هل ينجح الإسلاميّون في معالجة التباين في مواقفهم؟

مع تصاعد التطورات في الدول العربية (سقوط معمّر القذافي، استمرار التحركات الشعبية في سوريا، الأحداث المستمرة في مصر واليمن والبحرين…) برز وجود بعض التباين في موقف القوى الإسلامية عامة واللبنانية على الأخص من هذه الأحداث; ففيما وقفت كل من الجماعة الإسلامية والتيار السلفي وحزب التحرير الى جانب التحركات الشعبية في سوريا، حرص حزب الله وجبهة العمل الإسلامي وتجمع العلماء المسلمين على التعاطي الحذر مع هذه الأحداث والتحذير من مخاطر ما يجري في سوريا نظراً إلى الدور السوري في دعم قوى المقاومة. أما حركتا حماس والجهاد الإسلامي فقد ابتعدتا عن اتخاذ مواقف واضحة وحاسمة باستثناء بيانات محدودة عبّرت عن احترام رغبة الشعب السوري بالتغيير مع تأكيد دور النظام في دعم المقاومة.
ورغم ان مواقف القوى الإسلامية من التطورات في مصر وتونس واليمن وليبيا كانت متقاربة إجمالاً مع بعض الخلافات التفصيلية في بعض المحطات، برزت بعض أجواء عدم الثقة بين القوى الإسلامية الفاعلة، وخصوصاً بين حزب الله من جهة والإخوان المسلمين عامة من جهة أخرى، بسبب التخوف الذي تعبر عنه بعض الأوساط القريبة من الحزب من «وجود صفقة بين الأميركيين والإخوان المسلمين بدعم تركي وقطري لإدارة أوضاع المنطقة، ما قد يؤدي إلى إضعاف قوى المقاومة».

وبغض النظر عن صحة هذه التقديرات والأجواء فإن تداولها في بعض الأوساط الاعلامية والسياسية القريبة من الحزب وضعف التواصل بين القوى الإسلامية الفاعلة أوجد بعض الاشكالات والحساسيات في العلاقة بين الإسلاميين والتباينات في المواقف من الأحداث والتطورات في عدد من الدول العربية.
فما هي حقيقة هذا التباين في المواقف؟ وما مدى صحة التخوف من وجود صفقة اميركية – اخوانية حول وضع المنطقة؟ وهل هناك إمكانية للتوصل إلى رؤية إسلامية موحدة تجاه التطورات التي تجري في الدول العربية؟

أسباب التباين
في بداية التطورات والأحداث في الدول العربية أبدت كل القوى الإسلامية ترحيبها بما يجري من ثورات شعبية وخصوصاً في تونس ومصر واليمن. لكن مع بدء التطورات في البحرين بدأت تبرز بعض الخلافات حول الموقف مما يجري هناك. أما على صعيد الوضع في ليبيا، فقد كان التباين محدوداً بسبب ارتباط بعض الجهات الاسلامية بالنظام الليبي، لكن التباين في المواقف بدأ يبرز بوضوح بعد بدء التحركات الشعبية في سوريا ووجود وجهتي نظر إسلاميتين في هذه التحركات. ففي حين ان الجماعة الاسلامية والاخوان المسلمين وحزب
التحرير والسلفيين والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين يعتبرون ان ما يجري في سوريا ثورة شعبية حقيقية لا بدّ من دعمها وان على النظام السوري التجاوب مع مطالب شعبية، فإن اطرافاً اسلامية أخرى (كحزب الله وجبهة العمل الإسلامي وتجمع العلماء، بدعم من الموقف الايراني) كانوا يعتبرون «ان هناك مؤامرة تستهدف النظام السوري بسبب موقفه الداعم للمقاومة. وانه اذا كان صحيحاً أن هناك مطالب شعبية والحاجة للاصلاح السياسي فإن ذلك ينبغي ان يتم عبر الحوار وليس من خلال الضغوط والتحركات التي تتطور الى أحداث أمنية.
لكن المشكلة الأخطر التي برزت مؤخراً انتشار بعض الأجواء والمعطيات لدى بعض الأوساط السياسية والاعلامية عن «وجود صفقة كبرى بين الإخوان المسلمين في المنطقة والاميركيين برعاية قطرية – تركية للامساك بالحكم ومحاصرة قوى المقاومة»، وقد عزز هذه الأجواء ضعف التواصل بين الأطراف الإسلامية الأساسية. ومع ان مصادر مطلعة في قيادة «الاخوان المسلمين» تنفي صحة هذه المعطيات وتؤكد حرص الاخوان على دعم قوى المقاومة ورفضهم لأية صفقة أو اتفاق مع الاميركيين على حساب الموقف من الكيان الصهيوني والمقاومة، فإن ذلك لم يلغ بعض أجواء التباين، وخصوصاً مع وجود اسئلة واستفسارات عن مستقبل الوضع في المنطقة اذا سقط النظام السوري والتخوف من حصول حروب أهلية وطائفية ومذهبية. ويضاف إلى كل ذلك عدم حصول حوار جدي وعميق بين قيادات وأطراف الحركات الإسلامية حول ما يجري في المنطقة.
رؤية إسلامية موحدة
لكن رغم استمرار التباين في الموقف، فإن ذلك لا يعني عدم امكانية التوصل الى رؤية موحدة حول التطورات الجارية أو العمل لإزالة الشكوك والهواجس والمخاوف بين مختلف الأطراف الإسلامية. وقد شهدت مدينة بيروت لقاءً ضم عدداً من القيادات الإسلامية تمثل بعض الحركات الإسلامية الأساسية حيث جرى فيه التداول في مختلف الأوضاع والبحث في كل الاشكالات وعرض نقاط الخلاف والحديث عن ضرورة العمل لتعزيز الحوارات واللقاءات من أجل التوصل الى رؤية موحدة.
ومع ان هذا اللقاء لم ينته الى نتائج حاسمة فإنه شكل نموذجاً إيجابياً حول كيفية معالجة الهواجس والشكوك وتوضيح الكثير من النقاط.
كما ان بعض المصادر الإسلامية المطلعة تتحدث عن احتمال انعقاد مؤتمر اسلامي في احدى العواصم الاقليمية لبحث بعض القضايا الإسلامية، وخصوصاً مسألة الوحدة الإسلامية، وان هذا المؤتمر قد يشكل فرصة من أجل الحوار والنقاش، ما يعني ان إمكانية تجاوز التباين والخلاف ليست مستبعدة كلياً.

لكن مصادر قيادية إسلامية تعتبر «ان المطلوب هو ازالة الشكوك والهواجس بين القوى الاسلامية، وعدم السماح لبعض الوسائل الاعلامية المحسوبة على اطراف اسلامية فاعلة ببث أجواء ومعطيات غير دقيقة، ولا سيما الحديث عن صفقة اميركية – اخوانية». وتضيف المصادر «ان الموقف من المقاومة أمر ثابت ولا يمكن العودة عنه لدى جميع القوى الإسلامية، وما جرى في مصر أخيراً من محاصرة للسفارة الاسرائيلية وانزال العلم الاسرائيلي وابداله بالعلم المصري يؤكد ان خيار الشعب المصري هو مع المقاومة، كما ان الشعب السوري مع المقاومة بغض النظر عن أي نظام يحكمه».
وتضيف المصادر «ان حماية الوحدة الاسلامية ورفض الحروب المذهبية والطائفية أمر ثابت، والمطلوب من الجميع دعم التحركات الشعبية والبحث عن حلول سياسية جدية لمشاكل كل المنطقة وليس فقط اطلاق المواقف، وكل ذلك يساهم في توحيد الموقف الإسلامي من التطورات».
اذن، الأبواب ليست مغلقة وامكانية التوافق بين القوى الاسلامية غير مستبعدة، لكن المطلوب تعزيز الحوار المباشر وغير المباشر وبذل أكبر قدر ممكن الجهود لإزالة الهواجس والمخاوف بين جميع الأطراف، لأن ما يجري في المنطقة سيكون لمصلحة القوى الإسلامية اذا أحسنت هذه القوى التعاطي مع هذه الأحداث.}

السابق
بين الداخل والخارج
التالي
الأسد يقول إنها أزمة أخلاقية!