الراي: لبنان يتهيأ للجم الصراع بين أطراف حكومته

تستمر بيروت في «ربط أحزمتها» وهي تتلقى «وهج» الاحداث العاصفة في سورية، ما يجعلها تراقب باهتمام «فوق عادي» الحركة الماراتونية والصاخبة الجارية في المنطقة وعلى وقع خروج المارد السوري من القمقم.
وفي الوقت الذي تعكف بيروت على التدقيق في التقارير عن المساعي التي تشبه «الفرصة الاخيرة» في اتجاه نظام الرئيس السوري بشار الاسد، فإنها تحاول ضبط اندفاعة ملفاتها المأزومة نحو منزلقات خطرة.

فالدوائر المراقبة في العاصمة اللبنانية تجري «قراءات» لمغزى التحرك التركي والموقف الايراني والمساعي الروسية وحركة الجامعة العربية، وكله على خط ما بدا وكأنه «الانذار الاخير» للأسد المطالَب بوقف فوري لحمام الدم والقيام بإصلاحات فورية و… قبل فوات الأوان.

وفي غمرة ذلك تتزايد «الحشْرة اللبنانية» الناجمة عن التصاق حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بالنظام في سورية وتكرار «حزب الله» اللاعب الرئيسي في الحكومة وقوفه الى جانب النظام وخياراته، في الوقت الذي تمضي المعارضة اللبنانية «14 آذار» في موقفها المتضامن مع الشعب السوري.
ووسط انحسار ملحوظ للحملات الاعلامية والسياسية التي فجّرتها ازمة الخلاف على ملف الكهرباء داخل حكومة ميقاتي الاسبوع الماضي، برزت في اليومين الاخيرين ملامح محاولات جدية للتوصل الى تسوية لهذه الازمة ضمن المهلة الطويلة النسبية التي حددتها الحكومة لنفسها والتي تنتهي في السابع من سبتمبر موعد الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء.

ويبدو ان المساعي الجارية للتوصل الى تسوية يعمل عليها اكثر من طرف محلي من فريق الاكثرية الحكومية كما يتولاها مباشرة رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة عبر وزراء من فريقه. وتقول مصادر وزارية مطلعة على هذه المساعي لنا ان الفريقين المعنيين مباشرة بالتصعيد الذي ادى الى انفجار المشكلة، اي «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون والحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة النائب وليد جنبلاط أظهرا في الساعات الـ 48 الاخيرة اشارات واضحة الى الاتجاه لوقف الحملات الاعلامية المتبادلة اذ تراجعت الى حد بعيد ملامح حملة على النائب جنبلاط على ألسنة نواب من تكتل عون وكذلك عبر المحطة التلفزيونية التي يملكها «التيار الحر». وفي المقابل امتنع جنبلاط ووزراؤه عن اي رد على الحملات.

وافادت المصادر نفسها ان اللقاء الذي عُقد بين سليمان وجنبلاط يوم السبت في قصر بيت الدين تناول هذه الازمة والسبل الممكنة للتوصل الى تسوية تتيح اقرار خطة الكهرباء ضمن ضوابط قانونية وتقنية من دون ان يؤدي ذلك الى شل عمل الحكومة، مما يعني ان العمل جار للتوصل الى حلّ يقبل به كل من عون وجنبلاط ويحفظ ماء الوجه لكليهما بعد انفجار الخلاف بينهما مباشرة.
وتضيف المصادر انه يبدو ان عون تلقى بدوره «تمنيات ورسائل» من حلفائه المباشرين كسورية و«حزب الله» بان حملته القوية على الحكومة، وهو طرف اساسي فيها، لا تتلاءم والظروف الخارجية والمحلية التي تملي ظهور الحكومة بمظهر متماسك وان تهديده بالانسحاب منها تجاوز الى حد بعيد حدود اي موقف معقول يمكن ان يجد له داعمين اقوياء كـ «حزب الله».
هل يعني ذلك ان هناك تسوية وشيكة للازمة وعلى اي معايير يمكن ان تقوم هذه التسوية؟

تقول المصادر الوزارية انه بعد عطلة عيد الفطر ستجري بلورة البنود التفصيلية للتسوية او لمشروع التسوية في ضوء عاملين لا بد من اخذهما في الاعتبار وهما: حتمية اقرار المشروع المتعلق بملف الكهرباء حفاظاً على صدقية وزارة الطاقة والفريق الذي يتولاها اي عون، وفي الوقت نفسه اعادة هذا المشروع الى «بيت الطاعة» الحكومي بوضع ضوابط قانونية وتقنية تُبقي ادارة المشروع في عهدة الحكومة مجتمعة.
واذا كان هذان الشرطان يتعلقان بالجانب الاجرائي للمشروع – الازمة، فان المصادر تعتقد ان المرحلة الفاصلة عن موعد السابع من سبتمبر ستكون كافية لاعادة تعويم الحكومة التي تعرّضت لضربة حادة من جراء انفجار هذه الازمة ما وفر للمعارضة مكسباً مهماً للغاية، اذ بدت الحكومة على مقدار كبير من الانكشاف في ظل افتقارها الى مشروع موحد او سياسات موحدة حيال الملفات الداخلية، وهو امر تحذّر المصادر من مضاعفاته على المدى القريب لان هذا الانكشاف يمكن ان يتكرر مع اي ملف آخر يُطرح على المعالجات.

واذا أمكن احتواء هذه الازمة بعد كل الاضرار التي احدثتها، فان اي خضة جديدة ستحمل معها بذور خطر حقيقي على الحكومة لن تقف عند حدود شل قدرتها وعملها بل قد تتسع الى الاطار السياسي الذي يتهدد الاكثرية.
وفي موازاة ذلك، عاد الرئيس ميقاتي بعد ادائه مناسك العمرة في مكة المكرمة. واذ استوقف دوائر مراقبة ان العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز لم يستقبل وإن «بروتوكولياً» رئيس الوزراء اللبناني، نقلت صحيفة «النهار» عن أوساط قريبة من الاخير «ان الزيارة كانت في الاساس لاداء مناسك العمرة كعادة الرئيس ميقاتي أواخر كل شهر رمضان. ومع ذلك تخللت الزيارة لقاءات رسمية عدة مع كبار المسؤولين السعوديين لم يعلن عنها وكانت ايجابية جداً».
ويذكر ان ميقاتي زار امس الاحد يرافقه الوزير محمد الصفدي رئيس الحكومة السابق عمر كرامي، معتبراً «ان كل الذي يقال اليوم هو نوع من شل الحكومة، وقضية الكهرباء يدور حولها نقاش بناء كي تصل الكهرباء بأفضل السبل وضمن الضوابط المطلوبة وبشفافية كاملة ومريحة للمواطنين». واضاف ميقاتي: «أنا متأكد من أن الجميع حريصون على أمرين: بقاء الحكومة وإيصال الكهرباء إلى المنازل، وضمن هذين المعيارين ستكون لنا عملية وضع الضوابط الأساسية كي تصل الكهرباء بالطريقة السليمة وفي 7 سبتمبر ستكون الأمور في نهايتها ونضجت».

السابق
كهربة عون···وقرار تصريف الأعمال!
التالي
سورية المقاومة!