سيُسْقِطون الحكومة قبل أن تُسقطهم!

تقترب حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من ملامسة العبوّة الناسفة، وهذا ما كان متوقعا لها منذ أن حصلت على الثقة، بعد مخاض الأشهر الخمسة للتأليف. ويبدو أن "وحدة المسار"، التي حتّمتها المصلحة المشتركة في إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، قد اصطدمَت بـ"تضارب المصير" بين الطرفين الفاعلين في الحكومة الحالية. ولم تعد هذه الحكومة قادرة على ممارسة المزيد من المناورات في ملف المحكمة، لأن الضغط الذي يشهده هذا الملف يحول دون ذلك. ومن هنا، فإنّ الاتجاه الذي يزداد بروزا هو إلى إسقاط الحكومة وتحويلها الى حكومة تصريف للأعمال.

حتى الأربعاء الفائت، كانت حدود المناورة التي تسمح بالتعايش داخل الفريق الحكومي مقبولة: ميقاتي يكتفي بالتعبير عن حال "وسطية" بين الالتزام والاحترام للمحكمة الدولية، و"حزب الله" يتفهّم ذلك، ويقتنع بالوعود المقطوعة له بعدم الحماس للتعاطي مع المحكمة وعدم الاستجابة الى مطالبها، "حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا". فهكذا تمّت التسوية حول البيان الوزاري، وهكذا مرّت الفترة القصيرة من العمل الحكومي.

"الدور التجميلي" للحكومة

لكن الرئيس ميقاتي ظهر، بعد نشر القرار الاتهامي، مضطرّا الى التعبير عن الدعم وإبداء الاستعداد للتعاون أكثر من أي يوم مضى، خوفا من أن يُفسَّر الموقف الرسمي سَلبا. فهو أطلق في إفطار الأربعاء دعوة الى "الوعي والتعقّل" في مقاربة الملف. وكان لافتا تعبيره عن "الأمل في أن يتمكن التحقيق الدولي من إجلاء الحقيقة كاملة لإحقاق الحق والعدالة، مع المحافظة على استقرار لبنان وأمنه". وحملت لهجة ميقاتي، درجة أعلى من التفهّم لضرورات عمل المحكمة.

وهذا الاتجاه الإيجابي من رئيس الحكومة، المتناغم مع موقفي رئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط، يناقض سلوك "حزب الله" الذي يزداد سلبية إزاء المحكمة، في موازاة الضغط الذي يتعرّض له على خلفية هذا الملف. فقد كان "الحزب" يتعاطى حتى اليوم مع موقف "الوسطيين" على أنه جزء من عملية التجميل المطلوبة، كي تصبح الحكومة مقبولة لدى الرأي العام العربي والدولي. وهذا ما يمنحه الغطاء الذي يحتاج إليه، هو ودمشق، في المواجهة التي يخوضها كل منهما.

ولطالما صفّق "حزب الله" لمواقف ميقاتي من المحكمة، على رغم عدم التوافق بينهما حولها. وكان ذلك تعبيرا عن رغبة "الحزب" في إنكار صفة "اللون الواحد" عن الحكومة، لأنّ ذلك يؤدي إلى "احتراقها" عربيا ودوليا. ويعني ذلك، في حال حصوله، فقدان "الحزب" آخر متراس سياسي يمكنه إطلاق النار من ورائه.

يريدونها معهم في الميدان

ماذا حدث بعد نشر أجزاء واسعة من القرار الاتهامي؟

المصادر السياسية تتحدّث عن استحقاقات نوعية فرضتها الوقائع التي كشف عنها القرار، وعلى أساسها ستتم المحاكمات الغيابية. فدمشق و"حزب الله" لم يعودا اليوم في صدد الاكتفاء بموقف وسطي من الحكومة، بل إنهما يرغبان في أن تنزل الحكومة للقتال الى جانبهما في المعركة. فقد تبدّلت متطلبات هذا الفريق لأنّ رأسه في خطر. وما كان يمكن للحكومة أن تفعله "لتحسين الصورة" لم تعد له أي فائدة. فحجم الوقائع التي يكشفها القرار الاتهامي لم يعد يسمح بأي دور من هذا النوع.

إضافة الى ذلك، تشير المصادر الى أن هناك أزمة ثقة متبادلة بين قطبي الشراكة الحكومية، ولا سيما من جانب فريق 8 آذار في اتجاه رئيس الحكومة وحلفائه. والحملة التي يشنّها بعض القريبين من دمشق و"الحزب" على ميقاتي، تحت عناوين مختلفة، تستبطن استعدادا لإسقاط الحكومة بالضربة القاضية، إذا ما حاولت تجاوز "الضوابط" والتعاون مع المحكمة الدولية "جديّا".

لا "جرأة" هنا
ولا "تواضع" هناك

إنها، بالنسبة الى هذا المحور، مسألة "حياة أو موت". فرأسُه في خطر. ولا يمكنه الاستهانة بأي عنصر قد يطيح به. وهو لذلك يضع اليوم حكومة ميقاتي تحت رقابة مشدّدة، ويحصي حركتها ويترقّب سلوكها. وفي يده أدوات لإسقاطها فورا، على الأقل من أجل حرمانها القدرة على عقد أيّ تفاهم مع المحكمة الدولية قد يطيح أيّ رأس.

إنه الاستحقاق. والمسار الطبيعي للملفّ تختصره الدعوة التي وجهها الوزير السابق بطرس حرب: إمّا أن تقوم الحكومة بإقناع "حزب الله" بتسليم المطلوبين الأربعة الى المحكمة، وإما أن تقيل وزراءه إذا لم يتجاوبوا أو يستقيلوا بأنفسهم، كاشفة أمام المجتمع الدولي عجزها عن الوفاء بالتزاماتها، وإمّا أن تعلن تضامنها مع "الحزب".

لكن هذا المسار يبدو صعبا الى حدّ الاستحالة في ظروف الحكومة الحالية، لأنه يقتضي الكثير من الجرأة لدى الفريق الوسطي، والكثير من الرغبة في التنازل لعقد التسويات لدى "حزب الله"، وكلتاهما غير متوافرتين. والبديل هو وقوف كل منهما في موقع المترصّد، وتسديد الضربات حيث تسمح الظروف وحين يمكن ذلك.

السابق
الاخبار: توقّع انتخابات تشريعيّة في شباط… وحذّر مـــن تداعيات التدخّل العسكري الأسد: دعوات التنحّي بلا قيمة
التالي
ما هي خلفيات مقابلة التايم؟