وسقط الثالث.. فهل يتعظ الباقون ؟

سقوط نظام القذافي لم يكن مفاجئا البتة، فهي صيرورة التاريخ، فحركة الشعوب دائما هي الغالبة، والشعوب أطول نفسا من الأنظمة، وعلى إستعداد أكبر لدفع التضحيات، كونها تملك فطريا بوصلة الإرتقاء والإنعتاق. لكن مكابرة القذافي ونظامه الذي لا يرى في شعبه أكثر من جرذان وقائمة الشتائم التي تطول، أعمت بصيرتهم عن الحقيقة، لدرجة أن القذافي بقي يعتقد حتى اللحظات الأخيرة أن القبائل على إستعداد للموت في سبيل أن يبقى على كرسيه حتى الممات، فبعث برسالة تلو الأخرى يستصرخها القدوم الى طرابلس وقتال المنتفضين على حكمه، لكن هيهات أن يستجيب عاقل لنداء اللحظة الأخيرة ويموت في سبيل كرسي يتهاوى أذاق شعبه ويلات وويلات.

بعد زين العابدين ومبارك، ها هو القذافي يرحل غير مأسوف عليه، لكن المشكلة في من تبقى من حكام العرب، ممن يكابرون أن نسمات الربيع سوف تجتازهم الى غيرهم، ولا يريدون أن يعوا أن رياح التغيير ما أن تقف على عتبات أحد تتسمر عنده الى أن تقتلعه، مهما تفذلك في إختلاق الروايات والتبريرات، فقد سبق لمبارك أن إستخدم فزاعة الإسلاميين، والقذافي فزاعة القاعدة، لكن لم يجد ذلك نفعا، فلم تتزحزح الشعوب عن مطالبها قيد أنملة قبل أن تحقق أهدافها، وهي تعي بأنها ستدفع ثمنا باهظا، لأنها تدرك مسبقا أن حروف التاريخ مزورة حين تكون بلا دماء.

إنه زمن الشعوب وفرض إراداتها، فلا يمكن التحايل على مطالبها، فقد سئمت الشعوب سياسة الوصايات ومصادرة الإرادات ونهب الثروات، وعقدت العزم على أخذ الزمام بيدها، ولم يعد يرهبها الرصاص ولا الدبابات، والفتات الذي يتصدق به بعض الحكام ويلقونه اليهم بين الحين والأخر، فكسرة الخبز التي تلقى اليها على قارعة التاريخ، لم تعد تسمن عن مستقبل، ولم تعد تنطلي عليها أية حلول ترقيعية، فقد عزمت على تغيير أحوالها ولمرة واحدة مهما طال الجلوس في الشوارع والساحات، ومهما سقط من شهداء، فهم كأشقائهم الليبيين مصممون على النصر متمسكون بشعارهم الذي أشهره أجدادهم في وجه الإستعمار المباشر: لا نستسلم، نموت أو ننتصر. إذا هي معركة وجود وبقاء، وعلى بعض حكام العرب أن يدركوا ذلك، فيريحوا ويستريحوا ويستجيبوا لشعوبهم قبل أن تغلى الأثمان ويصبح حينها الإصلاح عسيرا، والتغيير هو الحل.

لقد نضجت ثمرات ثورات عربية ثلاث، والبقية المتقدة تنتظر الحزم، والبقية الباقية من بلدان عربية أخرى سيتصاعد سعير الحراك في شوارعها لتلكؤ حكامها في الإستجابة لمطالب شعوبهم، في محاولة لشراء الوقت ظانين أن الخريف سيعصف بورقات الأشجار التي نبتت، وبزهور الربيع التي تفتحت، متعامين أن الزهور قد إستوت على سوقها، وستطرح ثمرها مهما كانت شمس الصيف لاهبة ورياح الشتاء عاتية، فلم يسجل التاريخ البتة أن ثورة شعبية خبت، وأن حاكما إنتصر على شعبه وقهره، فوقت الفهلوة قد إنقضى وشبت الشعوب عن الطوق وآن للحكام أن ينصاعوا لشعوبهم أو يرحلوا.

السابق
عن خالد صاغيّة، وله
التالي
صحناوي: موقف وزراء جنبلاط من خطة الكهرباء سياسي وليس تقني