لبنان بين مطرقة المحكمة والأحداث السورية

يحتاج لبنان الى الكثير من العمل للخروج من الصعوبات التي يعيشها، خاصة تردي الأوضاع الخدماتية لأجهزة الدولة، وصعوبة المعيشة التي تزداد قساوتها يوما بعد يوم، سيما ان هناك خللا هائلا في المرافق الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والطرقات وخدمات الانترنت، ناهيك عن الاهتراء الموجود في بعض الادارة لناحية التدخلات السلبية فيها من رشاوى وواسطات وقحة، لا تحترم الحد الأدنى من نزاهة معايير التدخل، او المراجعة.

وبالرغم من المشكلات السياسية الواسعة التي يتخبط فيها لبنان، وعلى وجه التحديد، ما يسببه العدوان الاسرائيلي المستمر على ارضه وشعبه ومياهه، فإنه يقع اليوم تحت وطأة حدثين مهمين، يتأثر بهما على نطاق واسع، وبالتالي فهما مصدر تهديد لأمنه واستقراره ومستقبله.

الحدث الأول: هو ما صدر، وما قد يصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بتعقب المجرمين الذين اغتالوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، منذ العام 2005.

أما الحدث الثاني: فهو الأحداث الدامية التي تعصف بسورية، والناتجة عن سقوط الضحايا من بين المعترضين على سياسة النظام على يد قوات الأمن.

كلا الموضوعين فيهما عوامل تفجيرية، يمكن لأي ارتجال فيهما ان يسبب اضطرابا في الأوضاع، لا يمكن التبنؤ بنتائجه، نظرا لحدة الاحتقان التي تسود معظم اللبنانيين، على خلفية الاختلاف على مقاربة التعاطي مع هذين الحدثين.

يبالغ أطراف النزاع ـ تحديدا في قوى 8 آذار وقوى 14 آذار ـ في مقاربة مواقفهما من الحدثين، لدرجة التطرف الذي سيولد التطرف، ويستدعي المتطرفين الى ساحة المواجهة، ويبعد العقلاء. فمطرقة المحكمة الدولية، هي لتحقيق العدالة، وأصبحت في يد المجتمع الدولي خارج لبنان، وهي بالتالي لضرب رؤوس المجرمين، وليست للضرب على رؤوس اللبنانيين جميعا، فالحكمة تفرض التعاطي بواقعية، وبمهنية قضائية وسياسية مع ما تطلبه المحكمة، وليس تبني أي اشارة اتهامية منها قبل صدور الأحكام، كما ان اعتبار كل ما يصدر عنها مؤامرة، خطأ جسيم.

أما سندان الأحداث السورية، فهو قاتل ومدمر للبنانيين، بدل ان يكون واقيا لهم، إذا ما بقيت وتيرة التعاطي معه على هذه الشاكلة من التعصب. فلا المظاهرات اليومية في شوارع بيروت ـ تأييدا او معارضة ـ فيها حكمة تساعد السوريين الذين يدركون مصالح بلادهم أكثر منا، ولا التهجم من الطرفين على من أخذ الموقف المناسب في مجلس الأمن، يمكن ان يحقق أهداف 8 آذار ببقاء النظام، أو أهداف 14 آذار برحيله. الأمر أكبر بكثير مما يظنه الفريقان، والعتب من التاريخ على كلا الفريقين، ليس لأنهما لم يأخذا مواقف مساندة لأي من طرفي النزاع في سورية، انما سيكون العتب التاريخي عليهما، لأنهما زجا لبنان في اتون حرب مستعرة أكبر منه. وبالتالي يكون التاريخ لعنهما، إذا ما سببا بفتنة (لا سمح الله) على خلفية المبالغة في تأييد النظام في سورية (الذي اعترف بالأخطاء على لسان الرئيس الأسد)، او التطرف في تأييد المنتفضين من السوريين، على خلفيات مذهبية، او لغايات دفينة، وما تشهده بعض المنابر، والتظاهرات، وحتى طاولة مجلس الوزراء، وأعمدة بعض وسائل الإعلام، يؤشر على شر مستطير، يستقدم ولادة الفتنة على الوسادة اللبنانية المهترئة بعد ان حبلت في الواحات والصحاري العربية والإقليمية والدولية.

فهل من يتعظ، لتجنيب لبنان الفتنة؟

السابق
وأيضاً…سقط القذافي
التالي
العالم بعد القذافي