دعوتان الى الشباب “لنغيّر عالمنا”

كم هو جميل ان يعود البابا البالغ من العمر 84 عاماً الى أيام الصبا، فيحاول تذكر الرغبة العميقة في "ان تعاش العلاقات بين الأفراد في الحقيقة والتضامن، وبناء علاقات فعلية من الصداقة، واختبار حب حقيقي، وتأسيس عائلة موحدة وبلوغ استقرار فردي وأمان فعلي".
يحاول البابا ان يعود أكثر من ستين عاماً الى الوراء ليفيد من خبرته شباباً يكتشفون الحياة يوماً بعد يوم، ويثورون على الكثير من الموروثات، المفيدة وغير المفيدة.
دعوتان في أسبوع واحد الى الشباب للقيام بتغيير إيجابي في مجتمعهم، خصوصاً مع تزايد دورهم، وتحديداً في عالمنا العربي، اذ يقودون حركة تغيير وتمرد وثورة غير مسبوقة، خصوصاً في ذاكرة التاريخ العربي.
الدعوة الأولى من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في اليوم الدولي للشباب في 12 آب، والثانية من رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا بينيديكتوس الـ16 لمناسبة الأيام العالمية للشبيبة في مدريد.
الأول دعا، تحت عنوان "لتغيير عالمنا"، الى تجاوز الشعار وتحويله نصيحة يستلهمها الشباب على الدوام. وحيا في رسالته الثوار في العالم العربي من دون ان يسميهم، اذ قال ان "الغالبية العظمى من أصل مليار شاب في العالم تفتقر الى ما تستحقه من تعليم وحرية وفرص. ورغم تلك القيود، بل بفضلها في عدد من الحالات، يحشد الشباب طاقاتهم بأعداد متزايدة في سبيل بناء غد أفضل. وقد حقق الشباب على مدار العام نتائج مذهلة، حينما أزاحوا الديكتاتوريات ونفخوا روح الأمل عبر المناطق لتعم العالم بأسره".
يدرك الشباب، أكثر من الأجيال المتقدمة في العمر، انه في مقدورنا تجاوز اختلافاتنا الدينية والثقافية لبلوغ أهدافنا المشتركة. لذلك تراهم يهبّون للدفاع عن حقوق الشعوب المقهورة، بمن في ذلك الفئات التي تعاني التمييز على أساس نوع الجنس والعرق والميول الجنسية.
أما البابا فدعا الى العودة لإكتشاف الجذور المسيحية والإنسانية، تحقيقاً لعالم أكثر عدالة، وعيش القيم والتصالح معها، واعتبر "ان النسبوية السائدة التي ترى ان كل الأمور متساوية وان لا وجود لأي حقيقة ولأي مرجعية مطلقة، لا تولد الحرية الفعلية بل عدم الإستقرار وخيبة الأمل والتقيد ببدع الزمن".
واذ تذكّر زمن الإشتراكية والسلطة المهيمنة رأى ان الإستقرار والأمان ليسا المسألتين اللتين تشغلان كثيراً فكر الشباب. وان كان من المهم والملحّ البحث عن وظيفة تسمح بالتمتع بوضع مستقر، فإن فترة الشباب هي أيضاً فترة "البحث عن مثال حياتي. عندما أفكر في سنوات شبابي، أرى اننا لم نكن نريد الضياع في حياة بورجوازية تقليدية. كنا نريد الأمور العظيمة والجديدة. بالتأكيد ان السبب في ذلك كان يعود أيضاً لوضعنا. خلال سيطرة الإشتراكية القومية والحرب، يمكن القول اننا كنا مطوقين من قبل السلطة المهيمنة. اذاً، رغبنا في الخروج الى الهواء الطلق، واختبار كل الإمكانات البشرية. أعتقد بمعنى ما ان هذه الحماسة التي تدفع الى تغيير العناصر المألوفة موجودة لدى كل الأجيال. فالرغبة في امور تتخطى الحياة اليومية والوظيفة المستقرة، والتطلع الى أمور عظيمة، يشكلان جزءاً من فترة الشباب. هل هذا حلم يتلاشى عند بلوغ سن الرشد؟ كلا، لأن الإنسان خلق للأمور العظيمة اللامتناهية. كل الباقي ليس كافياً ومرضياً".
ما بين هذه الدعوة وتلك، نرى الى ان الرغبة في التغيير نحو الأفضل تبقى انسانية مشتركة موحدة الجذور، انها الدعوة الى التخلص من كل أشكال الهيمنة، أي بلوغ الحرية، التي تحررنا من كل أنواع التسلط أو السلطة، حتى الدينية منها، لان ليس للحرية حدود اذا كانت حرية مسؤولة، وهي قد تضبط بقيود قانونية تجاه الغير، أما علاقة الحب، والعلاقة مع الله، وهي علاقة حب أيضاً، فتبقى من دون قيود، حرة حرة حرة.

 

السابق
رسالة… ليست للنشر!؟
التالي
حادثتا الأرز وإهدن ورسائل فرنجيّةــجعجع