حرج كفرتبنيت المدمر بالحرب يتحول حديقة عامة خضراء

لم تتأخر بلدية كفرتبنيت كثيراً عن قيامها بمبادرة جمالية وبيئية أعادت لحرج كفرتبنيت جزءاً من رونقه الطبيعي البهيج، الذي فقده إبان رزوحه تحت الاحتلال الإسرائيلي أكثر من عقدين من الزمن. سنين الاحتلال كانت كافية للقضاء على أكثر من نصف أشجاره، جراء تعرضه للقصف والحرق والتحطيب والتفحيم على أيدي عناصر الاحتلال وعملائه. أنشأت البلدية حديقة عامة في الطرف الشمالي منه أطلقت عليها إسم «حديقة بوابة التحرير»، لوقوعها على خط التماس بين ما كان يعرف بالشريط الحدودي المحتل والأراضي المحررة، وعلى بعد عشرات الأمتار من معبر كفرتبنيت الذي كان يفصل بين المنطقتين.
باتت الحديقة متنفساً للكثيرين من أهالي البلدة والعابرين على طريق عام مرجعيون ـ النبطية، للتنزه والترويح عن أنفسهم والتمتع بالطبيعة الساحرة، والتفيؤ في ظلال أشجارها الوارفة، وقد زرع جزء منها بالورود وجهزت بالمقاعد والطــرق الخرســانية وزودت بشبكتي المياه والكهرباء والمرافق الصحية، وأنشأت فيها كافيتيريا لتلبية طلبات الزائرين، وذلك بإشراف موظفين اثنين من أبناء البلدة يسهران على رعايتها ونظافتها بشكل يومي.

البلدية المنقذة

بلغت تكاليف هذه الحديقة 20 مليون ليرة قدمها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ورئيس بلدية كفرتبنيت أدهم طباجة، الذي اعتبر أن البلدية تكون من خلال هذا المشروع قد أعادت للحرج بعض حقه بعد أن كان حتى قبيل العام 1977 يعد واحداً من أجمل الغابات في الجنوب، بغابته المترامية الأطراف على مساحة عشرات الدونمات من الأراضي الصخرية، والتي كانت تحتوي على مئات الأشجار الباسقة من أنواع السرو والشربين والصفصاف والكينا واللوز والصنوبر البري والبلدي، ولموقعه المميز على جانبي طريق عام مرجعيون ـ النبطية، الذي يخترقه في وسطه والمطل على مساحات واسعة من مناطق قضائي جزين ومرجعيون ومجرى نهر الليطاني.
ويشير طباجة إلى تحول هذا الحرج بفعل الحروب الإسرائيلية التي عصفت في الجنوب منذ العام 1977 وحتى العام 2000 إلى خط للتماس بين المناطق المحررة وما كان يعرف بالشريط الحدودي المحتل، حيث تعرض لمجزرة بيئية وطبيعية كبيرة طاولت شجره وحجره، وتسببت في القضاء على أكثر من نصف ثروته الحرجية، التي احترقت بفعل القصف المدفعي، الأمر الذي أدى إلى انحصار غابته الخضراء في مساحة لم يتبقَ فيها سوى مئات الأشجار المثخنة بجراح الحرب، ليوشك معلم جديد من معالم الطبيعة الجميلة في الجنوب على الزوال. هذا الواقع جعل البلدية تبادر لإنقاذ ما تبقى منه من خلال إنشائها الحديقة المذكورة.

من عهد الرئيس رشيد كرامي

وكان حرج كفرتبنيت قد زُرع في بداية الستينيات برعاية رئيس الحكومة آنذاك رشيد كرامي، الذي حضر شخصياً بطائرة مروحية إلى مكان الحرج، يرافقه وزير الداخلية بيار الجميل ووزير الزراعة محمد صفي الدين وزرع أول غرسة فيه، وشارك في زراعة الحرج مئات الطلاب والكشافة من أبناء بلدة كفرتبنيت والمنطقة، كما يقول حسن شرف الدين الذي أشرف على العناية بالحرج بعد زراعته بأمر من رئيس مصلحة الزراعة في الجنوب آنذاك المهندس عدنان الزين بعد أن عينه ناطوراً له. فكان أن أنجز الأخير هذه المهمة على أكمل وجه بحسب قوله، وعمل على رعاية الشجيرات وسقايتها والسهر على العناية بها وحمايتها والمحافظة عليها من عبث العابثين، حتى أصبحت غابة خضراء جميلة باتت متعة للناظرين.
وبعد نقل شرف الدين إلى وزارة الأشغال العامة، عُهد برعاية الحرج للمواطن نعيم درويش برّو الذي استمر ناطوراً عليه حتى بداية الحرب في المنطقة بعيد منتصف السبعينيات، قبل أن يتحول إلى خط للتماس ويترك لمواجهة مصيره ثلاثاً وعشرين سنة بالتمام والكمال قبل استعادته لجزء من رونقه الأخضر الجميل بفـضل مبادرة البلدية الــتي أعادت الحياة إليه.

السابق
عادات الأعراس حول العالم
التالي
الراسي: لم نشعر بأي جدية بالتعاطي مع حادثة اطلاق نار خلال افطار بعكار