الحدّ من التدخين… لافتة في مقهى

لا يبدي عمال المقاهي وروّادها حماسةً للحديث عن قانون الحد من التدخين. معظمهم لا يثقون بإمكان تطبيقه، حتى المتفائلون منهم، استبعدوا فرضية حذف التدخين (وخصوصاً النارجيلة) من المشهد «البيروتي» المعاصر

يبدو السؤال عن قانون «الحدّ من التدخين» مضحكاً بالنسبة إلى المدّخنين. لا يأخذونه على محمل الجدّ، وإذا أجابوا فعن أمور شكلية توحي بأنهم متأكدون من أن القانون لن يطبّق. عملياً المعنيون يعرفون جيداً أن القانون أقر تحت مسمى: «الحد من التدخين وتنظيم صنع وتغليف ودعاية منتجات التبغ». الاسم بمقتضى الوضوح لن يمنع التدخين (نهائياً) في الأماكن العامة. سيحدث ذلك في الأماكن «المغلقة» حصراً. وهذا يعني، أن المقاهي والمطاعم، ما زالت قادرة على «التحايل».

وفقاً للقانون، فإن المادة الخامسة تحظر «التدخين أو إشعال منتج تبغي أو استعمال منتج كهذا في كل الأماكن العامة المغلقة وأماكن العمل ووسائل النقل العام». سيبدأ هذا الحظر بعد عام. كثير من أهل المقاهي، في وسط المدينة، لا يشعرون بأن «القانون سيغيّر شيئاً». هذا ما أسرّ به أحد الندل. في خمس دقائق، تحدّث فيها، طلب ثلاث مرات ألا نذكر اسمه. يخاف على عمله، لكنه «مستاء من النراجيل فعلاً». النادل أول المستفيدين إذاً. لم تعلمهم إدارة المقهى شيئاً بعد، لكنه يتوقع ألا تتأثر الحركة كثيراً، مردفاً بصوت منخفض وحذر: «شو باك هاي سوليدير». لا ينفي أنه سمع كلاماً عن «بعض التغييرات». يعتقد أن التدخين سيبقى على حاله في المساحات الخارجية، وسيمنع في الداخل، وذلك استجابةً للقانون الذي «يوجب أن يكون المكان مفتوحاً من جهات ثلاث، كي يسمح بالتدخين فيه». يعاود النادل الضحك ساخراً: «في الأساس نحاول منع التدخين داخل المقهى من أجل الأير كونديشين»، مكرّراً استنثاءه لوسط المدينة من أية تفاصيل. المدينة المشكوك في شرعيتها قد لا تعترف بالتشريع الجديد.

يبدأ مدير مقهى آخر من هذه النقطة تحديداً. سيلتزم، وسيضع «تلك اللافتات العملاقة المطلوبة»، إذا التزمت «الضابطة العدلية» بمراقبة مخالفات «لايت» من هذا النوع. يتهكم على كل شيء في البلد تقريباً: فوضى الدراجات النارية، تفشي الزجاج العازل، متسولي وسط المدينة، حوادث السير و«رادارات علي بابا»، هو غير مقتنع بأن شيئاً كهذا يمكن أن يحصل في لبنان. هكذا، ينبع التشكيك في عمل القوى الأمنية المكلّفة الحفاظ على القانون، من مديري المقاهي أنفسهم. يعيد «الماتر» ترتيب ربطة عنقه الأنيقة، ويعقب سريعاً: «لا نريد أن نتحدث عن الموضوع الآن أصلاً». لا يخفى على أحد أن القانون، في لبنان، مادة سجالية، أكثر من كونه نصاً حازماً.

حتى المواطنون، الذين أبدوا سعادة «متحفطة» على «القانون الأوروبي» كما وصفه أحد روّاد المقهى، غير متفائلين بالشق التطبيقي، لكنهم موافقون عليه. طبعاً هذا بالنسبة إلى المواطنين التواقين إلى «هواء بلا نيكوتين». أما بالنسبة إلى مدير المقهى العريض، في وسط المدينة، فلا جديد تحت الشمس، و«القانون فاشوش». السنة الممنوحة له كافية وزيادة. فلتلتزم الدولة تطبيق القانون وهو مستعد. قد يخسر «خمسين نارجيلة في الشهر»، كحساب أولي، لكن ليس أكثر. وليس صحيحاً أن معظم رواد المقاهي خليجيون. هذه «تفنيصة». يؤكد مدير المقهى أن اللبنانيين هم «العصب» لا العكس…

«بس اللبناني شبيح».

واللبناني، قد لا يكون مجرد «شبيح» عادي، يمكن أن يكون «شبيحاً» من طبقة «أعلى» درجة مثلاً. مثلاً، هناك مقاه يظنها روّادها «أرقى» من زميلاتها. يتعامل هؤلاء الظرفاء مع المقهى على قاعدة قل لي ما مقهاك أقل لك من أي طبقة أنت. أحد رجالات السيجار، داخل مقهى «نوفوريشي» قرب منطقة الأشرفية، قال بهدوء: «هنا لا يسري القانون». أراد أن يقول إنه كان يمزح، لكنّ شيئاً ما منعه من ذلك. فقد أطفأ سيجاره خجلاً من سيدة مسنّة تحمست عند سماعها السؤال. أنطوانيت، عاشت باريس الستينات، حين كان «التدخين مسموحاً به في المترو وفي المقاهي». في رأيها كانت باريس أجمل بسبب قصات الشعر وقلة الزحمة لا بسبب السماح بالتدخين. بالتأكيد اليوم «باريس أنظف». وهي تأمل أن تصبح بيروت أنظف «من الدخان والسياسيين».

وفي المقهى عينه، يرحب شاب، دخل بالصدفة، بفكرة القانون، رغم أنه مدخن، لكنه، للأسف، لن يلتزم إلا إذا رأى مشهداً كذلك الذي صنعه الزعيم السوفياتي السابق، جوزيف ستالين، في خمسينات القرن المنصرم، حين رمى رجلاً تحت القطار لأنه خالف قرار منع التدخين في الأماكن العامة. ومن يومها لم يدخن أحد في مكان عا

السابق
عين الحلوة يحصّن زواريبه بالحديد
التالي
عادات الأعراس حول العالم