علي فضل الله: ندعو المجتمع إلى ثقافة احتضان ذوي الحاجات الخاصة واحترامهم

  أقامت مؤسسة الهادي للاعاقة السمعية والبصرية واضطرابات اللغة والتواصل حفل إفطارها السنوي بحضور فعاليات ووجوه اقتصادية واجتماعية وحزبية وتربوية وعسكرية ودينية ورؤساء بلديات ومخاتير.

افتتح الحفل بآيات من الذكر الحكيم تلاها كلمة لمدير المؤسسة اسماعيل الزين جاء فيها: "أهلا وسهلا بكم في هذه الأيام المباركة والخيرة في رحاب مؤسستكم مؤسسة الهادي، نلتقي ككل عام على الخير والمحبة فمحبة الله من محبة الناس، هذه المؤسسة التي أنشأها الراحل الكبير العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله إيمانا بأن هذه الشريحة من الناس التي لاقت الإهمال والتهميش في مجتمعنا تحتاج لمحبة إضافية تجسيدا للحديث (وأحب ضعيفهم حتى يقوى) ونحتاج كمجتمع وأفراد أن نستوعب هذا التنوع ونندمج به تحصيلا لهذه الحقوق ودمجها في نواحي الحياة كافة".

وقال: "ضمن هذه الرؤية والرسالة التي تحتاج لعمل مضن وإخلاص وتفاني لحمل الأمانة مع الطاقات الفكرية والعملية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية لتحقيق رسالة التنوع عمليا، عملت المؤسسة بطاقاتها البشرية ونسقت أعمالها مع المؤسسات الحكومية من وزارات وبلديات، والأهلية من مؤسسات ذوي الإحتياجات الخاصة والمؤسسات الحقوقية، على صعيد المؤتمرات والندوات ومع أولياء الأمور والمحيط في عشرات الدورات التدريبية والندوات للعمل مع الأبناء ورفع قدراتهم وتقبل التنوع والتعاطي معه على أساس القدرات وتنوعها، وهكذا فقد أثبت الأبناء من ذوي الحاجات الخاصة قدرتهم في المجتمع على الأصعدة التعليمية كافة، حيث حقق الأبناء نسبة كبيرة من النجاح في الإمتحانات الرسمية في الشهادة المتوسطة والثانوية والشهادات المهنية العليا، وحقق البعض منهم درجات جيد جدا وجيد".

واردف الزين : "كما حصل أبناؤنا على الجوائز الأولى في المحافل العلمية والمسابقات في مشاريع العلوم في الجامعة الأميركية، ومسابقات العلوم على مستوى لبنان منافسة مع أرقى المدارس، كما نالوا الجائزة الأولى عن مشروع البيئة الذي نظمه بنك البحر المتوسط لمدارس لبنان. أما على صعيد الفنون فقد حصلت فرقة المسرح على الجائزة الأولى في مسابقة المسرح المدرسي التي نظمتها وزارة التربية للعام 2011، كذلك نالت المؤسسة الجائزة الأولى للمسرح الإيمائي التي أقاماها وزارة التربية، والمركز الأول لفرقة الموسيقى التي أقامتها أيضا وزارة التربية. كما ونالت المؤسسة خلال العام الحالي جائزة التميزعلى صعيد إستخدام الألواح التفاعلية في التعليم لذوي الإحتياجات الخاصة، من شركة بروميثيان البريطانية وتعتبر المؤسسة الأولى في الشرق الأوسط التي نالت هذه الجائزة. واستمرت المؤسسة بالتعاون مع مدارس ومؤسسات من بريطانيا في إطار التوأمة ونقل التجارب والتدريب بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني. كما دخلت المؤسسة شريكا في مشروع وطني لإصدار عدد أسبوعي إخباري بطريقة البرايل للمكفوفين يوزع على جميع المكفوفين في لبنان بالتعاون مع صحيفة النهار ووزارة الشؤون الإجتماعية وقسم التعاون الإيطالي".

وقال: "على صعيد الأقسام الجديدة وبناء على ميول التلامذة فقد إفتتحت المؤسسة للعام الحالي أقساما مهنية جديدة في التعليم المهني طالت إختصاصات متنوعة منها (graphic design والفنون الفندقية على صعيد الخدمة والإنتاج) كما تم إفتتاح أقسام وصفوف جديدة للأبناء من ذوي الإعاقة العقلية المتوسطة. وأشير في هذا المجال أن المؤسسة تستقبل طلبات جديدة في كل عام حتى ناهز عدد الطلاب ستماية وخمسون تلميذا لهذا العام يعمل على تعليمهم وتربيتهم ورعايتهم مئة وتسعون موظفا ومختصا في الإختصاصات التعليمية والعلاجية والتأهيلية كافة ليكونوا أفرادا مستقلين عاملين ومندمجين مع المجتمع".

وختم الزين بالقول: "هذا يدعونا مستقبلا للتفكر لزيادة البناء والحاجة كي نقوم بمشاريع جديدة تستوعب هذه الحاجات، واضعين نصب أعيننا العمل على كافة النواحي لتأمين حياة كريمة وجودة في التعليم وتأمين البيئة المناسبة الجذابة التي تسمح بتجديد العمل والمراجعة الدائمة مع الأقسام في المؤسسة التعليمية والرعائية والعاملين والمحيط وأولياء الأمور، وهذا ما يستدعي تكاتفا مع جميع الشرائح والطاقات في مجتمعنا وتفاعلا لتحقيق الكرامة والمساواة لذوي الإحتياجات الخاصة".

فضل الله

تلا ذلك كلمة للعلامة السيد علي فضل الله، جاء فيها: "إن احتضان المعوَّقين الذين نلتقي على مائدة محبيهم وأصدقائهم هي من المسائل الملحة في الواقع الذي نعيش. قد يقول قائل إنَّ الوضع الآن بالنسبة للمعوَّقين قد صار أفضل مما كان في الزمن الماضي، حيث شهدنا في الفترة الأخيرة وعيا متزايدا في ضرورة وجود مؤسسات تؤمن للمعوقين التعلم والتربية والتوجيه والتأهيل الأكاديمي والمهني، فكانت كل المبادرات التي تقوم بها الجمعيات الأهلية وتتحمل أعباءها. ولكن هذا لا يكفي، وهناك خشية من أن المجتمع وحتى الأهل باتوا يشعرون بأنهم أدوا حق أولادهم بتسجيلهم في المؤسسات وكفى، وكأن العملية هي من قبيل إبراء الذمة أو إراحة الضمير فقط".

وأضاف: "يجب أن لا يشعر أحد بالاسترخاء، فوجود المعوقين داخل مؤسسة هو ليس نهاية المطاف، بل هو حق طبيعي وبديهي وإنساني لهم. وتبقى هناك مسؤوليات كبيرة وكثيرة وأحيانا لها أوجه معاناة وصعوبة تجاه ذوي الإعاقة لأن مشكلتهم لا تتوقف عند حدود نقصان حاسة او قدرة بل الامر يتعداه الى مفاعيل الإعاقة وآثارها وما يترتب عليها من أذى نفسي وجسدي يتعرض له أصحاب الاعاقة" لافتة الى ان "المعوَّقين، بالدرجة الأولى، كي يشعروا بالأمان في واقعهم يحتاجون لتفهم وقبول حقيقي وليس شفقة. ونسمع البعض يشكو من سلبية هؤلاء في الإندماج وحساسيتهم المفرطة وتفضيلهم الانزواء والبقاء في عالمهم، ونحن نقول إن واجب الأصحاء في هذه الحالة أن يبادروا إلى تطمينهم وأن يسعوا إلى معالجة هذه الحساسية وليس إلى تأكيدها، فالمعوق ينزوي لأنه يفتقد الشعور بالأمان فأعطوه ولا تقلقوه أكثر، المعوق يشعر بالغربة فلا تزيدوا غربته غربة. لا تبدو وكأنكم تعاقبونه على ذنب لم يقترفه ولا تتصرفوا وكأن عليه هو أن يبذل مجهودا مضاعفا في تواصله معكم، في الوقت الذي علينا نحن جميعا أن نقوم بهذا المجهود ونقترب منهم حتى ولو ابتعدوا ونفروا ولا نيأس بل نظل نحاول ونحاول وننوع الآساليب".

وقال: "الاحتضان والاهتمام يجب أن يحكم علاقة الجميع بالمعوقين والأمر ليس مقتصرا على الأهل والمربين والمعلمين الذين يحتكون معهم فحسب، بل المشكلة هي في من يحتكون بهم خلال الحياة اليومية في المجتمع ومع عامة الناس. إن الخبرات التي يراكمها المعوق مؤثرة جدا في نفسه وقلب كل فرد منهم دليله القوي والصادق، فعندما يبادره أحد من الناس بالتفاتة فيها احترام ورقي سيلتقط هذه الإشارة الإيجابية بلا شك، ومن يساء إليه ستصله الرسالة وقد تصله مضاعفة" داعيا أن "تعمَّم ثقافة احتضان واحترام ذوي الحاجات في البيوت والمدارس ليصبح سلوكا حضاريا تجاههم فلا يسخرن أحد منهم أو يعبس أو يعرض أو يضيق صدره أو سمعه بهم، فلنقم بذلك سعيا للارتقاء بانسانتنا وبديننا".

وأضاف فضل الله: "ثم لا تقتصر حاجات المعوقين على الإحتضان وهم صغار أو كبار، بل يجب أن يترجم هذا الإحتضان إلى تطبيق، فهم إذا ما بلغوا سنا معينة يحتاجون إلى العمل الذي يؤمن لهم العيش الكريم. إننا نحزن عندما نرى من المعوقين من أنهى مراحل جامعية عالية أو مهنية ولكنه لا يجد عملا، فقط لأنه يعاني إعاقة وحتى لا يبحث في كفاءته ولا ينظر في طلبه. أيضا، مسؤولية الأهل والمجتمع تجاه هؤلاء تشمل حاجتهم للاستقرار النفسي، للزواج لمن وصل إلى مرحلته، وهذه الحاجة تحديدا يجب أن لا يستخف بها، وأن لا نعيب عليهم هذا الحق بل هو قمة شعورنا بانسانيتهم وبحاجاتهم".

وتابع: "إننا ونحن نقدر عاليا هذه المؤسسة وكل مؤسسات الإعاقة التي أخذت على عاتقها حمل الهم والمسؤولية نسأل أين الدولة، أين دورها في ظل كل هذا الكم من الإعاقات؟ من الملفت والملاحظ أنه بتنا نشهد أنواعا متزايدة في الإعاقة فالحالات لم تعد تلك التقليدية التي نعرفها بل تعدتها إلى صعوبات تعلم وتوحد وفرط نشاط وحتى إلى مزيج منها، ولن ندخل هنا في الأسباب وإن كانت الحاجة ماسة لدراستها. إننا من هنا ندعو الدولة المسؤولة عن مواطنيها كل مواطنيها، وهي مسؤولة عن الذين يعانون أكثر من الذين لا يعانون. الدولة معنية بالعمل بكل جدية لإخراج قانون إلزامية تشغيل المعوقين إلى أرض الواقع ليجد كل معوق مجال عمله من دون ألف واسطة. على الدولة أن تبحث عن هؤلاء وتحصيلهم فردا فردا لا أن يقفوا لاجئين أمام أبواب مؤسساتها التي تعج بالوظائف الشكلية وتعج بالمستشارين المستوردين والذين تدفع لهم أموال طائلة وقد لا نعرف هل يحصل منها التنمية الفعلية أم لا في حين نحن على يقين بأن تنمية فعلية لإنسان هذا المجتمع تحصل لو تم تشغيل معوق وفق خطة توجيه ودراسة لإمكاناته".

ثم قال: "إن الدولة أيضا معنية بحركة علمية وتربوية ناشطة بدعم الجامعات لتخريج متخصصين يملكون القدرة على متابعة المعوقين، متابعة علمية وجسدية وحل مشاكلهم النفسية، والدولة معنية بدراسة واعداد المناهج التعليمية والمهنية التي تتناسب مع حاجات المعوق علما أن معظم البرامج تستورد من التجارب الأجنبية، وأصحاب الهمم والمبادرات الخاصة هم من يحاولون تكييفها والذين نقدِّر جهودهم التي مهما عظمت قد لا تستطيع أن تستوعب كل الحاجات أو تملك إمكانات التطوير المطلوب. وبالمناسبة، هناك مفارقة على مستوى المسؤولية، إذ هي مقلوبة لدينا في لبنان أو في الوطن العربي، ففي الوقت يجب أن يكون المحرك الأساسي لرعاية المعوق هو من الدولة، والمؤسسات الأهلية تعمل على رفدها ودعمها، لدينا العكس حيث العمل هو على عاتق هذه المؤسسات وتضطر لاستجداء الدعم من الدولة، إنها لمفارقة يجب أن نقف عندها".

وختم فضل الله قائلا: "الدولة معنية أيضا بتأهيل أهالي المعوقين لدعمهم على كافة المستويات لأن معاناتهم شديدة، فلا يستخف بها. وعليها أن تعتبر ذلك من مسؤولياتها ولكن كما تعودنا، في كل مطالبنا، فنحن لا نستطيع الحصول عليها إلا برفع الصوت، ومن هنا نحن مدعوون جميعا، سياسيين، رجال دين، أصحاب أعمال، وكلا في موقعه، أن نشعر الدولة بضرورة تحمل مسؤوليتها أسوة ببلدان العالم. ونحن من جهتنا، ومعكم سنتابع المسيرة، مسيرة العمل من أجل رفع مستوى المعوقين علميا وأكاديميا، سنتابع العمل من أجل تأمين فرص العمل لهم وتحقيق الاستقرار النفسي والمعيشي بما نستطع". 

السابق
باسيل: لن تستقيم دولة ويقوم بلد اذا كانت حقوق الناس تخضع للمحاصصات
التالي
ضاهر: ندعو حزب الله الى التعامل مع المحكمة وفق القانون والعدالة