غياب الدولة

لن اخوض في صحة المقابلة التي نشرتها "التايم" مع احد المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، او عدم ذلك، في ظل الهرج والمرج القائمين حولها، لكن ما توقفت عنده امس هو التعليقات على تلك المقابلة وخروج المعلقين باستنتاج ان لا دولة في لبنان، وكأن الامر كان يحتاج هذا العنصر المستجد، والقول المنسوب لمتهم بأن "حزب الله" لن يسلمه ورفاقه الى العدالة الدولية.

صرت اضحك في نفسي، اذ كأن المفاجأة وقعت على كثيرين كانوا يتوقعون ان يسلمهم الحزب الى التحقيق اولا قبل المحاكمة، ألم يقل الحزب ان هؤلاء شرفاء وهو يرفعهم الى مرتبة القديسين، ويتهم المحكمة مرارا بأنها اداة صهيونية وألعوبة بيد الامم المتحدة؟

ما يهمنا اكثر من تسليم المتهمين اذ يمكن محاكمتهم غيابيا، هو فعلا وجود الدولة بل قيامها، لكن البوادر غير موجودة والتطورات المتتابعة لا توحي بالخير في هذا المجال:
– هل تتمكن الاجهزة الامنية من القبض على المطلوبين، وغيرهم من المطلوبين بجرائم شتى، في اكثر من ضاحية ومخيم؟
– هل تستطيع وزارة الداخلية وبمؤازرة كل القوى الامنية ازالة مخالفات البناء عند طريق المطار وفي امكنة اخرى كثيرة؟ عمارات قائمة على ارض الدولة وعلى ارض الغير. ومن يعوض للغير اذا كانت الدولة استغنت عن حقوقها وتنازلت لقوى الامر الواقع؟

– هل تستطيع وزارة البيئة وقف العمل غير الشرعي للمرامل والكسارات والفقاشات التي تتجاوز القانون، وهل يمكن وقف شفط الرمول عند الشواطئ المحتلة من نافذين؟
– هل يمكن الجمارك وكل الدولة ضبط الحدود مع سوريا لو لم تعمل الاخيرة على التشديد في الاشهر الاخيرة لمنع تهريب السلاح الى اراضيها؟

– هل يمكن وزارة الخارجية توحيد الجامعات الثقافية اللبنانية التي صارت موجودة في لبنان اكثر منها في بلاد الانتشار ولا تهتم الا بشؤونها؟
– هل يمكن وزارة الصحة ان تمنع الادوية المزورة وادوية الاعشاب غير المراقبة من اي جهة مسؤولة؟
– هل يمكن وزير التربية ان يبدي رأيه الاكاديمي في تعيينات رئيس الجامعة اللبنانية والمدير العام للتعليم المهني فلا تسقط عليه اسماء الترضية لكثيرين؟
– هل يمكن وزارة التنمية الادارية المضي في مشروع الحكومة الالكترونية اي المكننة الشاملة فلا تظل سجلات ضائعة ودفاتر ممزقة كما قرأنا قبل ايام عن سجلات مدينة بعلبك؟
– هل يمكن وزارة الاشغال ان تزفت طرقا كثيرة تمنع المواطنين من السياحة الداخلية في بلدهم (طرق البقاع الغربي مثلا) وان تعيد تنظيم عمل سيارات التاكسي وخصوصا في المطار؟

كلها تساؤلات لا اجوبة واضحة عليها الا رمي المسؤوليات في ما بين الوزارات لكنها بالتأكيد تؤشر الى ان لا امكان لقيام دولة

السابق
النهار: تحرّك للنيابة العامة لجلاء قضية مقابلة تايم وملف الكهرباء أمام اجتماع وزاري اليوم
التالي
السفير: الأسد.. كلام أوباما لا قيمة له… ومن يذهب بعيداً فسنذهب أبعد