الراي: منافسة في بيروت بين باب العزيزية و… باب بعبدا

تنافس باب العزيزية وباب بعبدا على إحتلال موقع الصدارة في إهتمامات اللبنانيين. ففي وقت كانت أنظارهم مشدودة الى اعلام الثورة المرفوعة في باب العزيزية وسط تعقب لمصير الرئيس العربي الثالث «المخلوع»، اي معمر القذافي، إضطر اللبنانيون الى توجيه انظارهم الى باب بعبدا مع إنعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري في حمأة اجواء «مكهربة» ناجمة عن بلوغ العلاقة بين مكونات الحكومة حد التهديد بإسقاطها.

وبدا ان مصير الحكومة تماماً كالمصير «الغامض» للقذافي الذي اذاع رسالة صوتية عن إنسحابه التكتيكي من باب العزيزية، في اللحظة التي املت الظروف «التكتيكية» إرجاء جلسة مجلس الوزراء الى السابع من اغسطس المقبل، حسب ما اذاعه وزير الاعلام بالوكالة وائل ابو فاعور من باب بعبدا، الامر الذي فتح «البابين» على المزيد من التكهنات حيال الملابسات التي تحوط بمستقبل القذافي ومستقبل الحكومة في آن

والمفارقة كالعادة ان اللبنانيين غالباً ما يجعلون من ازماتهم «المحلية» احداثاً تنافس التحولات التاريخية، تماماً كما حدث في الساعات الماضية التي كان العالم منشغلاً فيها بالسقوط المريع لثالث رئيس عربي في الميدان، وسط اسئلة داهمة عن: من هو الرابع في سياق الحراك الشعبي غير المسبوق في المنطقة التي تشهد طوفاناً من الثورات الجارفة التي بدأت من تونس ومرت بمصر واستمرت في اليمن وأثمرت في ليبيا وها هي تستوطن سورية.
ففي غمرة هذا الـ «تسونامي» الذي يضع الاقليم برمته امام منعطفات هائلة، إنفجرت في بيروت ازمة داخل «البيت الحكومي»، بدت وكأنها تهديد بتقويضه مع خروج زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ليعلن: إما موافقة الحكومة على «خطة الكهرباء» الموضوعة من صهره وزير الطاقة جبران باسيل وإما الاستقالة التي من شأنها اسقاط الحكومة.

هذه «الصعقة الكهربائية» ادت امس، الى تطيير جلستين واحدة للحكومة وأخرى للبرلمان، في تطور بدا كـ «اهون الشرين»، خصوصاً في ضوء استمرار الخلاف بين مكونات الحكومة حول خطة باسيل التي ايقظت ازمة الثقة «النائمة» بين اطراف الاكثرية «الاضطرارية» التي كان تم «تجميلها» بشق النفس وفي ظروف مغايرة يوم اتخذ «حزب الله» مدعوماً من سورية قراراً باقصاء زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري عن السلطة وإسقاط حكومته.

ولم تفاجأ اوساط واسعة الاطلاع في بيروت بالمؤشرات التي توحي بانفجار ازمة الثقة بين مكونات حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على وقع الهجوم المكهرب للتيار (تيار العماد عون)، معيدة الى الذاكرة مراحل تشكيل الحكومة و«الكلام الكبير» الذي كان يقال خلف ستائر المجالس الخاصة لتلك الاطراف والتي كان يكثر فيها الحديث عن «الكذب والمخادعة والهوس والبلطجة وما شابه».

ورأت هذه الاوساط ان هذه الازمة التي خرجت من «العتمة» على وقع الصراع المكهرب حول خطة باسيل اظهرت وجود اتجاهين في الحكومة، واحد يضم الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزراء الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، واخر يعبر عنه «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وسط شكوك بـ «تواطؤ ضمني» لوزراء رئيس البرلمان نبيه بري مع الاتجاه الاول واخذ الفريق الوزاري لرئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية مسافة من حليفه «التيار الحر».

غير ان دوائر معنية في بيروت لم تقم وزناً لعمليات التهويل باسقاط الحكومة، ولا للسيناريوات التي تتحدث عن خطة «مكتومة» يقودها «حزب الله» لتحويل الحكومة حكومة تصريف اعمال في مواجهة المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وقرارها الاتهامي.

وقالت هذه الدوائر ان «حزب الله» الذي خاض معركة فعلية لقيام هذه الحكومة، التي يملك فيها «الامرة السياسية»، لن يفرط بها وهو جاهر بانها ستبقى على قيد الحياة حتى انتخابات الـ 2013، تلك الانتخابات التي يسعى الحزب الى جعلها بوابة العبور الى تحجيم نفوذ خصومه، وفي مقدمهم الحريري الذي يترأس حالياً اكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب.

وكان مجلس الوزراء اللبناني انعقد امس الاربعاء في جلسة كهربائية «سوبر خاطفة» برئاسة سليمان (في قصر بعبدا)، على وقع المعادلة التي شكّل قطباها العماد عون الذي اعلن «الكهرباء في مقابل الحكومة»، والنائب وليد جنبلاط الذي اكد «نرفض التهديد و«مش فارقة معي» إذا كان موقفي سيزعزع الحلف السياسي القائم».

10 دقائق استمرّت جلسة مجلس الوزراء الذي «نجا» من «قطوع» الانفجار فأرجأ «كرة النار» الى 7 سبتمبر المقبل، علّ الفترة الفاصلة عن هذا الموعد تكون اتاحت تقريب وجهات النظر حيال كيفية تطبيق خطة وزير الطاقة جبران باسيل (صهر عون) الحصول على 700 ميغاوات من الكهرباء بـ 1200 مليون دولار وتمويل هذه الخطة والمرجعية في ادارتها وفي صرف الاعتمادات.

وجاء مخرج الإرجاء بعد فشل المساعي والمشاورات التي أجراها سليمان للتوفيق بين آراء أفرقاء الحكومة حول النقاط العالقة في مشروع الكهرباء من جلسة يوم الثلثاء، ولا سيما بين وزراء العماد عون ووزراء جنبلاط، حيث عقدت اجتماعات بين الوزراء علي حسن خليل (من فريق الرئيس نبيه بري) وغازي العريضي (من فريق جنبلاط) وباسيل ورئيسي الجمهورية والحكومة كلٌ على حدى لبحث خطة الكهرباء، فيما تَواصَل الوزراء مع مرجعياتهم عبر الهاتف لوضعهم في صورة الاجواء.

وفيما كانت الحكومة تسحب فتيل تفككها، «طيّر» المناخ «المكهرب» الذي ساد الـ «لا جلسة الحكومية» والمشاورات التي رافقتها الجلسة التشريعية التي كانت مقررى للبرلمان قبل الظهر، اذ اعلن الامين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر إرجاءها بسبب عدم اكتمال النصاب (65 نائباً) «اذ بلغ عدد النواب 52 نائباً والحكومة كانت ممثلة بالوزير نقولا فتوش».

وتزامن انفراط عقد جلستيْ الحكومة والبرلمان مع استقبل بري الرئيس ميقاتي الذي اكد بعد اللقاء على التضامن الوزاري، مشيرا الى «ان هذا التضامن كان كاملاً وتمثل بمتابعة البحث بموضوع الكهرباء، وكل الكلام الذي سمعناه في الاعلام قد ازيل والاجواء كانت جيدة».

وكانت «جلسة العشر دقائق» تخللها، بحسب وزير الاعلام بالوكالة وائل ابو فاعور (من فريق جنبلاط) تأكيد رئيس الجمهورية ضرورة «الاتفاق على مسلمتين، الأولى إيجاد خطة للكهرباء متفق عليها من جميع الكتل النيابية، والثانية إبعاد هذا الأمر عن التجاذبات السياسية»، وهو ما اكد عليه ميقاتي مشدداً على أنَّ «الأيام المقبلة ستشهد استشارات مكثفة لكي يتم الإتفاق على الخطة».

وأعلن أبو فاعور أنَّ «أي جديد لم يطرأ على الإتفاق الذي حصل الثلاثاء، وتحديداً حول فريق العمل الذي سينفذ خطة الكهرباء، الأمر الذي حصلت مشاورات بشأنه اليوم (الاربعاء) من دون ان تفضِي إلى إتفاق حول الموضوع»، مشدداً على أنَّ «الموضوع ليس خلافاً سياسياً وليس موضوع كرامات بل المسألة تقنية والجميع تراجع خطوة إلى الوراء لإعطاء المزيد من الوقت للدرس أكثر».
وفي تظهير لـ «المنازلة» الدائرة بين العماد عون والنائب جنبلاط خصوصاً في هذا الملف، ردّ ابو فاعور على قول وزير العمل شربل نحاس (من فريق عون) إنَّه «كان هناك عقلية ميليشيوية على طاولة مجلس الوزراء»، فقال: «يحق للوزير نحاس أن يقول ما يشاء، لكن لا أتصور أنَّ هناك عقلية ميليشيوية على الطاولة، بل جميعنا نحترم بعضنا والمنطق الذي يجب اتباعه من الجميع هو فتح النقاش وليس فرض الأمور».
ومن خارج قصر بعبدا، كان الوزير نقولا نحاس (من فريق عون) يعلن غامزاً من قناة جنبلاط «ان هناك فريقاً واحد لم يكن لديه اي حجة مقنعة وقال الثلاثاء انه يريد ان يتريث ويفكر في الموضوع، والواضح أن موقفه سياسي وليس تقني»، في حين اعلن النائب نبيل نقولا مصوباً ايضاً على الزعيم الدرزي «ان هناك كيدية سياسية واضحة وفريق يضع نفسه كأنه بيضة القبان. هذا غير مقبول ومن يريد ان يكون في فريق عمل لا يستطيع أن يكون (إجر بالفلاحة وإجر بالبور). ولا نحمل حزب الله والرئيس بري مسؤولية إفشال خطة الكهرباء».
والواقع ان «شد الحبال» في ملف الكهرباء هذا يدور حول أسئلة تتعلق بكيفية صرف الاعتمادات، وتلزيم الأعمال، ومن سيدير القطاع، وسط اصرار من وزراء جنبلاط على ان يكون هناك فريق تقني يحدّد الخيارات في الخطة وتطبيقها. وذلك بعدما كان جرى التوافق في جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء مبدئياً على ان تحدد «الاجازة بصرف الاعتمادات» للحكومة بدل وزير الطاقة، وان تتم العودة إلى مجلس الوزراء في صرف كل الاعتمادات، وكل مرحلة بمرحلة، كما اتُفق مبدئياً على الالتزام بالقانون 462 واقتراح تعديلاته لاشراك القطاع الخاص في المراحل اللاحقة للانتاج، وبأن يتم تشكيل الهيئة الناظمة خلال 9 أشهر للاشراف على حسن تطبيق القانون، باعتبار انه تمّ التفاهم على ان تمول الدولة نفسها المرحلة الاولى من الخطة من دون القطاع الخاص.

واشارت معلومات الى انه خلال جلسة الثلاثاء، وبعدما علم العماد عون من وزرائه ان لا نية لاقرار مشروع خطة الكهرباء، عمد خلال إجتماع تكتله النيابي الى التلويح مجددا بالانسحاب من الحكومة، قائلا: «لا يجوز المضي في اتهام وزراء التيار بالمافيات وبصرف غير قانوني وهو الذي ينادي بالاصلاح وبوقف الفساد والهدر». ثم شدد بعد الاجتماع على «ان صلاحية عقد النفقة بحسب الدستور، هي للوزير وليس للحكومة». وإعتبر «ان ما يطرحونه هو اعتداء على كرامتنا»، مؤكداً أنه «من الممكن أن تسقط الحكومة ولكن كرامتنا ستبقى»

وقد ردّ جنبلاط على عون دون تسميته، اذ اعلن أنَّ «هناك خيارين أمام وزراء «جبهة النضال الوطني»، فإما أن يتم الأخذ بملاحظاتهم على خطة الكهرباء ويحصل إتفاق على أسس واضحة، وإما أن يتمسكوا بتحفظاتهم، لأنَّه من غير المقبول تخصيص مبلغ كبير بقيمة مليار و200 مليون دولار لتمويل الجزء الأول من الخطة من دون أن تكون هناك آلية محددة تضمن مصيره».
وإذ اعتبر أنَّ «وزير الطاقة جبران باسيل لم يقدم التوضيحات اللازمة والمقنعة على العديد من الأسئلة الإدارية والتقنية التي وجهت إليه»، أكد أنَّه «متمسك» بموقفه بشأن خطة الكهرباء «ولن نخضع إلى منطق التهديد والإبتزاز الذي يستخدم معنا على قاعدة إما أن تسيروا بما نريده وإما الويل والثبور وعظائم الأمور»، وقال: «مش فارقة معنا»، حتى لو كنا كـ»جبهة نضال» نشكل أقلية في الحكومة، ولا آبه إذا كان موقفي هذا سيزعزع الحلف السياسي القائم».

وفي هذه الأثناء، لفت موقف للنائب مروان حماده (من 14 آذار) اعلن فيه أن «لكل حكومات العالم فترة سماح تستهلكها وفق الأداء ووتيرته». وأضاف: «أما نحن فكما صحن الفتوش وقرص الفلافل العزيزين على الوزير (السياحة) فادي عبود، نسجل لحكومتنا وعليها رقما قياسيا يستحق الادراج في مجموعة غينيس. نعم الرقم القياسي في التعثر والارتباك والارتكاب والمخالفة. بعبارة واحدة الرقم القياسي في الفشل وفي الوقت القياسي للفشل».
وسأل عقب رفع الجلسة التشريعية للبرلمان بسبب غياب الحكومة، «أين الشفافية والاصلاح؟ فيما تنهال علينا من كتل تدّعي العفة مشاريع فضائحية اقل ما يقال فيها وعنها انها الغاء لمنطق الدولة؟ كأن تحالف «حزب الله» «الاصلاح والتغيير» اتفق على انشاء وحماية دويلتين: واحدة للسلاح والهيمنة الميدانية، وثانية للمال والبلطجة الكلامية».
وتوجه حماده أخيراً إلى الحكومة قائلاً: «بإختصار، فترة السماح انتهت. حتى زملاء لكم يدركون ذلك. فنصيحتي أن ترحلوا قبل سقوط الحصن الأخير، «باب عزيزية» هذه الحكومة».

السابق
اليوم طرابلس… وغداً دمشق حرة
التالي
مقاييس النجاح والفعالية