السفير: معـركة طرابلس لم تُحسـم … ومخاوف من الفلتـان الأمنـي الغرب يتجاهل تحفظات للمعارضة ويمدّد وصايته على ليبيا

سارعت العواصم الغربية أمس، إلى إعلان نهاية «حقبة معمر القذافي» في ليبيا للبدء في مرحلة جني مكاسب ما بعدها، عبر تمديد متوقع لمهمة حلف شمال الأطلسي، وتدخل معلن في تحديد مسار البلاد، وتقاسم لقنوات الاستفادة من الموارد النفطية. لكن، رغم إعلان الثوار سيطرتهم على العاصمة طرابلس، بقيت المدينة تحت ظلال القلق مع استمرار الغموض حول مصير القذافي، وتواصل المواجهات المسلحة مع مناصريه خارج المدينة وداخلها، حيث بلغت الأوضاع الانسانية مستويات متردية.

ولم تكن 24 ساعة قد مضت على دخول الثوار إلى طرابلس، حتى بدأ الحلف الأطلسي يتحدث عن تمديد مهمته في ليبيا. لكن أصواتا عديدة ارتفعت من بين صفوف المعارضة مؤكدة رفضها لهذا التمديد ومعارضتها لإقامة أية قواعد عسكرية أطلسية في البلاد. كما سارعت الدول الاوروبية الكبرى إلى الدعوة لاجتماع مجموعة الاتصال حول ليبيا الأسبوع المقبل، يمهد الطريق لـ«دور مستقبلي» للغرب في البلاد، الذي صرّح به المسؤولون الأوروبيون والأميركيون.

الناتو والدور الغربي
وقال مسؤول في الـ«ناتو» لوكالة «رويترز» إن «الحلف قد أعلن مرارا أنه ملتزم برؤية الأمور تتقدم. ليس هناك ما يدفع للاعتقاد بأننا لن نمدد مهمتنا»، فيما قال الأمين العام للحلف اندرس فوغ راسموسن ان «حلف شمال الأطلسي على استعداد للعمل مع الشعب الليبي ومع المجلس الوطني الانتقالي الذي يتحمل مسؤولية كبيرة». وأضاف «عليهم ضمان أن يحصل انتقال السلطة انتقالا هادئا وشاملا وأن تبقى البلاد موحدة وأن يبنى المستقبل على المصالحة واحترام حقوق الإنسان». وتابع راسموسن قائلا «الوقت حان الآن لإقامة ليبيا جديدة، دولة قائمة على الحرية لا الخوف، على الديموقراطية لا الديكتاتورية، على إرادة الجميع لا على نزوات البعض».
لكن القائم بالاعمال الليبي في لندن محمود الناكوع الذي يؤيد المعارضة قال انه ينبغي لحلف شمال الاطلسي ان يوقف غاراته الجوية في ليبيا بعد ان دخلت قوات المعارضة قلب طرابلس. وقال الناكوع للصحافيين ان حلف الاطلسي أدى دورا جيدا جدا بإسكاته آلة الحرب الخاصة بالقذافي. لكنه عبر عن اعتقاده بأن دوره سينتهي وسيعيد الليبيون بناء بلادهم على نحو مستقل. ورد الناكوع بالايجاب على سؤال بشأن ما اذا كان يدعو حلف الاطلسي لوقف حملته العسكرية مضيفا انه لم يعد هناك من خطر من القذافي ولا من آلياته الثقيلة ضد قوات المعارضة.
وشكر ممثل المجلس الانتقالي الليبي في مصر حلف شمال الاطلسي على دعمه غير انه قال ان «ليبيا لن تسمح بعد الثورة بوجود قواعد لحلف الاطلسي». وأضاف عبد المنعم الهوني في تصريح لوكالة أنباء الشرق الاوسط المصرية «نشكر الاطلسي على ما قام به لأن مساعدته قللت الفاتورة البشرية». وتابع الهوني، الذي كان يشغل موقع المندوب الدائم لليبيا لدى الجامعة العربية قبل أن ينشق عن القذافي «ليبيا دولة عربية إسلامية قبل حلف الاطلسي وبعده وهي جزء من أمتها العربية الإسلامية وعضو فاعل فيها».
من جهته، قال الرئيس الأميركي باراك اوباما إنه «رغم وضوح أن عهد القذافي انتهى، إلا أن الفرصة تبقى متاحة للحد من إراقة الدماء عبر التنازل عن السلطة للشعب الليبي ودعوة القوى التي ما زالت تقاتل لإلقاء سلاحها». وشدد اوباما على أن «الأمر لم ينته بعد». وفيما «تعهد» اوباما بأن أميركا ستكون «صديقا وشريكا لمساعدة ليبيا على الانتقال إلى الديموقراطية في مرحلة ما بعد القذافي»، قال الرئيس الأميركي إن «العدالة الحقيقية لن تأتي من الانتقام والعنف. بل تأتي من المصالحة، ومن بلد يسمح لمواطنيه بتحديد مصيرهم بأنفسهم».
ورغم عدم تحديده تفاصيل «المساعدات» التي ستقدمها أميركا لليبيا، قال اوباما إن «الأولوية ستكون للمساعدات الإنسانية للمصابين». وقال إن الانخراط الأميركي سيستمر كجزء من الجهد الدولي مشيدا بدور الناتو بقوله «قد أثبت الناتو مرة أخرى أنه أكثر التحالفات قدرة في العالم، وقوته تأتي من سلاحه ومن قوة مثلنا الديموقراطية».
وعن دور عسكري محتمل لأميركا، قال المتحدث باسم البنتاغون ديف لابان «اذا كان من المفترض وجود مهمة انتقالية بشكل ما تشمل أي نوع من القوات الاجنبية فلن تكون هناك قوات برية أميركية ضمن ذلك». ورفض لابان فكرة ان ظروف المعركة داخل طرابلس أصبحت أكثر تعقيدا بدرجة لا تستطيع معها عمليات الاستطلاع الجوي التمييز بين المعارضين وقوات القذافي، ما من شأنه ان يعقد الدعم الجوي لحلف الاطلسي. وقال لابان «لا تزال لدينا صورة جيدة جدا لمكان وجود القوات في ساحة المعركة».
وقالت وزارة الخارجية الاميركية ان الوزيرة هيلاري كلينتون وأعضاء الائتلاف الدولي المعني بليبيا اتفقوا على عقد اجتماع لدبلوماسيين كبار يمثلون دولهم في اسطنبول لمناقشة الخطوات التالية بالنسبة الى ليبيا. وقالت المتحدثة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند ان كلينتون تحدثت هاتفيا مع أعضاء «مجموعة الاتصال» بشأن ليبيا التي تضم دولا أوروبية وعربية وعبرت عن تأييدها القوي للمجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي يخطط مسارا لانتقال ديموقراطي في ليبيا. وقالت نولاند «الخطة هي أن يجتمع المديرون السياسيون يوم الخميس (المقبل)»، مضيفة ان اجتماع اسطنبول سيسمح للائتلاف الدولي بمناقشة أشكال المساعدة التي يمكن تقديمها للمعارضة الليبية. وتابعت «هذا ينبغي أن يكون وسيكون عملية انتقالية يقودها الليبيون».
ويتوجه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى ليبيا اليوم، ونقل التلفزيون التركي الرسمي (تي.ار.تي) عنه قوله إن «ما يحدث في ليبيا درس لزعماء المنطقة. وهو يظهر ان الزعماء الذين لا يصغون الى شعوبهم لا يمكنهم البقاء في السلطة».
أما رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي أجرى اتصالات مع أمير قطر ومع قيادة المجلس الانتقالي الليبي، فقال: «نظامه (القذافي) ينهار ويتقهقر بالكامل». وتابع «على القذافي ان يكف عن القتال ويستسلم دون شروط ويظهر جليا تخليه بالكامل عن أية آمال في السيطرة على ليبيا». غير ان كاميرون حذر من التهاون إزاء الوضع في ليبيا والذي وصفه بأنه غير مستقر حيث ما زال القتال مستمراً بين المتمردين وعناصر موالية للقذافي في أجزاء من طرابلس. وتابع قائلا «من الواضح ان الاولوية الآن هي لإرساء الاستقرار في طرابلس». وتحدث كاميرون عن الدور المستقبلي لبريطانيا فوصفه بـ«دعم إرادة الشعب الليبي الساعي لانتقال فاعل للحرية والديموقراطية والتعددية في ليبيا». وقال «ستكون هذه عملية من الليبيين وإليهم بدعم دولي واسع وتنسيق من الامم المتحدة، وفي تلك الاثناء سأواصل الاتصال عن كثب مع الشركاء من حلف الاطلسي والجامعة العربية وعبد الجليل رئيس المجلس».
وقال وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه إن فرنسا تسعى لاستضافة اجتماع للشركاء الدوليين الأسبوع المقبل لبحث خريطة طريق لمستقبل ليبيا. وقال جوبيه في مؤتمر صحافي «انتهى الامر، لذلك يجب أن يتوقف القتال لإنقاذ الأرواح. ندعو مجددا لوقف إطلاق النار.. لا مخرج أمام النظام». وأضاف جوبيه «هذا مبعث ارتياح كبير. فرنسا غامرت من أجل قضية عادلة». وتحدث الرئيس نيكولا ساركوزي مع رئيس اللجنة التنفيذية للمجلس الوطني الانتقالي محمود جبريل ودعاه لزيارة باريس غدا الاربعاء. وقال وزير الخارجية الفرنسي «نقترح اجتماعا غير عادي لمجموعة الاتصال على أعلى مستوى في الأسبوع المقبل لوضع خطة عمل مع السلطات الليبية». وأوضح مساعد له في ما بعد أن الاجتماع قد يعقد في باريس.
وأكد جوبيه في المؤتمر الصحافي أن «المجلس الانتقالي سيحتاج الى المجتمع الدولي ليرافقه ويساعده ونحن مصممون على البقاء الى جواره». وصرح وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه «آمل حقا ان يتوقف الآن الجانب العسكري وان يحل محله البعد السياسي. في ما يتعلق بالجيش لقد أنجزنا مهمتنا وهي حماية المدنيين».
وقال مسؤول في إدارة أوباما إن الولايات المتحدة ستواصل تجميد مليارات الدولارات من أموال الحكومة الليبية في الوقت الحالي لكن وزارة الخزانة تبحث كيفية تقديم مساعدة مالية للمعارضة الليبية، فيما قالت المفوضية الأوروبية إن الاتحاد الأوروبي سيبقي على العقوبات المفروضة على الحكومة الليبية في الوقت الحالي ولكنه مستعد لرفعها سريعا عندما يحين الوقت المناسب.
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون في إفادة صحافية «في الوقت الحالي… ستظل العقوبات سارية ولكن بإمكاننا رفعها سريعا». وهناك نحو 50 مؤسسة ليبية عرضة للعقوبات الأوروبية وأكثر من 30 مسؤولا ليبيا يواجهون عقوبات مثل تجميد الأصول وحظر السفر.
وتصدرت شركة «إيني» النفطية الإيطالية سباق العودة إلى ليبيا. وسيفتح سقوط القذافي مجددا الأبواب أمام استغلال أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا. ومن المنتظر أن تتنافس شركات جديدة مثل قطر للبترول وفيتول للتجارة مع شركات أوروبية وأميركية كبرى لها أنشطة في ليبيا. وقال مدير شؤون الإعلام في شركة الخليج العربي للنفط الخاضعة لسيطرة المعارضة الليبية عبد الجليل معيوف «ليس لدينا مشكلة مع البلدان الغربية وشركات مثل الشركات الإيطالية والفرنسية والبريطانية. لكن ربما هناك بعض المشكلات السياسية مع روسيا والصين والبرازيل».
طرابلس والقذافي
وفيما تعيش العاصمة طرابلس أجواء متوترة (تفاصيل ص 14) حث رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل المقاتلين على احترام القانون وعدم اللجوء الى أعمال انتقامية عنيفة ضد أعضاء نظام معمر القذافي المنهار، مضيفا ان عدم الالتزام بالنظام بين المعارضين قد يدفعه الى الاستقالة. ووعد عبد الجليل بإجراء محاكمات عادلة لمعمر القذافي وأعضاء حكومته ودعا الى التسامح والعفو وحماية المدنيين والممتلكات العامة والخاصة.
وفي مؤتمر صحافي عقد في بنغازي قال عبد الجليل «أناشد جميع الليبيين ضبط النفس وعدم التعرض لأرواح أو أموال أو ممتلكات الآخرين من الليبيين أو الاجانب أو اللجوء الى انتزاع الحق خارج إطار القانون». وقال ان «حقبة القذافي انتهت رغم ان النصر النهائي سيتحقق فقط بعد القبض على الرجل الذي حكم ليبيا بقسوة على مدى 42 عاما».
وأضاف عبد الجليل «اننا على أبواب مرحلة جديدة نسعى خلالها لبناء دولة على المبادئ نفسها التي التزمنا بها وهي الحرية والديموقراطية والمساواة والشفافية في إطار إسلامي معتدل». وحذر من انه ستكون هناك مشاكل في المستقبل. وقال «الآن أقول بكل شفافية ان حقبة القذافي بكل مساوئها قد انتهت، وعلى الشعب الليبي ان يدرك ان المرحلة المقبلة لن تكون مفروشة بالورود» وانهم يواجهون العديد من التحديات والمسؤوليات.
وقال عبد الجليل «لا نستطيع ان نقول ان الثوار سيطروا على كامل طرابلس. لا يزال باب العزيزية والمناطق المحيطة به خارج السيطرة ومن ثم لا علم لنا بوجود معمر القذافي هل هو داخل ليبيا أم خارجها». وتابع قائلا «نحن نتمنى ان يتم القبض عليه (معمر القذافي) حيا حتى تتاح له محاكمة عادلة يكون العالم شاهدا على أكبر دكتاتور .. أكبر طاغية.. في العالم». وأضاف عبد الجليل «سنوفر له محاكمة عادلة» لكنه لا يعرف كيف سيدافع القذافي عن نفسه في مواجهة جرائمه. ويبقى مكان وجود القذافي مجهولا، وقال المتحدث باسم البنتاغون الكولونيل لابان إنه ما زال في ليبيا. ونفت وزارة خارجية جنوب أفريقيا أن يكون القذافي قد طلب اللجوء للبلاد، فيما أكدت أن عهده الذي استمر 42 عاما في حكم ليبيا أوشك على الانتهاء.
واستمرت المعارك أمس في مناطق مختلفة من طرابلس بين الثوار وفلول قوات القذافي، لكن الحدث العسكري الأبرز كان ما أعلنه مصدر أميركي عن أن قوات القذافي أطلقت ٣ صواريخ يعتقد انها من نوع سكود من منطقة قريبة من مدينة سرت مسقط رأس القذافي، والتي يزال مصيرها غامضا مع انهيار نظامه. وأكد متحدث عسكري باسم الثوار من بنغازي (شرق) ان كتائب القذافي أخلت خط الجبهة في البريقة شرقي ليبيا وهربت في اتجاه الغرب نحو مدينة سرت. واشتبكت قوات القذافي في قتال عنيف مع المعارضين في ابو كماش على مسافة 17 كيلومترا من الحدود التونسية. وقصفت قوات القذافي المعارضين لمنعهم من الوصول الى معبر رأس جدير الحدودي.

السابق
الاستطلاع الجوي الأميركي رجّح كفة الثوار
التالي
الراي: إسرائيل تقرر عدم شن عملية برية على غزة وباراك يهدد بـقطع رأس من يطلق الصواريخ