمال؟·

من خلال قراءة التكتيك الذي اتبعه عون، والانفعال الزائد الذي أدار به ورقة الكهرباء، بدا واضحاً أن جنرال الرابية لا يُدرك جيداً أن <حزب الله> بحاجة اليوم إلى كل من الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي ومعهما النائب وليد جنبلاط، وما يمثلون داخل الحكومة، بقدر حاجته إلى عون ووزرائه، وبالتالي فإن مواقف عون سقطت في فخ <المفاضلة> التي كان يرتكز عليها دائماً رئيس التيار العوني، في مناوراته السياسية تجاه الأطراف الآخرين في دائرة التحالف التي تجمعهم مع <حزب الله>، تلك المفاضلة التي دفعت عون أكثر من مرّة إلى تحدّي الرئيس نبيه برّي، والغمز من قناته في كل منعطف تتباين فيه المواقف بين عين التينة والرابية·

من هنا يُمكن القول بكل بساطة وبمنتهى الوضوح، أن قرار تطيير الحكومة هو بيد <حزب الله>··· وليس متاحاً لأي طرف آخر في الأكثرية الجديدة، سوى رئيس الحكومة نفسه الذي تؤدي استقالته إلى استقالة الحكومة كلها تلقائياً، حسب ما نص الدستور·

فما فائدة كل هذه التهديدات والعنتريات التي يلجأ إليها عون كلما دق كوز جموحاته بجرّة الحكومة··· والدستور؟·

لا مؤشرات حتى الآن على حصول التوافق المنشود بين أطراف الحكومة على صيغة معينة لمعالجة ورقة الكهرباء· ولكن الأكيد أن مشروع عون لن يمرّ في مجلس الوزراء كما طرحه صاحبه، الأمر الذي من شأنه أن يُعرّض كلام عون وتهديداته إلى اختبار جديد لصدقيتها وجدّيتها· ومع ذلك فإن الحكومة باقية على شرعيتها الحالية، على اعتبار أن تحولها إلى <حكومة تصريف أعمال> قد تفرضه تطورات إقليمية على إيقاع الأحداث الجارية في سوريا، أو مقتضيات داخلية ترتبط بمواجهة <حزب الله> لإجراءات المحكمة الدولية، وفي الحالتين لا علاقة لتكتل عون بقرار <تصريف الأعمال>!!·

السابق
النهار: حركة العطلة تتركّز على احتواء الأزمة الحكومية
التالي
الراي: لبنان يتهيأ للجم الصراع بين أطراف حكومته