ثقة واطمئنان

في تقويم أولي للحوار الذي أجراه الرئيس بشار الأسد مع التلفزيون العربي السوري، لا بد من التوقف أولاً عند الشكل وباعتراف شريحة كبيرة من المراقبين والمحللين السياسيين وهو أن الرئيس الأسد كان يتحدث بثقة مطلقة وباطمئنان واضح عن مستقبل زاهر ينتظر سورية وشعبها. وكان واثقاً إلى درجة غلبت فيها الشفافية والصراحة على كل ما عداها ويتعامل مع الأزمة بكل جدية وصراحة أمام حزمة الإصلاحات ووضع جدول زمني واضح ومحدد خصوصاً في ما يتعلق بإجراء الانتخابات التشريعية في شباط من العام 2012، وقبلها الإنتخابات المحلية.

وترى مصادر سياسية لبنانية، إن ما تناوله الرئيس الأسد بخصوص ملف الإصلاحات التي بدأها ووضع بعضها حيّز التنفيذ وهي باتت معروفة، قانون الأحزاب، قانون الانتخابات وقانون الإعلام الذي سيصدر قبل نهاية الأسبوع الحالي، وحيث سبق كل ذلك رفع حالة الطوارئ وإلغاء محاكم أمن الدولة، هذه الإصلاحات التي ستتوج في إعادة تقويم ودراسة للمادة الثامنة من الدستور ومواد أخرى مرتبطة بها ولكن في الوقت المناسب وهي ما زالت حتى الآن موضع نقاش وحوار جدي على مستوى القيادة بهذه الإصلاحات وقوانينها رد الرئيس الأسد على المطالبين بالإصلاح في الداخل والخارج مع العلم أن ذلك لم يأتِ نتيجة مطالب وضغوطات خارجية ولكن بناء على قناعة من القيادة بشخص الرئيس الأسد، ومن هنا يمكن القول إن الرئيس الأسد فوّت فرصة كبيرة على رافعي شعار الإصلاح الذي يستخدم كلافتة زائفة يراد من ورائها تحقيق أمور أخرى وأهداف سياسية كبرى على علاقة بموقع سورية وقرارها الحر المستقل في ملفات أصبحت واضحة وفي مقدمتها دعم سورية لحركات المقاومة في كل من لبنان وفلسطين والعراق ووقوفها في وجه المشروع الأميركي ـ الصهيوني الذي يطمح ويخطط لعملية سلام مزيفة بعيدة عن العدالة وإحقاق الحق لأصحابه في فلسطين وعودة الجولان العربي السوري إلى سورية وتحرير ما تبقى من مزارع شبعا في لبنان.

وتضيف المصادر السياسية اللبنانية، إن الرسائل الخارجية التي بعث بها الرئيس الأسد في الحوار هي إدراكه أن ما يطالب به الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية ليس إصلاحات ولا حريات ولا حقوق إنسان، بل الهدف، قبول التنازل عن خيار المقاومة والممانعة، فالذين يوجهون الانتقاد إلى سورية بأنها لم تحارب "إسرائيل"، كان جوابها البديهي لهم، ومن منطلق مفهوم المقاومة، بأن الذي يساعد على أن تنتصر المقاومة في لبنان ويحمي قادة المقاومة الفلسطينية في دمشق ويدعم المقاومة في العراق، كل هذه المقاومات انتصرت بفضل دعم سورية لها في كل المجالات، فماذا يقول عن سورية في هذه المحطات التي كانت هي الداعم الأساسي لها. لذلك فإن المطلوب من سورية كما قال الرئيس الأسد التنازل عن خيار المقاومة والتنازل عن الثوابت والحقوق.

وعن كلام الرئيس الأسد حول علاقة سورية بدول الغرب، ترى المصادر السياسية أنه كان تأكيد على موقف سورية السابق وعلى مدى عقود من الزمن، فلو قدمت سورية لهم كل ما يرمون إليه فإن لافتات الحرية والإصلاح ستبقى مرفوعة في وجه القيادة لأن هذه اللافتات هي وسيلة بالنسبة إليهم لتحقيق مطالب أخرى أكثر أهمية وأكثر خطورة على المستويين الوطني والقومي. ولذلك المطلوب عدم الإنجرار إلى ما يسعى إليه الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية وهذه مسؤولية الشعب السوري ولذلك قال الرئيس الأسد طالما أن الشعب السوري موحّد فلا القرارات الدولية ولا مجلس الأمن يعنينا لأن المطلوب من وجهة نظر الدول الاستعمارية هو تحويل سورية إلى عراق وتفكيك الوطن والشعب السوري مدرك لهذا الأمر، وبهذا المعنى فإن المؤامرة تقترب من نهايتها والخروج من الأزمة بات قريباً إذ كلما اقتربت سورية من الأمن والاستقرار اشتد الضغط عليها سياسياً وإعلامياً أكان من خلال مجلس الأمن الدولي والمؤسسات الدولية التابعة له أو عبر بعض الدول الأوروبية والعربية.

فالموازين الاستراتيجية في العالم يعرفها الرئيس الأسد بكل تفاصيلها، وهو لذلك سلط الضوء على موقع سورية في المنطقة وطمأن الشعب السوري على مستقبل سورية وبأن أي مغامرة عسكرية غير محسوبة من قبل الغرب أو غيره ستكون نتائجها أكبر من طاقة الغرب على تحملها مع الدول التي تسير في فلكه. فهذه الدول تعمل لمصلحة "إسرائيل" ولمصالحها هي، وهناك مخططات لركوب الرغبات الشعبية وهي تستهدف أمرين: أولاً النفط حيث يوجد، والثاني كسر عمود الخيمة المقاومة خدمة "لإسرائيل" والأدوات، ويعمل لتحقيق كل ذلك بعض الأوروبيين والعرب، ولذلك نحن أمام مواجهة لهذه الحملة بصورة صريحة تقودها سورية وقوى المقاومة في المنطقة.

السابق
احتفال تأبيني في بلدة زوطر الغربية
التالي
دعوة إلى التضامن مع مزارعي الأزهار