الراي: حكومة الأكثرية القيصرية تهتز و… لن تقع

رغم الضجة الواسعة التي أثارها انفجار الخلاف داخل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي يوم الاربعاء حول ملف الكهرباء والذي يتنازع الانقسام في شأنه فريقا زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ورئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط، استبعدت مصادر وزارية واسعة الاطلاع في الفريق المصنّف وسطياً في الحكومة ان تبلغ هذه الانتكاسة حدوداً تهدد فعلاً مصير الحكومة واستمرارها.
واوضحت المصادر لـ «الراي» ان فريق العماد عون تعمّد تكبير المشكلة اعلامياً على غرار ما كان يحصل ابان المفاوضات الطويلة التي سبقت تشكيل الحكومة والتي كان فيها زعيم «التيار الحر» يذهب مرات عدة الى التلويح بخطوات جذرية سلبية ثم سرعان ما كانت الامور تذهب في اتجاهات احتوائية.
واذ قالت المصادر ان هذا النهج يشكل في الواقع السلوك المعتاد للعماد عون في التفاوض وليس هناك اي شيء يستدعي توقع نتائج مغايرة هذه المرة ولو من ضمن ازمة تبدو شكلاً كأنها تهدد الحكومة، أبرزت بعداً مهماً لموقف النائب جنبلاط الذي اعتبرت انه يبدو مصمماً على التمسك بمواقف من شأنها ان تضبط نزعة الفريق العوني الى فرض سياسات وخطط حكومية احادية الجانب حتى ضمن تحالف الاكثرية.
وتلفت في هذا السياق الى ان جنبلاط يبدو واثقاً من متانة موقفه ليس لانه يمثل وجهة نظره ومصالحه فقط، بل لانه يحظى ايضاً وبشكل ضمني بدعمٍ قوي من ثلاثة أطراف على الاقل هم رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري. حتى ان المصادر تلمح الى ان «حزب الله» الذي غالباً ما يدعم حليفه العماد عون في اي موقف يتخذه، يبدو ضمناً منزعجاً من مغالاة عون لجهة انه تسرع في تسديد ضربة معنوية الى تضامن الحكومة فيما يحرص الحزب حرصاً شديداً على اظهار تحالف الاكثرية في اقوى درجات تماسُكه.
ولذلك تعتقد المصادر ان توافق افرقاء الحكومة على تأجيل بت الخلاف على ملف الكهرباء الى جلسة لمجلس الوزراء تعقد في 7 سبتمبر المقبل، بدا بمثابة قرار سياسي ومهلة للتوصل الى تسوية تبدو حتمية في نهاية المطاف، ومن المستبعد ان تحصل تطورات من النوع الذي يهوّل به بعض نواب الفريق العوني ووزرائه لجهة الانسحاب من الحكومة.
غير ان المصادر الوزارية المطلعة أبرزت في المقابل صورة قاتمة للغاية عن انعكاسات هذه الانتكاسة على مستوى عمل الحكومة وإنتاجها وقراراتها في لحظة سياسية داخلية واقليمية شديدة التعقيدات. وقالت ان العودة الى اشتراط ادراج ازمة الكهرباء كبند حصري في جدول الاعمال قبل بت اي مواضيع اخرى، على غرار ما يسرّبه الفريق العوني، باتت تطرح بقوة مسألة العلاقات بين اطراف الحكومة وتأثير نشوء تجاذبات في ما بينها على ادارة القرار الحكومي. وقد ساهم ذلك في مزيد من اضعاف موقعيْ رئيسيْ الجمهورية والحكومة من جهة وزعزعة الحد الادنى من التماسك بين اطراف الاكثرية كلاً من جهة اخرى.
ورغم حرص الافرقاء الحكوميين على نفي اي خلفية سياسية للازمة الحاصلة في شأن ملف الكهرباء، فان المصادر نفسها حذرت من ان التمادي في تقييد الحكومة وتعطيل قراراتها في حال لم تتوصل الى تسوية لهذا الملف، سيبدأ بإثارة شكوك عميقة وجدية عما اذا كانت هناك خلفية سياسية ضمنية تتحكم بمواقف طرف او اطراف كثر داخل الحكومة لان واقعاً كهذا سرعان ما سيرتدّ على الحكومة التي ستكون لاحقاً امام استحقاقات كبيرة خارجية وداخلية لا تحتمل الغرق في هذا النوع من الازمات.

في موازاة ذلك، لم يُخرج «المس الكهربائي» الذي يصيب الحكومة ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من دائرة «التوتر العالي» التي دخلها منذ نشر أجزاء واسعة من القرار الاتهامي في اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري الاسبوع الماضي و«محاكمة» حزب الله لهذا القرار الذي يطول اربعة منه، من دون اغفال اعلان المحكمة اختصاصها للنظر في ثلاث جرائم مرتبطة بانفجار 14 فبراير 2005 وهي اغتيال الامين العام السابق للحزب الشيوعي اللبنان جورج حاوي ومحاولة اغتيال الوزير السابق الياس المر والنائب مروان حماده. وفي حين تسلّم لبنان رسمياً طلب المحكمة الدولية ايداعها ملفات التحقيق والملاحقة القضائية المتعلقة بالجرائم الثلاث ما سيستتبع اعلان القضاء اللبناني رفع اختصاصه عنها، بقي القرار الاتهامي على «الخط الساخن» حيث أكمل «حزب الله» امس الخميس فصول «معركة الرأي العام» التي يخوضها لدحض القرار الاتهامي ومرتكزاته.

وبعد 48 ساعة من المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد مطلقاً «حكماً» سياسياً على القرار الاتهامي بأنه «سياسي من رأسه حتى أخمص قدميه، وتأكد ان الولايات المتحدة واسرائيل شريكتان في صوغ نصه»، قام نائب الحزب حسن فضل الله، رئيس لجنة الاتصالات البرلمانية، بعملية محاكاة تقنية لهذا القرار تمحورت حول «دليل» الاتصالات الذي استند اليه ولا سيما «الاقتران المكاني» الذي اعلن المدعي العام الدولي دانيال بلمار انه اتاح كشف هوية منفذي جريمة الحريري.

ولفت فضل الله في المؤتمر الصحافي الذي عقده في مقر البرلمان بحضور وزير الاتصالات نقولا صحناوي وخبراء اتصالات الى أن «القرار الاتهامي ورغم المخاطر التي يرتبها، مبني على الإقتران المكاني وعلى تعدد ألوان لشبكات اتصالات»، مضيفاً: «نريد أن نعرف حقيقة ما ورد في القرار الاتهامي من الناحية العلمية البحتة وهل يوصل الى النتائج التي وصلت اليها المحكمة في القرار الاتهامي، وهل «داتا» الاتصالات سليمة ليتم الاعتماد عليها؟».
وفي السياق نفسه، أكد رئيس الهيئة الناظمة للاتصالات بالوكالة عماد حب الله أن «إختراق إسرائيل لقطاع الاتصالات أفقد داتا الاتصالات قيمتها الثبوتية»، لافتاً الى أن «إسرائيل قادرة على زرع خط داخل اي خط آخر مشبوه»، فيما أكد عضو الهيئة نفسها محمد أيوب أنه «يمكن فبركة إتصالات وهمية من خلال القرصنة على شبكات الاتصالات والهوائيات التابعة لها، كما يمكن فبركة تسجيل صوتي».

في المقابل، باشرت قوى 14 آذار ما يشبه عملية «تزييت» لـ «ماكينته»» الاعلامية والسياسية لملاقاة «الهجوم الدفاعي» لـ «حزب الله»، وذلك على خطين:

* الاول يلاقي «حزب الله» في «الملعب نفسه»، اي في معركة «الرأي العام»، حيث يعقد حقوقيو 14 آذار مطلع الاسبوع المقبل مؤتمراً صحافياً يردون فيه على النائبين رعد وفضل الله تحت سقف تأكيد ان حماية المتهمين الاربعة من «حزب الله» في ملف اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه «جناية يعاقب عليها القانون».
* اما الخط الثاني فسياسي، حيث ذكرت تقارير ان قيادات 14 آذار عقدت ليل الثلاثاء اجتماعاً جمع الرئيسين أمين الجميّل وفؤاد السنيورة ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مع قيادات أخرى ناقشت الموقف من التطورات الأخيرة، وفي مقدمها نشر القرار الاتهامي وطريقة تعاطي «حزب الله» معه، بما في ذلك المقابلة التي أجرتها مجلة «تايم» الأميركية مع مَن قالت انه أحد المتهمين في الجريمة.

وجاء اجتماع 14 آذار فيما كان الرئيس سعد الحريري يلتقي في السعودية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (في قصر الصفا بمكة المكرمة) ويتناول طعام الافطار الى مائدته في حضور عدد من المسؤولين السعوديين الكبار، في لقاء علني هو الاول منذ إسقاط حكومته في يناير الماضي في اعقاب انهيار ما كان يُعرف بمبادرة «سين ش سين» التي كانت تعمل عليها السعودية مع سورية. مع الاشارة الى ان الحريري ادى يوم الاربعاء مناسك العمرة في مكة المكرمة التي انتقل اليها ميقاتي للغاية نفسها.
وقد بدا واضحاً ان قوى 14 آذار انتقلت الى مرحلة جديدة في معارضتها تم التعبير عنها في محطتين:
الاولى، عبر الاشارة الى ان الاعتراض لم يعد تقتصر على الحكومة بل بدأ ينصبّ على «العهد» اي الرئيس سليمان، وهو ما كان اشار اليه النائب مروان حماده عندما اعلن متوجهاً الى الحكومة: «فترة السماح انتهت. حتى زملاء لكم يدركون ذلك. فنصيحتي أن ترحلوا قبل سقوط «باب عزيزية» الحكومة والعهد».
وفي هذا السياق نقل موقع «ناو ليبانون» عن اوساط سياسية ان «رئيس الجمهورية هو من نكّس راية العهد عبر تنكره لمضامين «خطاب القسم» وتحولّه شريكاً أصيلاً لحكم 8 آذار بقيادة «حزب الله»، بدايةً من خلال الرضوخ لمطلب الحزب تأجيل الموعد الدستوري للإستشارات النيابية الملزمة ريثما تمكن الحزب من تأمين أكثرية نيابية تتيح له الإتيان بمرشحه لرئاسة الحكومة بفعل مناورة «القمصان السود» الميدانية، وتاليا من خلال رضوخ سليمان لرغبة «حزب الله» في أن يوقّع على تأليف حكومة «الأجندة السياسية الواحدة» (…) فأوقع بذلك العهد في شباك رعاتها المحليين والإقليميين».
اما المحطة الثانية فكانت عبر بيان الامانة العامة لـ 14 آذار سواء من الوضع السوري او القرار الاتهامي، اذ وصف للمرة الاولى نظام الرئيس بشار الاسد بـ «نظام الإستبداد الذي يمعن في المجازر ضدّ شعبه ويغرق المدن السوريّة في أنهار من الدماء»، مطالباً الجامعة العربيّة والمجتمع الدوليّ «بتحمّل المسؤوليّة دعماً للشعب السوريّ في وجه النظام الطاغية الذي لن تكون أيّامه طويلة بتصميم السوريين على أخذ مصيرهم ومستقبلهم بأيديهم».
كما ندد بيان 14 آذار بـ «إمعان حزب الله في تقديس المتهَمين من أعضائه تبريراً لعدم تسليمهم إلى العدالة»، معتبراً ان «ما نشرته «تايم» وما أدلى به أحد المتهمين الأربعة، يشكل تحدياً واستفزازاً»، محملاً الحكومة «مسؤولية إعلانها عدم القدرة على إبلاغ المتهمين بمذكرات التوقيف بداعي عدم تمكنها من معرفة أماكن تواجده»، ومطالباً إياها «بالقبض عليهم أو الحزب بتسليمهم طوعاً أو أن ترحل».

السابق
السفير: خبراء الاتصالات.. أساس القرار الاتهامي باطل
التالي
ارحل يابشار