مورغان غوفين تكتب حياة بيروت التي تشبهها

ولدت مورغان غوفين في فرنسا، إلا أنها أتمّت دراستها كلّها في الخارج. جاءت إلى لبنان للمرة الأولى بعمر 15 سنة، حيث أمضت 4 سنوات على التوالي، تلقّت خلالها دراستها الثانوية. عادت إلى فرنسا، وتخصصت بالفلسفة في كلية الآداب في نيس، حيث تلقت دروسا بالتمثيل والإخراج في معهد الموسيقى العالي أيضا.

في عمر الرابعة والعشرين، مورغان غوفين هي اليوم كاتبة، ممثلة ومخرجة، و"مشروع فيلسوفة". فرنسيّة الأصل لبنانيّة الهوى، تذهب إلى حيث لم يتجرأ اللبنانيون أنفسهم على الذهاب: "قصدت تلك الأماكن التي يهرب منها اللبنانيون عادة، وأنا لا ألومهم البتة. لأنني كنت غريبة، لست لبنانية. أتذكر وأذكّر الناس بما أشاء وأتغاضى عن أشياء أخرى، كما يحلو لي. لطالما كنت حرّة في لبنان".

العاشقة دومًا

"لأني منبثقة من الحب، أحيا كي أعيد الحب للحب. يحقّ لي المطالبة بما يحثّني على تحقيق قدري". ما لبثت أن طالبت بحقها هذا، حتى جاء بها القدر عينه إلى بيروت التي تطلق عليها لقب "مدينة الحب". بين عاصمة النور باريس ومدينة الحب بيروت، تتأرجح مورغان منذ أكثر من سنتين. "عشت لبنان في طلعاته ونزلاته، في السلم والحرب. حلمت وعشقت وأحسست.. ترك بيّ أثرا عميقا هذا البلد، هذا الوطن". اكتشفت نزعتها الفنيّة باكرًا. تحويل الأشياء، جعلها أكثر جمالية، وهب الكلمة إلى الآخرين، تشريع أبواب قلوبهم للحياة، وقلبها هي قبل كل شيء. فكان لبنان إقليمها، أرضها التي تزرع فيها الأحلام لتحصد الخيبات، فالمزيد من الفن. تزرع فيها الجمال، لتحصد الآمال، فالمزيد من الفن.. "أحبّ الفن. أو بالأحرى، الفنّ يحبّني. لا يهمّ، على الأقل، أنا والفن نحبّ أن نرقص معا".

مدينة الحب

"من الأفضل ألاّ نسعى دومًا إلى التفسير أو الاستيعاب، فبعض الأمور جميلة في غموضها. كقلبي الذي يخفق ما أن أسمع أحدا يتكلم العربية، أو عندما ألمح طيران الشرق الأوسط في السماء..". يحدث لها أن تكره لبنان، بسبب الأحداث التي يشهدها، الناس، الطاقة الهائلة التي يختزنها. بإمكانه أن يخنقنها بسهولة. لكنها سرعان ما تسامحه لتدرك إلى أي حدّ يلهمها ويسحرها.
أمّا بينها وبين بيروت، مدينة الحب، فعلاقة انصهار وشغف شديد. كلتاهما تعشقان الحياة، وتقعان في الحب بسرعة البرق، وغالبا ما تتألمان لهذا السبب، إلا أنهما سرعان ما تقفان مجددًا. هي البدايات التي تلهمها. في حين أن معظم اللبنانيين سئموا البدء من جديد، لا تسأم مورغان. فهي تؤمن بالسعادة وبالجمال على حد سواء، إلاّ أن أيا منهما لا يدوم أبدًا، ولذلك الحياة ليست سوى بدايات متكررة متواترة. لحظات النعمة هذه، بحسب مورغان، تولد بعد المحاولة، والتكرار، والبحث، والفشل، والبدء مجددا، وهكذا دواليك.
"هو الإبداع. بيروت مدينة مغتصبة تحاول الشفاء رويدا رويدا، ولكنها عرفت بدايات لا تعد ولا تحصى، بدايات عظمى. هذا هو الإبداع. كل شيء يعود ممكنًا من جديد، في كل بداية".

"HAYETE"

"لبناني أنا هو ملك للشعب اللبناني. ما أن افهمه حتى أقدّمه للجمهور كمرآة، لكي يحبّوا بعضهم البعض ويحبّوا أنفسهم أولاً. ثم مرة أخرى، افقد كل فهم ومعرفة وأدعه يغزوني من جديد. لبناني أنا حب، وأمل، وشعر وحقيقة وطموح". أسمته "HAYETE"، حياتها وحياة وطن وشعب، وحياة كل من وجد نفسه بين حوارات المسرح أولا، وأسطر الكتاب ثانيا. فبعد كل ما خلق هذا الانصهار مع بيروت في نفسها من مشاعر وأحاسيس وشغف وقلق وتساؤلات، كتبت مورغان غوفين عن لبنان وعن الإشكالية التي يطرحها بلد مثله. جاء عملها المسرحي ليجسّد الإشكالية هذه: لبنان، والحرب والحب الذي لا يموت، والأمل واليأس والعودة والرجوع. على خشبة مسرح في قلب العاصمة الذي يشبه قلبها، قدمت عملا مسرحيا من إخراجها. شاركت في التمثيل مع ممثلين لبنانيين، ثم تحوّل العمل إلى "حياتي"، المسرحية التي صدرت عن دار لبنانية أيضا.
أما اليوم، فتعود مورغان إلى لبنان بمشروع فيلم وثائقي عن جوهر الفن على اختلاف أنواعه، تحاور فيه كل من تتلمس في روحه بعضا من الروعة والجنون الجميل، يعرض في بيروت للمرة الأولى في مطلع السنة المقبلة.
لبنان لن يتوقف يوما عن مناشدة عواطفها، لقد تأصل فيها، لا مجال للعودة إلى الوراء بعد اليوم. فتحت مورغان غوفين الجرح إلى ما لا نهاية، من دون أن تقدّم دواء يذكر، وقالت: "دعني أكون ندبة حياتك

السابق
الراسي: لم نشعر بأي جدية بالتعاطي مع حادثة اطلاق نار خلال افطار بعكار
التالي
البزري: القرار الاتهامي كان متوقعاً ولا قيمة له على المستوى الشعبي