السفير: خبراء الاتصالات.. أساس القرار الاتهامي باطل

إذا كانت خطة الكهرباء قد أصبحت معلقة على حبل الانتظار الممتد حتى السابع من أيلول، موعد الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، فان ملف القرار الاتهامي ما زال مفتوحا على مصراعيه، حيث يواصل حزب الله ردوده السياسية والقانونية والتقنية عليه، سعيا الى إفراغ مضمونه المستند الى دليل الاتصالات من أي قيمة.
وبعد إطلالات الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، والمؤتمر الصحافي الاخير لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد والقاضي سليم جريصاتي، عقد رئيس لجنة الاتصالات النيابية حسن فضل الله مؤتمرا صحافيا في مجلس النواب أمس، خصص لتفنيد القرار الاتهامي من زوايا علمية، بمشاركة خبراء مختصين ورسميين.
وبدا واضحا ان فضل الله والخبراء الذين شاركوا في تعرية القرار الاتهامي من آخر أوراق التوت، كانوا حريصين على التقيد الى أقصى الحدود الممكنة بخط سير فني ـ تقني، وعدم الانطلاق من معايير او اعتبارات سياسية في مقاربة هذا الموضوع، وما ساعدهم على النجاح في هذه المهمة هو ان دليل الاتصالات الذي يرتكز عليه القرار الاتهامي يشكو من نقاط خلل ظاهرة، تتيح لأي متابع موضوعي او مختص ان يضبطها بـ« الجرم المشهود»، من دون الحاجة الى الاستعانة بأي «ميكروسكوب» سياسي.
كما ان المساهمة الفاعلة لوزارة الاتصالات في إغناء المؤتمر الصحافي بمداخلات ومقاربات علمية، أكسبته المزيد من الموضوعية، وأخرجت هذا الملف من الإطار الحزبي الضيق الذي يعني فئة بعينها الى الإطار الوطني الأوسع الذي يهم كل اللبنانيين. وإذا كانت أسـماء المتهمين الاربعة قد خرجت الى الضوء بقوة دفع القرار الاتهامي، فان الارجح ان الكثيرين في لبنان يمكن تصنيفهم في خانة «الضحايا غير المعلنين» لحالة الانكشـاف الواسع في شبكة الاتصالات المخترقة من المخابرات الاسرائيلية وربما من غيرها ايضا.
وقد ركز المؤتمر الصحافي، وفق توزيع دقيق للأدوار، على أربعة محاور هي:
– إثبات عدم مصداقية دليل الاتصالات القائم على مفهوم «الإقتران المكاني» الذي جرى تفكيكه وتجويفه من أي مضمون.
– إعادة تظهير قدرة اسرائيل على اختراق شبكة الاتصالات والتلاعب بالـ«داتا « الى الحد الذي يتيح لها إنتاج خريطة مكالمات مفبركة وتلبيس الاتهام لحزب الله.
– استحضار دور فرع المعلومات وتيار المستقبل، من دون تسميتهما، في تمهيد الطريق امام تسويق دليل الاتصالات، من خلال الترويج المسبق له كمفتاح اساسي في كشف وتفكيك شبكات التجسس الاسرائيلية.
– التحذير من خطورة تحويل دليل هش في جريمة كبرى الى شرارة يمكن ان تشعل البلد.

سيناريو مفبرك
وقد شارك في المؤتمر الصحافي رئيس الهيئة الناظمة للاتصالات عماد حب الله وخبير ادارة الترددات في الهيئة الناظمة المهندس محمد ايوب ومستشارة وزير الاتصالات نقولا صحناوي (الذي حضر) المهندسة ديانا بو غانم. وأكد فضل الله في كلمته ان القرار الاتهامي «مبني على»الاقتران المكاني» وتعداد ألوان لشبكات هواتف، يحتاج فك رموزها وألوانها الى خبراء ألوان وليس الى قضاة او محامين». واعتبر انه لا يمكن الاعتماد على دليل الاتصالات لاسيما الاقتران المكاني منه في قضية حسّاسة وخطيرة مثل قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، «حيث من الممكن ان تُدفع البلاد الى شفير الهاوية بالاستناد الى مجرد شك او افتراض او استنتاج».
وأشار الى دور جهات سياسية في انتاج «سيناريو مفبرك»، لاعطاء مصداقية لـ«داتا الاتصالات»، لافتا الانتباه الى ان «المعارك السياسية والاعلامية التي خيضت منذ سنوات حول «داتا الاتصالات» في موضوع شبكات التجسس كانت للوصول الى هدف محدّد سلفا وهو اثبات صدقية هذا الدليل في الوصول الى القرار الاتهامي»، متسائلا : لماذا توقيت استخدام هذه التقنية لفترة زمنية ثم توقف؟ ولماذا كان هذا التدحرج في تهاوي شبكات العملاء ثم فجأة توقف؟

وشدد على «انه في كل شبكات التجسّس الاسرائيلية التي ألقي القبض عليها ليس هناك شيء اسمه «الاقتران المكاني»، انما الدليل الاولي يكون ناجما عن ضبط اتصال من هاتف محدد لشخص محدد بهاتف المشغل الرئيسي».
وقال فضل الله ان «الاستناد الى دليل الاتصالات قائم على سلسلة من الفرضيات التي تفتح على مئات من الاحتمالات»، ملاحظا «ان المحكمة الدولية التي تزعم انها تعمل وفق اعلى معايير العدالة الجنائية الدولية، تجاهلت بالكامل ما اثبتته أعلى هيئة دولية للاتصالات تابعة للامم المتحدة حول سيطرة اسرائيل على قطاع الاتصالات اللبناني والتحكم به».
وتساءل: لماذا لا يتم تشغيل غرفة التحكم ولماذا إبقاء هذا الامر خارج الاطر القانونية التي كنا تابعناها في لجنة الاتصالات، وعندما وصلنا الى موضوع غرفة التحكم تبين لنا ان هناك من يرفض القانون ويريد لـ«داتا» الاتصالات ان تبقى مشرعة لان هناك اهدافا اخرى غير الهدف الوطني الامني.
ومن ناحيته، قال حب الله «إن تقنيةَ الاقتران ِالمكاني عاجزةٌ عن تأكيدِ أنّ هاتفين يحملهما شخصٌ واحدٌ، حيثُ لا يمكن ـ من خلال داتا الاتصالات فقط ـ الحكمُ بشكلٍ يقينيّ أن هاتفينِ (أو أكثر) استفادا من أبراجٍ متقاربةٍ في فتراتٍ زمنيةٍ متقاربةٍ، يحملهما شخصٌ واحدٌ، وذلك بسببِ وجودِ عدةِ احتمالاتٍ معقولةٍ تُفسرُ الاقترانِ المكانيَّ منها على سبيل المثالِ لا الحصر: الصدفة، الروتين اليومي من حيث العمل او السكن او كليهما لفردين او اكثر، ومرافقة احدهما للاخر بعلمه او من دون علمه.
وأكد أن «اختراق «إسرائيل» لقطاع الاتصالات أفقد داتا الاتصالات قيمتها الثبوتية»، وأشار الى «إمكانية استنساخ هاتف بديل كامل، وتعمد وجوده مع هاتف آخر، واختلاق اتصال من دون علم صاحب الهاتف الأساسي»، فضلاً عن «إمكانية زرع هاتف كامل بجهاز هاتف آخر، حيث يظهران كأنهما هاتفان متواجدان في نفس المكان، وهذا ما جرى في قضية العناصر الثلاثة الذين اشتبه بعمالتهم، في حين تبين لاحقاً لمخابرات الجيش اللبناني اختراق العدو الصهيوني لشبكات الهاتف».
وأكدت أبو غانم أن «أساليب الاختراق ممكن أن يتم تنفيذها عبر العملاء، وصولا الى السيطرة الكاملة على شبكة الاتصالات، فضلاً عن الإطلاع على البيانات الشخصية وبيانات خصائص الاتصال، تحديد ومعرفة الأشخاص وتحركاتهم ونمط اتصالاتهم، اختطاف رقم المشترك، العبث بالاتصالات والتحكم بالخدمات، اختلاق وإلغاء اتصالات ورسائل نصية، القدرة على تعطيل أجزاء من الشبكة أو كلها، اختلاق إلغاء أو تعديل قاعدة بيانات خصائص الاتصال، التلاعب بالعناصر الأساسية للهاتف الخلوي، التنصت على المكالمات الصوتية، والإطلاع على محتوى الرسائل».
واعتبر أيوب أنه «بالإمكان فبركة اتصالات وهمية من خلال القرصنة على شبكات الاتصالات والهوائيات التابعة لها»، وأوضح أنه «يمكن فبركة تسجيل صوتي بالاستناد الى تقنية جديدة تنسب الى شخص معين بصمته الصوتية من دون أن يكون هو المتحدث فعلاً»، وأنه بالإمكان «توثيق التلاعب بداتا الاتصالات وفق سيناريو معد مسبقاً من خلال رقم الخلية التي استفاد منها هاتف محدد»، مشيرا الى أن «قرصنة «إسرائيل» على الشبكة اللبنانية تم تأكيده سابقاً».

مركز التحكم
وبينما تستمر «داتا الاتصالات» مشرعة على أي قرصنة او عبث، يبقى مركز التحكم بالاتصالات الذي يفترض ان ينظم التنصت ويقوننه، مشلولاً وعاطلا عن العمل برغم اكتمال جهوزيته. والمركز الذي يخضع الى وزارة الداخلية، سبق ان استلمه وزير الداخلية السابق زياد بارود من الوزير شربل نحاس، بعدما أنجزت وزارة الاتصالات تجهيزه على المستويين الفني والتقني، من دون أن تنطلق بعد المرحلة اللاحقة الرامية إلى استكمال تعيين الجهاز البشري وتدريبه وتوفير الموازنة اللازمة للمركز.
وأبلغ وزير الداخلية مروان شربل «السفير»، أن افتتاح المركز مؤجل في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن السبب يعود إلى الحاجة لاستكمال آلية تشغيله. وقبل التشغيل يرى أن الأمر بحاجة إلى مزيد من الدرس.
رئيس قلم المحكمة
الى ذلك، أكّد رئيس قلم المحكمة الدولية الهولندي هيرمان فون هيبل أنّ المحاكمات أمام غرفة الدرجة الأولى تبدأ في منتصف العام 2012 سواء أكانت غيابية أم وجاهية، على أنّ القرار الأخير في تحديد التوقيت يعود للقضاة، موضّحاً أنّه يجب أن يقتنع القضاة بأنّ كلّ الجهود قد بذلت للوصول إلى المتهمّين الأربعة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وقال فون هيبل للمحرر القضائي في «السفير»: لا نزال نتوقّع أن تساهم الحكومة اللبنانية في تحمّل نسبة 49% من الميزانية العامة للمحكمة. وأضاف: «لقد أكّد الرئيس نجيب ميقاتي مجدّداً الوفاء بالتزاماته الدولية ونتوقّع منه القيام بذلك، فيما نظام المحكمة الخاصة بلبنان لا يسمح للأفراد بتقديم المساهمة المالية».
وبشأن استقالة بعض الموظّفين في المحكمة لقيام بعضهم بتسريب معلومات عن مجريات التحقيق قال فون هيبل: لقد اتخذنا تدابير عدّة لضمان حماية سرّية المعلومات، معتبراً أن «لا تأثير للتسريبات على القرارات القضائية

السابق
الجمهورية: لبنان يتأهب لشهرالاستحقاقات وسليمان سيلتقي اوباما
التالي
الراي: حكومة الأكثرية القيصرية تهتز و… لن تقع