علي فضل الله: لاعتماد روحية الحوار والانفتاح لتجاوز المرحلة على الحكومة اعتماد خطط مرحلية واستراتيجية لحل المشاكل الاقتصادية

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"هذا اليوم المبارك، يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، هو يوم القدس العالمي الذي أعلنه الإمام الخميني، وأراده أن يبقى يوما للقدس العالمي، لكل ما تمثله القدس من عنوان ديني وسياسي، ففيها المسجد الأقصى الذي هو قبلة المسلمين الأولى، وهو المكان الذي عرج منه رسول الله، وهو ملتقى الأنبياء والرسل. والقدس هي جزء من فلسطين التي احتلها الكيان الصهيوني، ويسعى إلى ابتلاعها، كما يعمل لابتلاع كل فلسطين، ومن هنا، أراد الإمام الخميني لقضية القدس بكل أبعادها، أن تبقى حاضرة في وجدان المسلمين وفي وعيهم، وأن لا ينسوها مهما كبرت التحديات".

اضاف:" إن المسلمين، إذا سمحوا بإسقاط القدس، فستكون كل مقدساتهم عرضة للسقوط، وإذا سمحوا بالاستهانة بها، فسيجعل ذلك العالم يستهين بقبلتهم الثانية وبكل واقعهم..لهذا ندعو المسلمين إلى إحياء هذا اليوم، لا في الشكل الذي يبقي الأمر في دائرة الذكرى، بل بالمضمون الإيجابي، بأن يجعلوا هذه القضية أولى اهتماماتهم كأفراد وكجماعات وكدول، وأن تتضافر جهودهم للعمل من أجل تحرير القدس ورفع الاحتلال عن كاهلها".

ودعا" الشعوب العربية والإسلامية إلى أن لا تنسى القدس وقضيتها في خضم حركتها الشعبية، لأنها كلما قاربت مسائلها وقضاياها من خلال القضية الفلسطينية، كانت قراءتها صحيحة ورؤيتها صائبة، وجنبها ذلك الوقوع في حبائل الآخرين الذين يريدون أن يجيروا هذه الثورات لحساب مصالحهم".

اضاف:"ومن باب القدس ندخل الى معاناة الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يعاني من نتائج الاحتلال، حيث مسلسل الغارات مستمر على غزة، والذي حصد العديد من الشهداء، هذا إلى جانب استمرار مسلسل الاستيطان والاعتقال في الضفة الغربية والقدس، ولا سيما بعد عملية ايلات البطولية، التي أربكت العدو، وأكدت أن المقاومة لا تزال خيار هذا الشعب، بعدما اعتقد أنه استكان أو هدأ أو شغل عن قضيته باهتمامات أخرى".

وتابع:" إننا نعيد التأكيد على هذا الشعب، أن يبقى خياره مواجهة العدو، وأن لا يراهن على ما قد يراهن عليه البعض من دولة فلسطينية قد تصدر بقرار يرتب عليها الكثير من الأعباء، دون أن يحمل أي مضمون في ظل السيطرة الصهيونية على كل تفاصيل هذه الدولة. وليس بعيدا عما حصل في إيلات، سعى العدو في عدوانه المباشر على قوى الأمن المصرية، إلى إيصال رسالة دموية إلى الشعب المصري، بأن ينأى بنفسه عن الوقوف مع الشعب الفلسطيني، ونصرة قضيته والتخفيف من معاناته".

واشار الى ان "الشعب المصري احسن التعامل مع هذا العدوان، من خلال تحركاته الشعبية الميدانية حول سفارة كيان العدو، وانتزاعه للعلم الصهيوني من قلب القاهرة، ليؤكد الهوية الحقيقية لهذا الشعب الذي رفض التطبيع سابقا، وهو بعد ثورته على طاغيته، يعلن بوضوح رفض وجود سفارة للكيان الصهيوني على أرضه، وبقاء قضية فلسطين والقدس في أولى اهتماماته.. ولذلك سارعت الإدارة الأميركية إلى إرسال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية "فيلتمان" إلى القاهرة، لاحتواء حركة الشارع المصري، لأن الإدارة الأميركية الحريصة على كيان العدو، تريد للمواجهات في المنطقة أن تستنزف الساحة العربية الداخلية، لا الدخول إلى ساحة المواجهة المباشرة مع العدو، وخصوصا إذا انخرطت الشعوب العربية في هذه المواجهة، ولا سيما الشعب المصري.. إننا نحيي هذا الشعب، وندعوه إلى الاستمرار بهذا الموقف الذي أجبر العدو على الاعتذار على ما قام به من قصف لمواقع مصرية".

وقال:"أما الأمم المتحدة، التي ترسل لجان التحقيق وبعثات تقصي الحقائق إلى هذا البلد العربي أو ذاك، فلا تكلف نفسها عناء التحقيق في جرائم العدو في غزة، واستهدافه المباشر لقوى الأمن المصرية، وهي تريد لمجلس حقوق الإنسان أن يطوي صفحته الفلسطينية، ليفتح صفحة عربية خالصة، تماما كما تتحرك الجنائية الدولية والمحاكم الدولية الأخرى لملاحقة هذا المسؤول العربي أو ذاك، وهذه الجهة أو تلك، ولكن على أساس ألا تقترب من إسرائيل".

وتطرق الى الوضع في ليبيا وقال:"أما ليبيا، فإنها تشهد سقوط طاغيتها بعد التضحيات التي قدمها الشعب الليبي للتخلص من هذا النظام الذي جثم على صدره لسنوات طوال، أفقد فيها هذا الشعب كل حريته ومقدراته، وجعله رهينة مزاج حاكمه والخارج، على الرغم من كل الإمكانات المتوفرة لديه، هذا إلى جانب الجريمة الكبرى التي حصلت، والتي أدمت قلوبنا جميعا وقلوب كل اللبنانيين والعرب والمسلمين، باختطافه للامام السيد موسى الصدر ورفيقيه..إننا إذ نقدر لهذا الشعب ثورته وحركته، وندعوه إلى أن يكمل ما بدأ به لتحقيق الحرية، نعيد التشديد على ما كنا دائما ننبه عليه، وهو الحؤول دون سرقة انتصارات الشعب وجهاده وجعله رهينة الإدارات الغربية، بذريعة ما قدمته من عون عسكري وسياسي، ولعل ما نشهده من تنافس الإدارات الغربية، وعلى رأسها أميركا، على هذه الثورة، للامساك بزمامها، وجعلها تحت وصايتها وانتدابها، هو بهدف الاستفادة من منابع النفط، ومن موقعها الحيوي".

ودعا الشعب الليبي إلى "تأكيد حريته، والإمساك بقراره الحر، والتحكم بكل ثرواته، وعدم الانجرار وراء السياسة الغربية التي لا تريد سوى مصالحها في السيطرة على النفط والحفاظ على الكيان الصهيوني، فهذا هو الأمر الوحيد الذي يحدد سياساتها، وذلك كله لتجنيب ليبيا أن تتحول من دولة يحكمها طغيان الفرد، إلى دولة يحكمها الطغيان الغربي الصهيوني، أو أن تخرج من معاناتها إلى معاناة الفوضى التي يراد أن يغرق فيها هذا الشعب، ليسهل على السراق الدوليين الإمساك بها".

اضاف:" ولا بد، ونحن نعيش ذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه، في الواحد والثلاثين من شهر آب، التي تتزامن مع سقوط هذا الطاغية، من أن يكون لهذا السقوط دور في الكشف عن هذه الجريمة الكبرى التي أبعدت عن الساحة الإسلامية رمزا إسلاميا كبيرا، كان له دوره في تقوية هذه الساحة، ومواجهته الظلم والطغيان والحرمان.. وحمله القضايا الإسلامية الكبرى، ولا سيما قضية فلسطين، وهو الذي قال: "إن شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين".. إننا إذ نستبشر بأن تكون للتطورات الأخيرة في ليبيا دور في هذه القضية، ندعو الثوار في ليبيا إلى أن يبذلوا جهدهم لإعادة الإمام ورفيقيه إلى ساحة عملهم وجهادهم، أو الكشف عن غموض هذه القضية التي أرقت المسلمين واللبنانيين وكل إنسان محروم ومستضعف".

وتحدث عن الوضع اللبناني وقال "في لبنان، الذي ينام على ملف ويستفيق على آخر، فيما يتصل بالمحكمة الدولية، وغيرها من الملفات التي تجعله في مهب رياح الفتنة، ومسرحا للتدخلات على أرضه، للضغط في أكثر من اتجاه، فإن على المعنيين فيه أن يتقوا الله في الخطاب المتشنج، الذي حول حفلات الإفطار ومناسبات شهر رمضان إلى محطات سجالية يبحث فيها البعض عن مواد وعناصر قابلة للاشتعال، وعن كلمات تغذي الاشتباك، بدلا من أن يستفيدوا من أجواء شهر رمضان، شهر الصفاء الإنساني، شهر طهارة القلوب والألسن، في خطوط الحوار ووأد الفتنة، والاستعداد لمواجهة كل التحديات التي يتعرض لها من العدو الصهيوني، أو مما يجري من حوله، مما ينعكس عليه سلبا وإيجابا…إننا في الوقت الذي نؤكد اعتماد روحية الحوار والانفتاح لتجاوز المرحلة الجديدة التي يراد للمحكمة الدولية أن تكون عنوانها الأول، نظرا إلى تداعياتها الخطيرة على الساحة الداخلية، كما الخارجية، نريد الحوار الذي يأخذ بالحساب كل الملاحظات من هنا وهناك، لكي لا يبقى السجال متشنجا وبعيدا عن الموضوعية… فما دام الكل أعلن ويعلن أنه يريد الوصول إلى الحقيقة، فلنسع إلى الوصول إليها من أبوابها الصحيحة، لا من الأبواب التي يريد العابثون بهذا البلد أن لا ندخل إلا منها".

ودعا الحكومة إلى اعتماد خطط مرحلية واستراتيجية لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وخصوصا مشكلة الكهرباء، التي آن الأوان لرسم خريطة طريق واضحة لتجاوز آثارها الكارثية والاجتماعية، بعدما اعتمدت كل المعالجات السلحفاتية طوال السنوات والعهود الماضية، لتبقى في دائرة التفاعل السلبي، وليستمر الشعب في تحمل آلام جراحه الاقتصادية والسياسية المدمرة، وعلى أكثر من صعيد، وإخراج هذه القضية من دائرة الصراع السياسي والتجاذب بين الآراء المختلفة، إلى الدراسة الموضوعية، مع رعاية كل متطلبات حفظ المال العام وكيفية إنفاقه".

وختم:" لقد آن للبنانيين أن يشعروا بالأمان من خلال دولة تعمل، لا دولة تنتظر ماذا يجري من حولها.. دولة تفكر في مصالحهم، لا أن يفكر كل موقع بتثبيت موقعه الطائفي أو المذهبي، ليبدو زعيما أوحد في طائفته أو مذهبه. إننا بحاجة ونحن مقبلون على العيد، إلى أن نجعل هذا العيد مناسبة تعيد إنتاج التآلف والوحدة والمحبة بين المسلمين وبين اللبنانيين، لتكون من خلال ذلك كل أيامنا أعيادا، فكل يوم لا يعصى الله فيه هو عيد… وكل يوم نخدم فيه الناس، وندخل الفرح إلى قلوبهم، ونخفف من آلامهم، هو عيد".

السابق
اعتداء على جمعيّة التضامن الدرزي
التالي
استنفار للجيش الاسرائيلي على الحدود اللبنانية بمناسبة يوم القدس