الجيش مستاء: خالد ضاهر “مطلوب”!

أثارت الحملة التي تعرض لها الجيش اللبناني من النائب خالد ضاهر استياء واسعا في صفوف المؤسسة العسكرية، ليس فقط بسبب طبيعة الكلام الذي أطلقه ضاهر وبلغ فيه حد انتقاد العماد جان قهوجي وتحريض عسكريي عكار على التمرد، ولكن أيضا نتيجة تخلي السلطة السياسية عن تغطية الجيش والتصدي للسهام الموجهة إليه، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح عبر تجاهل مجلس الوزراء في جلستيه المتتاليتين يومي الاثنين والثلاثاء الفائتين للهجوم الحاصل على المؤسسة العسكرية وعدم اتخاذ الموقف المناسب منه.

ويقول مصدر عسكري كبير في قيادة الجيش ان غضبا عارما يسود المؤسسة العسكرية، على خلفية تقاعس الرؤساء الثلاثة والحكومة في حماية كرامة الجيش، برغم ان الحملة التي شُنت عليه مؤخرا تعود الى كونه يصر على تطبيق قرار مجلس الوزراء بتكليفه حفظ الأمن في مختلف المناطق اللبنانية ومنها الشمال.

ويستغرب المصدر الصمت الرسمي على تعرض ضاهر لقائد الجيش، علما أن مرجعيته السياسية تتمثل في مجلس الوزراء الذي كان يفترض به أن يتصدى لهذا الموضوع ويبادر الى تشكيل لجنة تحقيق للتدقيق في كلام النائب الشمالي ومدى صدقيته، «وبعدها إما ان يحاسَب قائد الجيش إذا تبين انه مخطئ وإما أن يؤتى بضاهر الى السجن بعد رفع الحصانة عنه إذا تبين انه يتجنى».

ويشير المصدر العسكري الى ان قهوجي لن يرد شخصيا على الإساءة التي تعرض لها، لأنه يعتبر ان هناك دولة مسؤولة عنه ويجب ان تغطيه وتحميه في معرض قيامه بالمهام المناطة به من قبل السلطة السياسية.
ويستهجن عدم مبادرة الرؤساء الثلاثة الى اتخاذ أي موقف دفاعا عن الجيش، برغم ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان كان قائدا له، لا سيما في معركة مخيم نهر البارد، ورئيس مجلس النواب نبيه بري هو رئيس السلطة التشريعية التي ينتمي اليها ضاهر، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي هو رأس مجلس الوزراء الذي يتلقى منه الجيش أوامره ويطبقها حرفيا.

ويؤكد المصدر العسكري الكبير ان ضاهر كان مطلوبا للجيش قبل أيام قليلة من انتخابه نائبا، وكاد يتم توقيفه لو لم يكتسب الحصانة النيابية في اللحظة الأخيرة، على خلفية علاقته مع تنظيم «فتح الإسلام» الملطخة يديه بدماء عدد كبير من العسكريين الذين ينتمي الكثيرون منهم الى الشمال.

ويكشف ان لدى مخابرات الجيش ملفا كاملا يتعلق بتفاصيل دور ضاهر في مد تنظيم «فتح الاسلام» بالسلاح عشية أحداث «شارع المئتين» في طرابلس ومعركة نهر البارد، وهذا ما يقلقه باستمرار ويشكل هاجسا كبيرا له، مفترضا ان حملاته المتكررة على المؤسسة العسكرية هي بمثابة هجمات وقائية ستحميه من الملاحقة، ولكن عليه ان يعرف انه عندما تُرفع عنه الحصانة سيُفتح ملفه من جديد.

ويشدد المصدر على ان توقيف مرافق ضاهر بعد إطلاق النار في بلدة عيات العكارية لم يكن اعتباطيا، ومناقبية الجيش لا تسمح له بأن يتجنى على أحد، معتبرا ان الاجراءات التي اتخذها بعد الحادثة تنسجم مع قرار مجلس الوزراء بتكليفه بسط الأمن في مختلف المناطق اللبنانية، ولافتا الانتباه الى ان وحدة المؤسسة العسكرية هي أصلب وأمتن من أن يمسها كلام تحريضي من هنا أو هناك.

ويعتبر المصدر العسكري انه من المعيب أن يستهدف بعضهم الجيش الذي يواجه العدو الاسرائيلي في العديسة والوزاني ويبذل الدم لحماية السيادة والاستقلال، مؤكدا ان لا «ازدواجية معايير» في سلوك الجيش على مستوى الداخل، ومن أحدث الأدلة على ذلك مسح البقاع مرتين لتوقيف المجرمين وتجار المخدرات من دون ان تكون هناك بلدات مستثناة لأسباب سياسية أو أمنية، وكذلك حماية عمليات هدم مخالفات البناء في العديد من المناطق.
أما على الضفة الأخرى، فإن عضو كتلة المستقبل النائب خالد ضاهر يؤكد انه لن يتراجع عن مواقفه الاخيرة ولن يعتذر للجيش، ما لم تتوقف ما يسميها «أعمال التشبيح المخابراتية وسياسة الكيل بمكيالين في التعاطي مع اللبنانيين»، مشيرا الى انه لم يدع ضباط وعسكريي عكار الى التمرد على الجيش ولكنه طالبهم بأن يدافعوا عن منطقتهم إذا استمر النهج المستخدم حاليا من المؤسسة العسكرية في التعامل معها.

ويرى ان هناك كيدية واستنسابية في سلوك الجيش الذي يقسو علينا بينما يتقاعس في مناطق أخرى يسيطر عليها «حزب الله»، كما حصل في بلدة لاسا الجبيلية وفي صور والضاحية الجنوبية حيث لم يستطع الجيش إزالة مخالفات البناء أو التحقيق في انفجار الرويس، مشيرا الى انه جرى استغلال حادثة إطلاق النار في بلدة عيات العكارية من أجل تنفيذ حملة توقيفات بناء على لائحة اسمية جاهزة، وكأن هناك قرارا بالإساءة الى «تيار المستقبل»، وهذا ما لا يمكن ان نقبل له، نافيا ان يكون مرافقه متورطا في إطلاق النار.

ويشير النائب الشمالي الذي التقى الرئيس سعد الحريري في السعودية قبل أيام الى ان الدليل على وجود خلفيات سياسية وراء تصرفات الجيش ومخابراته هو أن التحقيق مع مرافقه تجاوز حادثة إطلاق النار الى سؤاله عن تهريب السلاح الى سوريا ودوري المزعوم في ذلك، مؤكدا انه من غير المقبول إعادة إحياء النظام الأمني في لبنان فيما يتهاوى هذا النظام في الدول العربية، تحت ضغط الثورات الشعبية.

ويؤكد ضاهر ان موقفه من الجيش ليس شخصيا فقط، بل هو يعبر أيضا عن مزاج شعبي وعن توجهات تيار المستقبل، داعيا الجيش الى ان يعاملنا كما يعامل أهل الضاحية والجنوب والبقاع، بعيدا عن معادلة «ابن ست وابن جارية».
وردا على المطالبة برفع الحصانة عنه لمحاكمته بسبب تعرضه للجيش وقائده، يرد ضاهر بالدعوة الى رفع الحصانة عن العماد ميشال عون ونوابه للتحقيق معهم في التهجم على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ورئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن لأنهما يمثلان ايضا مؤسسة أمنية رسمية يجب الحفاظ على كرامتها.

السابق
خطة فلسطينية لتحديد أولويات التنمية في المخيمات
التالي
سوريا..الأفضل ألا تجتمع الجامعة