عن براءة السيد الحسيني: إنّ الباطل كان زهوقا

 بعدما أصدر القضاء حكما ببراءة السيد محمد علي الحسيني من تهمة العمالة التي لفّقت له، خصّ شقيقه الدكتور السيد حسين علي الحسيني موقع "جنوبية" بمقالة تتحدّث عن الإعتقال والبراءة.

صحيح أن العِصمةَ لأهلها، وأن لكلِّ جوادٍ كبوة، وأن فَرْضَ المحالِ ليس بمحال، ولكن الاعتقادَ بأنَ صاحبَ عمةٍ سوداء، حسينيَّ النسبِ والهوى، تربى في كنف والدٍ جنديٍّ في الجيش اللبناني، أمضى حياتَه في الدفاعِ عن لبنان، معلِّمًا أولادَه كيف يذبُّونَ عن وطنهم، ووالدةٍ علّمته شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتب، رجلّ كهذا قضى شبابَه كلَّه في الدفاعِ عن حدود وثغورِ لبنانَ الحبيب، ليمضي فيما بعد لطلبِ العلومِ الدينيةِ وتبليغها، حتى ألّف ما ينيف عن سبعين مؤلفا، رجل كهذا يتخطى حدودَ المحالِ أن يُتَّهمَ بتهمةٍ خبيثةٍ لا يرتكبُها إلا من خَبُثَتْ سيرتُه وسريرتُه.

الحمدُ للهِ الذي أظهرَ الحقَّ على الباطلِ كلِّه، ولو كرهَ الملفِّقون الذين رأيناهم بعد صدور قرار قاضي التحقيق بمنع المحاكمة لعدم توفر الأدلة، يعضونَ على أناملهم تغيُّظا وحسرة، حتى حق عليهم قوله تعالى: قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور، ليتحرك على إثر عض الأنامل خفافيش الليل فينقل الملف إلى الغرفة السادسة في محكمة التمميز، وهذه من النوادر إن لم تكن من السوابق القضائية، إلا أنه الحمد لله الذي أرانا السم لنعرف أن وراء الفحيح أفعى.

وإلى وسائل الإعلام التي سارعت إلى نقل خبر الاتهام، بالاسم الثنائي تارة، والثلاثي والرباعي أخرى، مع الصورة والصوت، متكلمةً عن كمياتٍ من الأسلحة والأجهزة الألكترونية، لتُقِرَّ مؤخَّرًا، بأنه جهازُ كمبيوتر وسلاحٌ فردي. وزاعمةً أن "السيد يلزم الصمت في التحقيق معه، وأنه يأبى أن يعطي مديرية المخابرات كلمة المرور لحاسوبه الخاص"، إلى غير ذلك من التخيلات الكرتونية التي تعطي الخبر لمعانا صحفيا، وتسلبه النزاهةَ كلَّها. نقول لهؤلاء: إن رغبتَكم في السبقِ الصحفي لا تبررُ لكمْ التسرعَ في أهانة الناس، ولو عن غير قصد، فإن شرفَ مهنتِكم يتنافى مع ذلك. ومهما يكن من شيء فإن أقلَّ تعويضٍ تقومون به، هو نشرُ الحقيقة الآن، فلا أظنَّنَّكم تسارعون لما يُشين وهو مظنون، وتتباطؤون فيما يَزينُ وهو مُتَيَقَّن.
وهنا لا يمكنني أن أعدو عن قناة المنار التي لم تحترم نسبًا نَنْتَسِبُه، وتاريخًا جهاديًّا لا تجهلُه، وعِمَّةً ليست أقلَّ سوادًا من عمائمِ الغير. رغم كل ذلك لم تتورع عن ذكر اسمنا الكامل مع مشاهدَ مصورة، وإنما خصصتُ هذه القناةَ بالذكر، لما سمعناه من تَضَجُرٍ للأمين العام للحزب من وسائل الإعلام التي بثت أسماء من اعترف بالتجسس على المقاومة، ولم نره متضجرا من ذلك حينما أُهِنَّا، فإن لم يكن لنا كرامةٌ لأن أحدنا ناقدٌ لكم، فعلى الأقل كونوا أحرارا في دنياكم إن كنتم عُربا كما تزعمون!

فأين الإنصاف؟! أين حق قرابتنا من الحسين الذي تبكونه كل عام؟ أعرف أنكم لن تحروا جوابًا على سؤالنا اليوم، وأنكم لن تُضْطَروا للجوابِ عنه، إلا أنكم ملزمون بالإجابة يوم الفضيحة الكبرى، فالحمد لله الذي فضحكم وأظهر أكذوبتكم.

وبالنسبة لنا، لن ننسى ظلمكم هذا، وليعرف اللبنانيون، أن (أشرف الناس) الذين يقصدونهم، ليسوا الشيعة، ولا أهل البقاع والجنوب والضاحية الذين قدموا كل شيء لهذه القضية المحقة، وهي الدفاع عن لبنان، حتى تضعوا أنفسكم في قبال كل هؤلاء، بل إن المقصود خصوصا من يتربع تحت ذاك المنبر، ليلبي، ولا يتأفف، ولا يتضجر، ولا ينتقد، هي الجماعة المطيعة والمتعبدة والمهلِّلة لكل ما يصدر عن هذا الحزب. أما ما عدا هؤلاء فلا كرامة لهم، إلا إن اتفق أن جمعتهم بهم مصلحة سياسية أو انتخابية…

وإلى إخواني في المقاومة، أقول: من هوانِ الدنيا على اللهِ أن يحتاجَ مَنْ حَمَلَ في دمِهِ جِينَاتِ أهلِ البقاع، وتَعَفَّرَ بترابِ عامِلَة، وجُرِح على صعيدها، أن يؤكدَ لكم أنه ليس من يُدِيرُ ظهرَه لكم، ويطعنُكم في خاصرتكم. ولكنَّ الموقفَ استدعى تأكيدَ صلةِ الدمِّ بالشريان، والملائكةِ بالرحمن. إخواني المجاهدين: خسئ عدوُّكم، وطاش سهمُه، وخاب ظنُّه، معكم معكم، لا مع عدوكم.

وإلى عائلتي ووالداي وإخواني، وكلِّ من كذّبَ هذه الافتراءات، وساندنا، ووقف إلى جانبنا في أصعبِ مرحلة قد يمر بها الإنسان، أقول: لا خُيِّبت آمالُكم، ولا سُوِّدَت وجوهُكم، نحن معا دائما وأبدا، في مسيرة وطنية تفتخرون بها، وتُبْقُونَ فيها رؤوسَكم مرفوعةً، وجباهَكم مسفرةً، ضاحكةً مستبشرةً، كما كانت وستبقى، وكما شاء اللهُ لها أن تكون.

وأخيرا نَحْمَدُ اللهَ على أنه ما زال في هذا الوطنِ محامونَ شرفاءُ، وقضاةٌ عدول، وإعلاميون منصفون، وجيشٌ وطنيٌ نزيه لم تنطلِ عليه أيةُّ تلفيقاتٍ وتلبيسات، فباتَ في ديجورِ الوسوساتِ والافتراءاتِ مستنيرًا بالحق، ومستضيئًا بالإنصاف، حتى وصلنا على يده ويدِ القضاءِ إلى ساحلِ العدالةِ، التي هي هي لا غيرها كسرت مِن علينا الأصفاد، وشقَّت من أمامنا جدرانَ السجنِ الذي كانت مرابَطَتُنا فيه كلَّ يومٍ بمثابةِ وسامٍ نتوَسَّمُه، وسلاحٍ نمتشِقُه، في وجه كلِّ خائنٍ وغادِرٍ يتربَّصُ بنا الدوائر، حتى دارت عليه فأركسته ونكَّسته، وبقينا بحمد الله بنيانًا صلبًا لا يهزُّنا شيء.

بسم الله الرحمن الرحيم وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا.

السابق
فرنسا: لا تعلم ما اذا كان القذافي داخل ليبيا ام هرب منها
التالي
قبلان قبلان: المقاومة حاجة وطنية لحماية حدودنا وثرواتنا من العدو الاسرائيلي