ميقاتي بين نارين: حلفائه ومعارضيه

بعد شهرين ونصف شهر فقط على قيام حكومته، توسعت دائرة استهداف الرئيس نجيب ميقاتي من معارضيه في قوى 14 اذار، إلى حليفه النائب ميشال عون الذي لم يتورّع عن التلويح بسحب وزرائه إذا لم تتم الموافقة على خطته لملف الكهرباء. وفي ذلك مؤشر إلى الحال التي سيواجهها رئيس الحكومة مع تزعزع النظام السوري وعندما يحين موعد استحقاقات أساسية لـ"حزب الله" تتعلق بوقف تمويل المحكمة الدولية الخاصة مثلاً، او سحب القضاة اللبنانيين منها، أو نقض البروتوكول الموقع معها.
ففي هذا الخضمّ، دخل مراسل لمجلة "تايم" الأميركية إلى معقل "حزب الله" في ضاحية بيروت الجنوبية وقابل متهماً باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مكتب أحد مسؤولي الحزب، في ما يشكل رسالة تحدٍ مجانية للمجتمع الدولي ويضر بمصداقية رئيس الحكومة الذي يترقب هذا المجتمع مدى التزامه بتنفيذ القرارات الدولية بعد إعلاناته المتكررة عن ضرورة معرفة الحقيقة وكشف الجناة وتحقيق العدالة.

فرغم أنه سبق لـ"حزب الله" أن أعلن بلسان أمينه العام السيد حسن نصر الله استحالة توقيف أيٍ من كوادره المتهمين، أتت المقابلة التي لا يمكن حدوثها من دون إرادة الحزب، لتؤكد وجود المتهمين في لبنان وعجز الدولة عن توقيفهم. وهذا "أمر مسيء جداً" الى رئيس الحكومة وفق مقربين منه خصوصاً وأنه أتى بعد دعوة الرئيس ميقاتي إثر نشر القرار الاتهامي إلى التعامل بوعي وحسٍ عميق بالمسؤولية الوطنية مع المستجدات، وتذكيره بأن الحكومة مستمرة في احترام القرارات الدولية لا سيما في ما يخص عمل المحكمة، كما وأنه أتى بعد إعلان المحكمة أن "لبنان" تعاون وسعى من دون نجاح إلى توقيف المتهمين بسبب عدم العثور عليهم.

ففيما كان "حزب الله" يرغب في إعطاء الحكومة فترة سماح يُحكم خلالها سيطرته على مفاصل الدولة عبر التعيينات في مئات المراكز الشاغرة، وعبر إقرار قانون جديد للانتخابات يؤمن فوز حلفائه وتمتد حتى أول خطوة عملية باتجاه المحكمة، يؤشر تزايد الضغوط الحليفة عليه أخيراً إلى بدء تصدّعات في الجدار الحكومي تدفع إلى التساؤل عما إذا كانت تعني الرغبة بالتخلّص من حكومة فعّالة عبر تحويلها إلى حكومة تصريف أعمال باستخدام ملف الكهرباء مثلاً كما استخدم سابقاً "ملف شهود الزور" فعطّل حكومة الرئيس سعد الحريري أشهراً قبل أن يسقطها. ويبقى الهدف الرئيس من هذا التحول الحدّ من قدرة الحكومة على الاستجابة لمتطلّبات المحكمة الدولية في مقابل عدم التزامها معه ضد إجراءات المحكمة.

فخضوع وزراء النائب ميشال عون أمس وعدم استقالتهم من الحكومة لامتناعها عن بت خطته لملف الكهرباء وقبولهم بإرجاء الجلسة حتى السابع من أيلول لا يقلّل من مخاطر اهتزاز اللّحمة الحكومية رغم إعلان الرئيس ميقاتي بعد الجلسة "أن لا خطر على الحكومة وهناك تضامن كامل بين أعضائها"، أو رغم تبشير الوزير وائل أبو فاعور "أن الموضوع عاد الى نصابه الصحيح لأن القضية ليست سياسية بل تقنية".

فهذه المواقف لا تلغي إعلان النائب عون أن الإجازة للحكومة بالصرف على الخطة تشكل "اعتداء على كرامتنا" وتأكيده "أن الحكومة تطير لكن كرامتنا تبقى"، أو إعلان وزير الطاقة جبران باسيل "أن جلسة الأربعاء هي جلسة الفرصة الأخيرة" و"أن لا حكومة من دون خطة الكهرباء".

ومن مؤشرات التصدّع في الائتلاف الحكومي رفض النائب وليد جنبلاط الخضوع لـ"ابتزاز" عون وتشديده عبر وزرائه على ضرورة وضع ضوابط لـ"خطة ملف الكهرباء" تحول دون هدر المال العام وتأكيده أنه "غير آبه إذا كان موقفه سيزعزع الحلف السياسي القائم في الحكومة".

وتلتقي هذه المؤشرات مع ما نشرته جريدة "الرأي" الكويتية عن احتمال فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات اقتصادية على سوريا قد تطال الرئيس ميقاتي الذي يتمتع بمروحة واسعة من المصالح الاقتصادية الهامة المنتشرة في العالم.
وتوفر هذه الحوادث جميعها للمعارضة مادة دسمة تستثمرها في حملتها المتصاعدة على الحكومة خصوصاً وأنها أعلنت منذ تشكيلها أن هدفها إسقاطها باعتبارها حكومة "حزب الله" وسوريا، الى جانب الهدف الآخر المتمثل بوضع سلاح "حزب الله" تحت سيطرة الشرعية للحد من تأثيره على مجرى الحياة السياسية الداخلية.

فـ"حزب الله" على ما يبدو، بات يفضل انتظار جلاء الصورة بعد أن اتضح حجم الضغوط الخارجية على سوريا، التي أصبح التغيير فيها حاجة إقليمية ودولية بسبب فشل نظامها في وقف التظاهرات رغم نحو ستة أشهر من القمع الدموي. وأتت هذه الضغوط رغم الانشغال الدولي والأقليمي بمستجدات الأوضاع في ليبيا، ورغم الحماية الإيرانية إقليمياً، والحماية الروسية والصينية دولياً. فتفكيك الحلف السوري – الإيراني يضعف حلفاء إيران في المنطقة وفي مقدمهم "حزب الله" ويكسر الحلقة التي تحول دون الارتباط المباشر بين دول الشرق الأوسط.

السابق
لجنة من فلسطين لدعم العائلات في مخيمات الشمال
التالي
جنبلاط:بعض من جنون القذافي