السفير: طرابلس بين فرح الثورة والمخاوف الأمنية: مواجهات مسـتمرة ووضـع إنسـاني مقلق

شهدت العاصمة الليبية طرابلس أمس، يوما قلقا رغم الفرحة بدخول الثوار إلى المدينة والانهيار البادي لنظام معمر القذافي. وفي ظل سيطرة المعارضة على الجزء الأكبر من المدينة، تبقى منطقة باب العزيزية الاستثناء الأبرز لهذه السيطرة. لكن الوضع الإنساني في المدينة يبدو مقلقا مع سقوط اعداد كبيرة من القتلى والجرحى، واستمرار المخاوف الامنية في هذه المدينة التي تعدّ اكثر من مليون ساكن، والتي بدأت على ما يبدو تشهد أعمال نهب وسلب.

وخلت شوارع العاصمة التي تحمل اثار المعارك بينما اشرقت الشمس على حلم الليبيين بفجر جديد لبلادهم بعد يوم من تقدم مفاجئ للثوار باتجاه العاصمة للتخلص من القذافي الذي ما زال باقيا على تحديه. غير ان نقاط التفتيش التي ينصبها المتمردون تبقى قليلة ما يشير الى عدم سيطرتهم الكاملة بعد على المدينة وانتظارهم لوصول الاف اخرين من الثوار من المناطق المحررة بالفعل من البلاد. وانتشرت العبارات المعادية للقذافي والمؤيدة للثورة على الجدران الاسمنتية للمدينة مطالبة بالحرية لليبيا ونهاية زعيم يعتبره اغلب الناس مختلا عقليا.

وساد تخبط حول ما اذا كان من الافضل التنقل سريعا على الشوارع الرئيسية مع احتمال التعرض لنيران القناصة من على اسطح البنايات العالية ام الانتقال بين الطرقات الضيقة والشوارع الجانبية والتعرض لمخاطر غير معروفة.
وفي منطقة قرجي بالمدينة على مقربة من مقر اقامة محمد، احد ابناء القذافي الذي اعتقله المتمردون الاحد، اعرب السكان عن ترحيبهم بالثوار الذين توافدوا على منطقتهم. وقال سعد الزايدي احد سكان المنطقة وقد عاد لتوه من احتفالات عمت وسط المدينة «الثوار من الجبل ومن الزاوية في ساحة الشهداء الان (الساحة الخضراء سابقا) وفي الشوارع المجاورة لها». وتابع «غير ان القناصة الافارقة من تشاد ما زالوا في البلدة القديمة واحيانا يسمع دوي قذائف الهاون ولا نعرف من اين تنطلق». ويأمل سكان قرجي مثل عبد الرحمن بن جامع الانضمام الى صفوف المقاتلين. ويقول السكان انهم يعرفون المناطق التي تؤيد القذافي في العاصمة ومع ذلك لا يسعون الى الثأر. ويضيفون «نعرف تماما من معنا ومن مع القذافي، وهم قلة. طلبنا منهم ان يبقوا في منازلهم».

وسيطر الثوار الليبيون على مبنى التلفزيون الرسمي في طرابلس الذي توقف ارساله كما اكد متحدث عسكري باسم الثوار في بنغازي. وقال محمد زاوية «كل قنوات تلفزيون الدولة توقفت عن البث (في طرابلس). لقد دخل مقاتلونا هذه المباني وسيطروا عليها». واكد ان «مجموعات صغيرة من فلول القذافي تواصل القتال في المدينة الا ان طرابلس كلها تقريبا اصبحت في ايدينا. هذه المعارك ستنتهي قبل مساء اليوم ».

وأطلق الثوار الليبيون سراح 900 من السجناء في العاصمة الليبية طرابلس. وقالت وسائل إعلام مناهضة لنظام القذافي إن هؤلاء السجناء كانوا داخل سجن عين زاره الذي يقع في العاصمة. وأضافت التقارير الإعلامية أن معظم هؤلاء السجناء كانوا من المعارضين السياسيين لنظام القذافي.

وقال مسؤول من المعارضة الليبية إن كبار مسؤولي المعارضة تسللوا إلى طرابلس قبل ان يحتل المقاتلون أغلب مناطق العاصمة خلال مطلع الأسبوع وإنهم يعملون مع السلطات الموجودة لإرساء الأمن. وقال عضو المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي عبد الله قزيمة إن الأمن هو أهم شيء في الخطة. وأضاف أن أربعة أعضاء في المجلس الوطني الانتقالي توجهوا إلى طرابلس قبل أن يضيق مقاتلو المعارضة الخناق على العاصمة استعدادا لإسقاط الزعيم معمر القذافي. وأضاف قزيمة إنهم اتصلوا بالأشخاص المنتمين للجان المحلية وإن هناك اتصالا بين الطرفين.

وذكر قزيمة أن زعماء المعارضة لم يكونوا يرغبون في أن يتولى مقاتلو الجبهة الوضع الأمني في العاصمة وبلدات ومدن أخرى بل السلطات المدنية. ويقول مسؤولون في المعارضة إنه لن يكون هناك محو كامل للإدارة وقوات الأمن القديمة في ليبيا على خلاف ما حدث في العراق بعد سقوط صدام حسين. وقال سليمان الساحلي وهو عضو رفيع آخر في المجلس الوطني الانتقالي إنهم سيعملون معهم إلا من كان على صلة وثيقة بالقذافي لكنه قال إنه يعتقد أنهم رحلوا بالفعل. وقال المسؤولان إنهما يريدان الوصول إلى طرابلس في أسرع وقت ممكن وأبديا أملهما في الوصول الى هناك في الأيام القليلة المقبلة.

وتوقعت مصادر من ثوار ليبيا أن تسقط العاصمة بالكامل في أيديهم خلال الخمس عشرة ساعة المقبلة. وقال أحد الثوار من مسافة 500 متر من باب العزيزية إن المئات من الثوار من مناطق الجبل الغربي انضموا إلى ثوار العاصمة حاملين معهم الإمدادات.
وأوضح أنه شخصيا قادم من بلدة يفرن، وقال: «انضم لنا للتو أكثر من 300 شخص». وكان المئات من ثوار مدينة مصراتة الساحلية قد وصلوا أمس الأول إلى طرابلس عن طريق البحر.

من جانبها ذكرت قناة «ليبيا ـ الأحرار» أن أعدادا كبيرة جدا من الثوار يتواجدون في شارع الجمهورية في العاصمة، وأوضحت أن طيران التحالف الدولي يستعد لضرب مواقع في جنوب طرابلس (حيث باب العزيزية) ودعت الأهالي إلى التزام البيوت إلا للضرورة. ونقلت قناة «العربية» عن مفتاح أحمد عثمان أحد الثوار الليبيين أن معارك كر وفر شرسة تدور حول مقر إقامة القذافي في باب العزيزية. وأكد وجود قناصة تمركزوا فوق الأسطح والجسور لكن أغلبهم كان يلقي السلاح ويستسلم للمعارضة.

وقال أحد مسؤولي المعارضة إن قوات القذافي تنشر الدبابات قرب مجمع باب العزيزية مقر القذافي في وسط طرابلس وتقاوم هجمات المعارضة. وتابع في طرابلس «الوضع ليس مستقرا. هناك اطلاق نيران في كل مكان. قوات القذافي تستخدم الدبابات عند الميناء» وفي شارع قرب باب العزيزية. وأضاف «الثوار يتمركزون في كل مكان في طرابلس وبعضهم قرب باب العزيزية ولكن قوات القذافي تحاول المقاومة».

واعلن وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني لقناة «سكاي تي في» الاخبارية ان نظام القذافي لم يعد يسيطر «على اكثر من 10 الى 15 في المئة» من طرابلس. وقال فراتيني ردا على سؤال حول الوضع في العاصمة الليبية انه «يجري القضاء على بقايا المقاتلين المعادين (التابعين للقذافي) في المنطقة الحيوية حول المطار وجرى اعتقال عناصر النظام المارقة والذين سلم بعضهم انفسهم». وأضاف فراتيني «تشير الادلة الى ان اعتقال ابناء للقذافي كان عنصرا حاسما».

لكن منسق المنظمة الإنسانية «أطباء بلا حدود» في طرابلس جوناثان ويتول قال إن «الوضع في طرابلس متوتر جدا، وما يتعلق بالإمداد الطبي فإن الوضع مثير للقلق نسبيا… في الأيام الماضية كان هناك الكثير من تبادل إطلاق النار. والوضع الأمني لا يمكن التنبؤ به تماما». وذكر ويتول أنه لم يتمكن من مغادرة منزله وسط طرابلس منذ يومين، حيث يسمع دوي إطلاق النار، وقال: «سأكون سعيدا إذا علمت على الأقل ما إذا كانت المنطقة هنا في يد الحكومة أم الثوار».

وقال ويتول إنه زار المستشفيات في طرابلس قبل تصعيد حدة القتال فيها وتبين له نقصا كبيرا في المواد الطبية، وأضاف: «يمكننا أن نتوقع أن الوضع أسوأ الآن بوضوح، لأن المستشفيات كانت مكتظة بالجرحى الذين كانوا يأتون من خارج المدينة، والآن يعمل الأطباء والممرضات تحت ضغط كبير حيث يتوافد إلى المستشفى الكثير من مصابي المدينة». وذكر ويتول أن الكثير من الأطباء والممرضات فروا من المستشفيات قبل بدء المعركة في طرابلس، مشيرا إلى أنه كان من بينهم الكثير من الأجانب مثل الفلبينيين الذين رفضوا على ما يبدو العودة إلى طرابلس. وأعرب ويتول عن أمل المنظمة في قدوم أطباء ومواد طبية إلى العاصمة بسرعة «شريطة أن يكون الطريق آمنا إلى طرابلس»، وقال: «إننا نخطط حاليا لنقل مساعدينا عبر الطرق البرية أو البحرية إلى طرابلس».

وذكر ويتول أنه لم يتم التمكن حتى الآن من تقدير عدد الأشخاص المحتاجين إلى مساعدات عاجلة، موضحا أنه سيستطلع الأمر في المستشفيات بمجرد أن تسمح الأوضاع بذلك، وقال: «الآن يوجد هنا تبادل لإطلاق النار، لكنه يبدو أقل من أمس». وأفادت معلومات من طرابلس بسقوط أعداد كبيرة من القتلى بين صفوف الثوار، لكن مقاتلي المعارضة يتدفقون بتواصل على العاصمة الليبية من جهات عديدة.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية الحكومية عن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني قوله إن السفارة الجزائرية في طرابلس تعرضت «لسلسلة من الانتهاكات» من قبل مجموعة من الأشخاص استحوذوا خلالها على عدد من السيارات التابعة للسفارة.

السابق
أسامة سعد:ليكن قانون الانتخاب مدخلا للاصلاح السياسي
التالي
الحياة: القضاء استمع الى مراسل “تايم”.. المقابلة قررها محررو نيويورك