مشاكل زراعة الحمضيات جنوباً يتصدرها ارتفاع كلفة الإنتاج

تقدر قيمة الإنتاج السنوي لقطاع الحمضيات في لبنان بـ 140 مليون دولار، تشكل حصة الجنوب منها 65 بالمئة، حصة منطقة صور منها 35 بالمئة. وتعتبر تلك الزراعة أحد أكبر القطاعات الزراعية في لبنان، على صعيد كمية الانتاج. وقد دخلت إلى الساحل الجنوبي مع مطلع خمسينيات القرن الماضي، إثر تحول قسم كبير من رأسمال المغتربين وقطاع الخدمات إلى الاستثمار في الزراعة، متخذة من سهول صور منطلقا لانتشارها، نتيجة توفر مياه الريّ من نهر الليطاني (القاسمية)، الذي يغذي إلى اليوم قسما كبيرا من بساتين الحمضيات المنتشرة على طول الخط الساحلي، من صيدا حتى رأس الناقورة، وذلك في مقابل بدلات مالية يدفعها المزارعون إلى «مصلحة مياه الليطاني»، في وقت تهدر ملايين الأمتار المكعبة من المياه إلى البحر.

وتنتشر زراعة الحمضيات بكل أنواعها (أبو صرّة، ويافاوي، وفلنسيا، ليمون حامض، وكلمنتين، والكريب فروت، وغيرها)، على مساحة تزيد عن مئة ألف دونم، لتنتج 225 ألف طن سنويا، يصدر ستين بالمئة منها إلى دول الخليج العربي، وعلى وجه الخصوص السعودية، التي تستقبل قرابة معظم الكميات المصدرة إلى الخارج. وكانت الزراعة قد مرّت بمحطات عديدة، ووصلت إلى ذروتها من حيث الانتاج والتصدير وقيمة الانتاج في سبعينيات وثمانينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يبدأ نجمها بالتراجع، خصوصا في المنطقة الساحلية الجنوبية، لمصلحة زراعة الموز، جراء التكاليف العالية لزراعة الحمضيات، ومشاكل التصدير، والكوارث الطبيعية والظرفية كالاعتداءات الإسرائيلية.

اليوم، تقف زراعة الحمضيات كغيرها من الزراعات، التي يتشارك فيها المالك والضامن والمستثمر ومعامل التوضيب وشركات التصدير، عند منعطف كبير ينذر بمزيد من إضعافها، في ظل غياب الخطط الزراعية ورعاية الدولة، والارتفاع المتواصل في كلفة الإنتاج، التي تفوق مرات عديدة كلفة إنتاج أنواع الحمضيات نفسها في الدول المجاورة، مثل مصر وسوريا، وتركيا، وحتى فلسطين المحتلة.

وقد تمكنت الدولة، ممثلة بوزارة الزراعة، خلال السنوات الماضية، من حلّ قسم من مشاكل المزارعين، عبر مؤسسة «ايدال» (التي توقف عملها في العام الحالي). والمشروع لا يعفي المزارعين أنفسهم من المسؤولية لناحية نوعية إنتاجهم، الذي لم يتمكن من الدخول إلى الأسواق الأوروبية، نتيجة المنسوب الكبير لمواد رشّ الثمار على مدار السنة، والذي يتعارض مع معايير الصحة والجودة الأوروبية، في حين أن الدولة تلك لم تقدم بدائل فعلية للمزارعين، حتى على صعيد إرشادهم.

أما العاملون في قطاع الحمضيات، من جانبهم، فيسردون شريطاً من المشاكل والصعوبات التي تعترض مسيرة تلك الزراعة، بدءا من تكاليف الريّ المتصلة بالرسوم والمازوت، والكهرباء، واحتكار الشركات الكبيرة لسوق الأسمدة والادوية الزراعية المستوردة، وغياب الأبحاث والمشاتل العصرية، وصولاً إلى الارتفاع الجنوني في أسعار إيجار الأراضي الزراعية، التي تتراوح بين 500 و700 دولار للدونم الواحد في المناطق الساحلية. ويرى المزارعون أن العلاج يبدأ بدعم قوي من الدولة، لتخطي مشكلة كلفة الإنتاج المرتفعة وتهيئة القطاع الزراعي لمواجهة الأسواق المفتوحة، ودعم الصادرات والتحديث في معامل التوضيب، وضرورة إصدار تشريعات من المجلس النيابي. ومنها مشروع التأمين ضد المخاطر، الذي كان تقدم به وزير الزراعة حسين الحاج حسن إلى المجلس النيبابي في العام 2004، عندما كان رئيساً للجنة النيابية الزراعية ولم يناقش.

ويؤكد المزارع ديب الساطي على أن «زراعة الحمضيات في الجنوب تعاني من مشاكل عديدة، على رأسها كلفة الإنتاج المرتفعة جداً، وغياب الدولة عن هموم المزارعين»، لافتاً إلى أن «كلفة الإنتاج للموسم المقبل قد سجلت ارتفاعاً وصل إلى أكثر من ثلاثين بالمئة، نتيجة زيادة كلفة الريّ والأدوية الزراعية وسواهما من المتطلبات الأساسية». وقال: «إن مشكلتنا كمزراعين، تكمن في عدم إمكانية منافستنا لإنتاج الدول المحيطة، والتي تنافسنا في الأسواق العالمية»، مشيراً إلى أن «المطلوب من الدولة رعاية حقيقية للقطاع الزراعي والحمضيات تحديدا، عبر تأمين الأسواق الخارجية، وضبط سوق الأدوية، وخفض كلفة الريّ»، لافتاً في الوقت عينه إلى جهود الحاج حسن «المتمثلة بوقف الأدوية المضرة، التي كانت تدخل إلى السوق اللبناني».

ويلفت عضو تجمع مزارعي الجنوب المهندس حسن الطقش، إلى تراجع المساحة الجغرافية المزروعة بالحمضيات، على طول الساحل الجنوبي. ويقول: إن «واحدا من أسباب تراجع تلك الزراعة، لحساب زراعة الموز في أحيان كثيرة، يعود إلى هروب المزارعين من الارتفاع المتواصل في كلفة الإنتاج، والغياب شبه الكامل للدولة، حيث يعتمد المزارعون على أنفسهم في حل مشاكلهم، التي تزيد يوما بعد يوم». ويشير الطقش إلى ضرورة وضع سياسة زراعية واضحة، «تؤمن استمرارية القطاع الزراعي وحضوره في المنطقة، من خلال المساعدة على فتح أسواق خارجية، تتعدى الخليج العربي، وخفض كلفة الإنتاج، حتى يتمكن المزارع اللبناني من منافسة إنتاج الدول المحيطة، مثل مصر والمغرب»، مذكرا بالخسائر «التي مني بها المزارعون في الموسم الماضي، جراء تدني الأسعار والعوامل الطبيعية وأزمة التصدير»، منبها من «الاستخدام العشوائي للأدوية الزراعية، التي تؤدي إلى القضاء على الحشرات النافعة». وقال الطقش: «إن مكافحة ذبابة البحر المتوسط، التي تغزو بساتين الحمضيات، يلجأ بنتيجتها المزارعون إلى استخدام أدوية جهازية للمكافحة، ما يؤدي إلى دخول تلك المواد إلى الثمرة مباشرة، وذلك ما يعرض أصناف الحمضيات إلى عدم دخولها إلى الأسواق الأوروبية لعدم مطابقتها المعايير العالمية».

من جهته، يشدد رئيس نقابة مزارعي الحمضيات والموز المهندس علي دبوق على «ضرورة إدخال أصناف جديدة من الحمضيات إلى لبنان، مثل الكلمنتين والأبو صرة الموجودين أصلا، ولكن الأصناف الجديدة التي تزرع في أسبانيا والمغرب وإيطاليا وغيرها، التي تمدد فترة الإنتاج، فبدلا من أن يكون سعر صندوق الأبو صرة في شهر كانون بعشرة آلاف ليرة لبنانية يصبح في آذار بـ25 الف ليرة، كذلك الأمر بالنسبة للكلمنتين». ولفت دبوق إلى أن «ارتفاع كلفة الإنتاج المتواصلة، وعدم القدرة على المنافسة، تستدعي من الدولة تأمين مختبرات للتحاليل وتربية الحشرات الطبيعية العدائية للمكافحة البيولوجية، وأيضا قيام الدولة بإنشاء مشاتل زراعية، وتأمين الشتول وتوزيعها للمزارعين بأسعار منخفضة».
وفيما اكد دبوق على «أهمية وضرورة إعادة العمل بمشروع دعم الصادرات الزراعية «ايدال»، الذي توقف قبل شهور بمئتي دولار عن كل طن، كما هو حاصل في تركيا»، نوه بلمسات الحاج حسن «على القطاع الزراعي، الذي بدأ مع منع الأدوية المضرّة ومراقبة الأدوية على اختلافها، وإطلاق الإرشاد الزراعي، والبدء بتجهيز مشروع المكافحة البيولوجية في صور، الأمر الذي يساعد في حلّ الكثير من المشاكل الزراعية». وأكد دبوق على أن «الناتج الوطني الزراعي في لبنان كان قبل 15 عاماً 12 بالمئة، أما اليوم فهو دون الـ6 بالمئة».

السابق
75 مليون $ لإزالة العنقودية
التالي
لماذا لم يفهمها الفرنسيون بعد؟