حادثتا الأرز وإهدن ورسائل فرنجيّةــجعجع

لم تمرّ حادثة إطلاق النار على منزل الرئيس الراحل سليمان فرنجية مرور الكرام، ولو أنّ فرنجية الحفيد أبعد القضية عن الإعلام وعمّم فكرة استيعابها على كوادره. هذه الحادثة تفتح الأبواب أمام الكثير من الرسائل المتبادلة بين القوات اللبنانية وتيار المردة

أليس غريباً أن يحافظ رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية على صمته بعد الإعلان الرسمي عن جزء من القرار الاتهامي للمحكمة الدولية؟ لا يجد المقربون من سمير جعجع في هذا الأمر غرابة، لا بل يقولون إنه في غضون وقت قصير سيثبّت سيّد معراب موقف القوات من المحكمة. يحاول جعجع أخذ الوقت اللازم لدراسة هذا الملف مع الحقوقيين القواتيين المعنيين، ولحين ذلك يتفرّغ لمتابعة شؤونه اليومية.

لم يسأل أحد جعجع عن حادثة إطلاق النار في إهدن يوم الأحد الماضي في 14 آب الجاري، رغم أنّ أحد طرفي هذه الحادثة شبان من القوات اللبنانية، والتنظيم المعرابي لم يسعَ إلى تناول هذه القضية والدفاع عن وجهة نظره وعن أنصاره. فما السرّ وراء هذا الصمت؟ وهو صمت لا يقتصر فقط على الطرف القواتي، بل على تيار المردة أيضاً، الذي سارع رئيسه سليمان فرنجية إلى التهدئة، داعياً إلى تحجيم ما حصل. مع العلم أنّ هؤلاء الشبّان القواتيين الثلاثة أحرقوا صورة فرنجية في ساحة الميدان في إهدن بعد الانتخابات النيابية عام 2009، و«العين حمراء» عليهم من جانب أنصار المردة.
في مراجعة بسيطة للعلاقة بين القوات اللبنانية وتيار المردة، تشير الصورة «الواسعة» إلى أنّ النفوس هدأت بين الطرفين، وخصوصاً بعد مصافحة الزعيمين بعضهما لبعض تحت أعين الجميع في بكركي، لكن ثمة تفاصيل لم يدركها الكل، وأهمّها حصل في بشرّي، الحديقة الخلفية للقوات اللبنانية.

في هذا القضاء الشمالي، ثمة ما يزعج القواتيين: عودة النائب السابق جبران طوق إلى الحياة السياسية. والأبشع بالنسبة إلى قواتيي المنطقة أنّ هذا الرجل كان قد تحوّل، في المرحلة الممتدة من 2005 وحتى شهرين من اليوم، إلى «فراغ سياسي»، وإذ به يعود إلى الحراك بين الناس بدعم من بعض شخصيات حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. كيف ذلك؟ منذ تأليف الحكومة أعاد جبران طوق إطلاق نفسه، وبدأ يعمل بين الناس، وباتت له يد في السلطة. وبحسب القواتيين، كان أن وزّع طوق على «مناصريه ـــــ أو المقربين منه ـــــ رخص حمل سلاح، وهو يقوم بـ«اللازم» عند توقيف القوى الأمنية أحد أبناء المنطقة. ويبدو التعاون واضحاً بين النائب السابق ومديرية الاستخبارات في الجيش، وخصوصاً لجهة تمكّن طوق من «إنقاذ» كثيرين من أبناء بشري لدى مواجهتهم مشاكل مع المديرية».

باختصار، يرى القواتيون أن رجعة جبران طوق إلى الحياة السياسية هي نتيجة عامل أساسي مبني على تعاون قائم بينه وبين وزير الدفاع فايز غصن، وبالتالي بينه وبين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وهذه العلاقة والممارسات الناتجة عنها بدأت تزعج أبناء القواتيين، ولو أنّه لا اعتراف رسمياً أو علنياً بذلك، إلا أنّ النقاشات الجارية بين أنصار معراب في بشري تؤكد هذا الأمر، وخصوصاً أنّ عودة طوق اقترنت بتشنّج أمني جرى التكتّم عليه أيضاً.
هل يذكر أحد الاحتفال بقداس عيد التجلي في الأرز يوم الجمعة في 5 آب الجاري؟ يومها حصل ما لم يكن بالحسبان، وصمت حياله القواتيون و«الطوقيون»، وفي الآتي تفاصيله: حيّدت القوات اللبنانية نفسها على نحو كامل عن تنظيم هذه المناسبة، وكان لبلدية بشري ورعيّتها الدور الأساسي، وقام المعنيون بالتنسيق اللازم مع الأب فادي تابت، المكلّف من قبل البطريرك بشارة الراعي متابعة التحضيرات، لكن مقابل هذا «الحياد»، كان للنائب السابق طوق رأي آخر، إذ رفعت صور ولافتات باسمه، «من دون أن يكون لذلك أي مبرّر»، على حد قول قواتيين استفزتهم تلك الخطوة.

ويوم الاحتفال، وقفت فعاليات القضاء عند مدخل المدينة بانتظار وصول موكب البطريرك. اجتمع نائبا القوات، ستريدا جعجع وإيلي كيروز، ومعهما رئيس البلدية وأعضاؤها، فيما فضّل النائب السابق الوقوف عند طرف آخر، رافضاً «الاختلاط» مع خصومه. وكان من الطبيعي حصول حركات استفزاز من الجانبين كادت أن تتطوّر إلى احتكاك. ونتيجة هذا الأمر اقتصرت مشاركة النائبين على حضور القداس الذي ترأسه الراعي في كاتدرائية مار سابا، ولم يحضرا الغداء التكريمي في فندق شباط.
تطوّرت الأمور في الأرز، إذ حضر حبران طوق بموكب عريض. واكتمل المشهد مع إشكال وقع بين نجل النائب السابق والعناصر الأمنيين «نتيجة إصرار الأول على الجلوس في الصف الأمامي»، على حد قول القواتيين.

كاد أن يتحوّل عيد التجلّي إلى مجزرة، فمرافقو طوق كانوا حاضرين بسلاحهم، وبالطبع القواتيون كانوا بدورهم مستعدين. وبحسب أحد المشاركين في القداس، كان المسلّحون بالمئات، كل منهم يخفي سلاحه على طريقته. لم يشأ القواتيون إشعال المناسبة، وخصوصاً أن رئيس الهيئة التنفيذية في حزبهم كان حاضراً.

ونتيجة هذه الحادثة، قد يكون سهلاً على القوات اللبنانية تحليل ما جرى واعتبار عودة طوق نابعة من دعم فرنجية له، وبالتالي لا بد من أن يكون سمير جعجع قد فهم رسالةً ما جراء أداء وأسلوب عودة النائب السابق طوق، وبالتالي يمكن استخلاص أنّ إطلاق شباب من القوات النار على منزل الرئيس الراحل سليمان فرنجية بعد أيام على «زكزكة» يوم التجلي، هو بمثابة الردّ على رسالة فرنجية برسالة قواتية مفادها: إن أردت إلهائي والتعرّض لي في محميّتي، فسألهيك وأتعرّض لك في محميّتك. وهو ما يرفض القواتيون التعليق عليه حتى اليوم.

السابق
دعوتان الى الشباب “لنغيّر عالمنا”
التالي
“التوحيد” نفى اتهامات المعارضة السورية لوهاب بتسليح شباب في السويداء