مقاييس النجاح والفعالية

لكل بلدٍ عربي خصوصيته وفرادته، رغم انضوائه في الكلّ الشامل· فلا شك أن الثورة في ليبيا سببها المباشر ما حصل في تونس ومصر·

لكنها عندما انطلقت اختلفت مصائرها اختلافاً كبيراً عما حصل بالبلدين المجاورين مساراً ونتائج· فخلال أقل من أسبوع كان هناك قرار دولي بالتدخل في ليبيا لحماية المدنيين، وسط تهديدات القذافي بتدمير بنغازي· ومنذ ستة أشهر وحتى الآن ما استطاع الثوار التقدّم في ناحية على قوات القذافي إلاً بعمل مشترك بينهم وبين قوات حلف الأطلسي· ويُبدي المجلس الوطني الانتقالي نجاحاً فائقاً إذا قورن بالترددات في مصر وتونس، لكنه شكّل فقط لضرورات التمثيل الخارجي، وتنظيم الإنفاق، وإلاّ فهو فاقد للسيطرة إلى حدٍّ كبير على القوات التي من المفرض أنها خاضعة له·

وهكذا فإذا كان الثوار لم ينجحوا إلاً بمساعدة أطلسية، فإنهم محتاجون إلى المساعدة أيضاً بعد مغادرة القذافي· ومن الطريف العودة إلى الماضي· فقد حصل الشيء نفسه عام 1951 عندما قررت نواحي ليبيا الثلاث (برقة وفزانس وطرابلس) الاتحاد في دولة واحدة· إذ أشرفت الأمم المتحدة على إنشاء الأجهزة وبناء الوظائف والأدوار والخطط التنموية والتوحيدية·

نعم، سيكون على الأمم المتحدة وأجهزتها وضع ليبيا الخارجة من سطوة القذافي وتخريبه تحت الوصاية والعناية، لكي لا تحدث الفوضى بعد الديكتاتورية· وكان الغزاة الأميركيون قد حلّوا الجيش العراقي، والشرطة العراقية بعد أقل من شهر على دخولهم إلى العراق، وهذا ما ينبغي تجنّبه تماماً في ليبيا بجمع ما تبقى من الجيش والشرطة، ونزع السلاح من المواطنين، وقبول المتطوعين بعد تدريبهم، وتجنّب إدخال الحزبيين الى الجيش والأجهزة الأمنية· والذي أراه أن قطر والإمارات وتركيا، تستطيع أن تلعب أدواراً بنّاءة في الحالة الليبية، ومن المستحب التنسيق فيما بينها· ومن المفيد الإسراع في انتخاب الرئيس قبل الانتخابات النيابية· لكنه ليس ضرورياً إن لم يمكن تحقيقه·

والذي أعتقده أن ليبيا المسالمة التي ما وقعت فيها نزاعات داخلية غلَّابةٌ، سوف تستطيع الوقوف على قدميها في فترة قياسية لشدة الإحساس بغياب الدولة والنظام، واستدعاء المواطن للسلطة العادلة والشاملة والتي تنظّم الأمن، وتحترم حقوق الناس وحرياتهم·

هل نجحت الثورة الليبية؟ ليبيا اليوم في الموقع الذي كانت فيه تونس بعد ذهاب بن علي، وكانت فيه مصر بعد ذهاب مبارك، وهذا نجاح كبير وإن لم يكن إنجازه بدون الحلف الاطلسي لكن النجاح الحقيقي يبدأ الآن بالعمل على انجاز التحول الديمقراطي، وبناء السلطات الجديدة، وهنا ينبغي ان يسود المنطق المدني الذي لا يحمّل الناس ما لا يحتملون، فالمجلس الوطني ينبغي ان يشكّل حكومة انتقالية تقوم بالوظائف التي يقوم بها اليوم المجلس التنفيذي والحكومة العاملة من طرابلس هي التي تُشرف بمساعدة الامم المتحدة، والدول العربية التي تريد المساعدة، على بناء الجيش والشرطة والاجهزة الامنية، وتُعيد ترسيم الاجهزة القضائية، وتُصلح مرفق النفط، وتُعدّ للانتخابات على انواعها·

إن الواقع أن العرب والعالم معاً تحظى ليبيا عندهم بالاهتمام اذ لديها ثروة بترولية كبيرة، فهي فرصة للشركات والدول، كما انها فرصة لليد العاملة بالشمال الافريقي بدلاً من الهجرة الى اوروبا· ثم انها مدخل مهم الى دواخل افريقيا اذ عندهم ثلاثة آلاف كيلومتر حدود لجهة الصحراء·

ثم انها تقع بين مصر والسودان والشمال الافريقي العربي، ولولا التخريب الفظيع الذي نالها من القذافي على مدى اربعين عاماً، لكانت في طليعة الدول العربية اليوم بالمشرق والمغرب، انها الثورة العربية الثالثة الناجحة خلال العام 2011، إنما الحق يقال ان الخسائر هائلة (حوالى الاربعين الف قتيل، وخراب تزيد تكلفته على الثلاثين مليار دولار)، ولن يخفف من الهول والصدمة الا اسدال الستار على الماضي، وبناء دولة الشعب الليبي بأياديه وادارته، لقد بذل القذافي واولاده وزبانيته كل ما بوسعهم لتخريب ليبيا واستعبادها من طريق ذلك الى الابد لكن الشعب الليبي الثائر بشيوخه وشبابه انطلق للبناء بالدم والدموع والعرق لا يحدوه الا ايمانه وفرحته بالحرية، إنه ميراث احمد الشريف السنوسي ورمضان السويحلي وعمر المختار وسليمان الباروني، وهو ميراث الشعب الليبي العظيم اهلٌ له وأكثر· وبالله التوفيق·

السابق
الراي: منافسة في بيروت بين باب العزيزية و… باب بعبدا
التالي
البناء: الاستعمار القديم والجديد يحاول مجدداً استخدام مجلس الأمن ضدّ سورية … واجتماع للجامعة العربية!