اللقاء السري 2.. الحريري: لبنان لا يحكم من دون رضى الشام !!

ماذا كان يريد اللواء رستم غزالة، رئيس فرع الاستخبارات السورية التي كانت عاملة في لبنان قبل انسحاب القوات السورية، من زيارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والحديث معه في عزّ الأزمة بين الحريري والسوريين؟ سؤال يثير غير علامة استفهام، لأنّ غزالة المعروف بـ "أبو عبدو" لم يقل شيئا، بل كان مستمعا ويكتفي بالادعاء أن السوريين لا يتدخلون في قانون الانتخابات. هنا الحلقة الثانية والأخيرة من المحضر السري بينهما:

الحريري: لماذا خلط الأقضية مع بعضها؟

أبو عبدو: ما يقال عن لساننا خاطئ، هناك من يريد تقسيم بيروت أو غيرها، هذا الكلام لا أساس له من الصحة. هذا الكلام بازار. أتى أحدهم وطلب فصل إقليم الخروب عن الشوف، فإذا فعلت هذا الأمر سيحلّله كل طرف كما يريد. هذا الكلام للاستهلاك.

الحريري: هم يرغبون في التسلية

أبو عبدو: ليتسلّوا بأحد آخر

الضيف: يريدون جعل ساحل الشوف مسيحيا. لدي وجهة نظر في بعض العناوين، فأنا أعتقد أن اتفاق الطائف لم يؤسس أو يشرّع للوجود السوري في لبنان، فهو كان موجودا.

الحريري: لقد أمّن له الغطاء

الضيف: لم يكن في حاجة إلى هذا الغطاء. أي سياسي لبناني يعتقد أن الطائف يغطّي الوجود السوري، يعطيه حجما إضافيا. فهو كان موجودا ومستمرا، والدول كانت سترضى به بالطائف وغير الطائف. دولة الرئيس، أنا أعتقد أنك أتيت رئيسا للحكومة من بوّابة دمشق. كنت معك في المنزل، وقلت لي إنك مرتبط بموعد في الأولى مع الرئيس حافظ الأسد. وعدت وقلت لي: "إنني سأصبح رئيسا للحكومة وسأبني البلد"، سألتني ماذا تريد، وساعدتني. الحريري الأول بدأ بالإعمار، لكن كان هناك تحوّل في مَسارك السياسي من شخص يريد إعمار البلد إلى شخص اضطرّ إلى مشاركة الطبقة السياسية، وصولا إلى العام 2000 عندما أخذت أكثرية نيابية في رعاية سورية ودعم شعبي. وكان هناك أفضل تعاون بينك وبين سيادة العميد، وأنا كنت شاهدا على لقاءاتك مع سيادة الرئيس بشار الأسد، وأدّيتَ دورا لمصلحة سوريا في الخارج مع الرئيس الفرنسي وطوني بلير. لكن لاحقا ضُربت العلاقة، ولم يعد هناك ثقة بينك وبين سوريا وصولا إلى معركة التمديد، ومن يقرره: سوريا أم فريق لبناني، ما أدى إلى صدام قوي كانت نتيجته أن سوريا هي التي تقرر في ظرف إقليمي معين. أنا لم أكن مع التمديد، لكنه كان قرارا استراتيجيا لدى الرئيس الأسد. ونحن اليوم نعيش تداعيات هذا الوضع. هل هناك ثقة قوية بين سوريا والرئيس الحريري؟ كلا، علما أن علاقات الثقة هي أهم عنصر. بعدها، دخلنا في الانتخابات والتحالفات. هل هناك حياة سياسية في لبنان اليوم؟ كلا. عندما وضع اتفاق الطائف، الأمر الأساس كان الانتقال من الحرب إلى السلم الأهلي، وتشريع الواقع السوري دوليّا، والانتقال من الجَوّ الطائفي المذهبي إلى الوحدة الوطنية، والمحافظة هي إطار صالح لذلك. أما اليوم في العام 2005، عُدنا إلى الجو المذهبي الضيق. فما معنى أن يقول وزير إنني أريد أن أحرّر جزين في الجنوب؟ نعود إلى جَوّ لبنان العثماني، لجهة أن ينتخب الماروني الماروني والسنّي السنّي والشيعي الشيعي. هل الرعاية السورية بعد الطائف ألغت الطائفية السياسية؟ كلا، لقد أسهمت في إضافتها. هناك قرار وطني في سوريا وليس هناك مسلم مسيحي، هناك حزب علماني حاكم. فإمّا أن يكرّس قانون الانتخابات الطائفية في لبنان، أو يكرّس لبنان جديد. الدول تريد مجتمعا مدنيا في لبنان، ومن مصلحتنا أن نعيش في مجتمع غير طائفي. هم لا يملكون علاقات طائفية، لكن بسبب التمديد أصبحنا نريد أن نرضي البطريرك والمفتي.

هذا البلد لن يستمر هكذا. وأنا أعتقد أنه يجب خَلق مناخ ثقة حقيقي بينك وبين سوريا، والدخول في جو سياسي غير طائفي من خلال قانون انتخاب غير طائفي. عندما تسلّم سيادة العميد مسؤولياته، هل قدمت له المساعدة في مهمته؟

الحريري: كلا

الضيف: هل هو قدّم لك المساعدة؟

الحريري: لا أنكر أنه ساعد، لكن في الحكومة الأخيرة…

الضيف (مقاطعا): الحكومة الأخيرة لم يكن سيادة العميد.

أبو عبدو (مقاطعا): في الموضوع الشخصي، نحن لا نكنّ لدولة الرئيس إلّا كل حب ومودة واحترام، وفي كل الظروف التي عملنا فيها معا كان يستجيب الى نصيحتنا، سواء عندما كنت في بيروت أو عندما كنت في البدايات في عنجر. كان التعاون إلى أبعد الحدود، ولكن مسيرة العمل المركزي تختلف عن مسيرة العمل الفرعي، فتزيد التعقيدات والمسؤوليات والتشعبات. ولكن، على الصعيد الشخصي، نكنّ له كلّ احترام بعيدا من الانفعالات والاحتكاكات في بعض الأحيان. ولكن هذا لا يفسد في ودّ الصداقة الشخصية.

الضيف: في السنوات الأخيرة سيادة العميد، هل استطاع الرئيس الحريري أن يزاول مهمّاته كرئيس للحكومة؟

أبو عبدو: هناك تجاوزات حصلت، سببها الاستحقاق الرئاسي. وأنا تلمّستُ الخطورة منذ اللحظة الأولى. كنت مدعوّا في طرابلس عند عصام فارس الذي قال لي إنّ هناك حدّة شخصية كبيرة بين الرئيس الحريري ورئيس الجمهورية بسبب التمديد، ليتك تسعى إلى حلّ لهذا الموضوع حتى لا يَصل إلى نقطة الصفر.

لم يكن هناك سبب عقائدي للخلاف بيننا، ولا أيّ سبب خلافيّ لجهة الوجود السوري والدور السوري، أو لجهة التمدد والتقلّص السوري، ولا الدور الأمني. نقطة الصفر كانت التمديد، فهو كان لديه وجهة نظر، ونحن لدينا وجهة نظر، وبقية الأطراف يتحملون المسؤولية بالعقلية والذهنية وبالفهم والاستيعاب، والقدرة على التعاطي مع الأمور. كل هذه المسائل تجمعت وأدّت إلى ما وصلنا إليه.

الضيف: إذا اعتبر شخص أن بوقوفه ضد التمديد يخدم سوريا، فهل هذا الأمر مقبول؟. وبالتالي فإنّ الرئيس الحريري يعتبر أن رفضه التمديد يخدم سوريا، وتوقيعه التمديد يضرّ بها.

الحريري: كانت يَدي مكسورة، وكنت ذاهبا لأصوّت في المجلس النيابي. كنت "صافنا" سألني مرافقي: ماذا هناك؟ فقلت له: لا أعرف من على صواب أكثر أنا أو وليد جنبلاط؟ وليد ضد وأنا مع، أنا أنفذ ما تريده سوريا ضد مصلحتها (التمديد)، ووليد لا ينفذ ما تريده سوريا، لكن هذا الأمر ليس لمصلحتها.

الضيف: صار يَلّلي صار. أنا أعتقد أن هناك صفحة جديدة وتحديات. وسيادة العميد يعرف الوضع. يجب التأسيس لمرحلة سياسية جديدة.

.
أبو عبدو: عم تطلع عالشام؟

الحريري: كلا.

(دار الحديث عن الوقت الذي مَرّ، فلفت الحريري إلى أن شعره كان أسود اللون من دون أيّة شعرة بيضاء في العام 1998، فيجيبه أبو عبدو: نعم أذكر)

الحريري: سبق وقلت لك، وأنا صادق، إن لبنان لا يحكم من دون رضى الشام.

الضيف (مقاطعا): لا يحكم من دون رضى الشام، ولا يحكم من الشام.

الحريري: صحيح.

الضيف: يحكم بالتنسيق بين البلدين.

الحريري: صحيح. قد تخرج الأمور عن مسارها، لكنها تعالج. هل تذكر كيف توصّلنا إلى اتفاق الطائف؟ توصلنا إليه بعدما عقدت في الدار البيضاء قمة عربية من أجل لبنان، وكانت ضد سوريا. وقد تلاسن في حينها صدام حسين مع الرئيس الأسد. يومها عقد المؤتمر الوحيد فقط من أجل لبنان.

الضيف: خافوا يومها من أن يحاول صدام اغتيال الرئيس حافظ الأسد.

الحريري: شكلت اللجنة الثلاثية من السعودية والجزائر والمغرب من دون عضوية سوريا، وعندما يجمع العرب على أمر فهذا ليس لعبة. الموضوع لا يختصره العسكر يا أبو عبدو.

أراد الملك فهد أن يكلمني وقتها، لم تكن الهواتف "satellite" وكل العالم تسمع. سألني: أين أنت؟ فقلت له: أنا ذاهب إلى باريس. فقال لي: "بتحمُل حالك وبتِجي على الدار البيضاء". ثمّ قال لي: "هَيك هَيك صار، ماذا سنفعل؟".

الضيف: لو اتفقوا على مخايل الضاهر عام 1988، هل كان ليوضع الطائف؟

الحريري: مَن أفشل انتخاب مخايل الضاهر؟ (دار حديث عن ترشيح مخايل الضاهر، في حينه، إلى رئاسة الجمهورية)

الضيف: هل تقابل الرئيس بري؟

الحريري: كلا.

أبو عبدو: تريدون إلباسي كل شيء حتى في علاقاتكم الشخصية، "قَليلِة"؟ هذا ظلم.

الضيف: ألن تتدخلوا في قانون الانتخابات؟

أبو عبدو: لا والله. لن نتدخل.

الحريري: إذا هؤلاء "المساطيل" الجالسين في بعبدا أو السراي أو خلدة، "عم بحكيك عَربي"، وهم "لا ينظرون أبعَد من أنوفِهِم"، وضعوا قانونا مركّبا، ستدفعون أنتم الثمن

السابق
السفير: صاعقة الكهرباء تعطّل الحكومة ومجلس النواب!
التالي
أين سليمان… أين ميقاتي؟!