عقل شيطاني وفبركات ضد حزب الله

في الوقت الذي تنشغل فيه قيادة حزب الله بإعداد ملف تقني ترد من خلاله على ما تضمَّنه القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من أدلة ظرفية محصورة بموضوع الاتصالات، بالإضافة إلى تقديم وقائع جديدة في ما خص الاختراق "الإسرائيلي" لهذا القطاع من خلال التلاعب بالشبكات على مساحة لبنان من طريق بعض العملاء الذين هم اليوم في قبضة الضابطة العدلية اللبنانية، أفرز العقل الشيطاني في هذه المحكمة فبركات جديدة ضد الحزب من خلال تلفيق مجلة الـ"تايم" الأميركية مقابلة نسبتها إلى أحد المتهمين الأربعة من أعضاء حزب الله يؤكد فيها "أن الدولة اللبنانية على علم بمكان إقامته، وأنها لا تستطيع إلقاء القبض عليه".

مما لا شك فيه أن ما أوردته المجلة الأميركية يأتي في سياق مسار وضعه القيمون على المحكمة الدولية في إطار العمل على إلصاق تهمة جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بحزب الله بهدف إحداث شرخ طائفي ومذهبي يؤدي إلى حدوث فتنة داخلية بهدف كشف ظهر المقاومة وتصويرها على أنها تحولت إلى مجموعات مسلَّحة عابثة بالاستقرار العام من أجل وضع اليد على الدولة ومؤسساتها.

وإذا كانت قيادة الحزب قد تنبّهت إلى هذا المخطط من أول الدرب، وقدمت ما لديها من قرائن ومعطيات تدحض الافتراءات وتكشف زيف عمل المحكمة التي تسعى إلى التعمية على الحقيقة بدلاً من كشفها، فإن فريق "الرابع عشر من آذار" ماضٍ في الرهان على هذه المحكمة وهو بات يتكئ عليها في سياق حملته المبرمجة على حزب الله وكذلك على الحكومة الحالية، وقد وجد في ما أوردته مجلة الـ"تايم" فرصته من أجل تأليب الرأي العام في الشارع السني ضد الرئيس نجيب ميقاتي، وإطلاق النار على الحكومة التي يسعى إلى إسقاطها بشتى الوسائل.

وتكشف مصادر عليمة أن قوى "14 آذار" تعمل على بلورة أفكار من شأنها أن تكون خارطة طريق من أجل شد الخناق على الحكومة ومحاصرتها تمهيداً إلى إسقاطها وهي تنطلق بذلك من إبراز الحكومة على أنها تشارك حزب الله في رفض تسليم المتهمين الأربعة، على أن يتواكب هذا الاتهام مع بيانات وربما تظاهرات في الشارع تحت هذا العنوان، وهو ما يعني أن هذه القوى تتجه إلى أخذ خيار المواجهة المباشرة مع الحكومة وحزب الله، وأن ما يؤخر هذه الخطوات رغبة البعض في هذه القوى برصد التطورات الإيجابية ومعرفة اتجاه الريح فيها قبل أخذ القرار النهائي بشأن تحركها المنتظر.

غير أن ذلك وفق المصادر لا يعني أن الساحة الداخلية متروكة وأن الأبواب مشرعة لتنفيذ مخطط خارجي تحت ستار القرار الاتهامي، إذ إن المعنيين بهذا الموضوع محصّنون بما يكفي حيال أي اختراق من هذا النوع، ولا سيما أن غالبية الشعب اللبناني باتت على قناعة تامة بأن المحكمة الدولية مسيسة، وأن الإدارة الأميركية ودولاً أوروبية هي التي تمسك بخيوطها وتحركها كيفما تشاء، والدليل على هذا التشخيص أنه صدر القرار الظني، ومن ثم وُجّهت أصابع الاتهام ولم يحصل الزلزال الكبير الذي كانت تبشر به "اسرائيل" والدوائر الأميركية والغربية لا بل على العكس من ذلك فإن غالبية الشعب اللبناني قابلت صدور القرار ببرودة أعصاب وبنوع من اللامبالاة، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن الهدف الذي عملت لأجله المحكمة لن يتحقق، خصوصاً وأنها لم تقدم إلى الآن أية معطيات أو قرائن تدين من اتهمتهم بعملية الاغتيال، وأن جُل ما قامت به هو إصدار قرار اتهامي يستند إلى أدلة ظرفية مبنية على معلومات أولية جمعت من شركات الاتصالات الخلوية العاملة في لبنان، من دون إعطاء أدنى اعتبار لما أكده الاتحاد الدولي للاتصالات الذي عقد في المكسيك العام الماضي حول أن شبكات الاتصالات الهاتفية في لبنان كانت عرضة للقرصنة "الإسرائيلية" التي تمثلت في زرع أرقام خلوية على خطوط بعض الأشخاص ومن بينهم من جاء على ذكره القرار الاتهامي.

وفي رأي هذه المصادر أن الأدلة في القرار الاتهامي هي مجرد أدلة ظرفية لا شأن لمعايير العدالة بها، وبالتالي فإن ما صدر كأنه شيء لم يكن إلا إذا بقي فريق من اللبنانيين على عماه وأصر على اتخاذ المحكمة وسيلة لتحقيق أهدافه!.

السابق
سياسة جديدة
التالي
سعد ومقولة الكذب ملح الرجال؟