مصنع لخدمة أنف المواطن

المصورون يجهزون كاميرات التصوير، فرق موسيقية تمارس هوايتها في بث الحماس عبر الغناء الوطني، طاولة «البوفيه» جاهزة بكل انواع المأكولات، الفتيات بلباسهن الشعبي يحملن الورد، بانتظار اللحظة التاريخية، وتشريف سعادة الوزير!
انه يوم الافتتاح الرسمي للمصنع، وصل الوزير الى المكان، فتح له الباب، نزل، تجاه الى المنصة حاملا اوراقه، لبس نظارته، وبدأ بقراءة خطابه التاريخي:

بسم الله نفتتح (تصفيق) مصنعنا وهو مصنعكم (تصفيق) انه المصنع الذي (تصفيق) سيشكل نقلة نوعية في هذا البلد (تصفيق) من مرحلة الجمع والالتقاط الى (تصفيق) الصناعة (تصفيق) لنثبت للعالم ان (تصفيق) ارواحنا فداء للوطن (تصفيق) وشكرا (تصفيق)!

كانت خطبة عظيمة، ولكن المشكلة كانت في الجماهير التي لا تعرف اين يجب ان تصفق بالضبط! انهى خطبته، اتجه الى الشريط التقليدي، قص الشريط بالمقص الذهبي وهو يبتسم للفلاشات التي سرقت لحظة ابتسامته، لنشرها غدا في الصحف!

مدير المصنع، قبل وصول الوزير اعطى اوامره للعمال «الوزير قادم وعليكم بتمثيل دور العمال، لا احد ينظر للوزير، اشغلوا انفسكم» وبالفعل الوزير تجول في المصنع بمرافقة المدير والصحافة، وشاهد الوزير عاملاً يسجل الارقام في العدادات وعاملاً آخر يحمل بيده ملفا ويطلع عاملاً اخر على ما هو مكتوب وعاملاً ثالث يلوح بيده لصديقه وكأنه يأمره بعمل ما، وعاملاً رابعاً يتحدث بانفعال مع عامل اخر كنوع من الحرص على العمل… الكل ابدع في القيام بدور العمال المجتهدين في العمل!

بعد جولته استوقفته الصحافة للرد على الاسئلة، واجاب الوزير باقتضاب:

– نعم هذا المصنع لانتاج المحارم الورقية اي بلغتنا مصنع للكلينكس!
– نعم المصنع نقلة نوعية، قد ننتقل بعدها لصناعة الصواريخ، او على الاقل صناعة محارم الورق لرواد الفضاء!
– نعم ولا شك، هناك خطط اخرى كمصنع «البفك والشبس»، ومصنع «للطشوت والاباريج»، وكلها ضمن خططنا المستقبلية!
– نعم، للمصنع اهمية استراتيجية على المدى المنظور واللامنظور!

– نعم، بخلاف ان المكائن اجنبية، والمواد الاولية اجنبية، وعيّنا تسعة خبراء اجانب، الا ان الايدي العاملة المحلية هي التي تنتج الكلينكس، وفي النهاية المصنع لخدمة انف المواطن!
انتهى الوزير من جولته، ركب سيارته، وبعد لحظات اتصل بمدير المصنع، وهو بالصدفة ابن عمه، وسأله عن مستقبل المصنع، ورد عليه «لا تهتم، بعد شهرين ستحترق احدى المكائن صدفة، وسيتهم الفرّاش، وسنعلن عن خسارة المصنع وعدم انتاجيته بسبب الظروف الدولية، ثم نخصخصها، ونعرضها للبيع، ونشتريها من الدولة، بالاقساط المريحة…»!

وبغضب رد الوزير: «اتق الله، شهرين كثير، خلها أسبوعين!».

السابق
السقوط المدوي ..
التالي
الراي: حزب الله.. الافتراء يقوّض الاستقرار