تراجع في أعداد الوافدين إلى أمسيات صيدا الرمضانية

 تبدي مدينة صيدا حرصاً لافتاً على معايشة تفاصيل شهر رمضان بكل طقوسه الدينية، وعاداته وتقاليده التراثية والفولكورية، ومهرجاناته، التي تحمل الطابع الغنائي الانشادي الابتهالي، كما الطربي الشرقي، بحيث يطغى على المدينة لشهر كامل طابع محبب ينتظره الأهالي والوافدون من سنة إلى سنة. ويتم التحضير لاستقبال رمضان قبل عدة أشهر بحيث تلبس المدينة وساحاتها العامة، ومحلاتها ومؤسساتها التجارية، وشوارعها حلة وزينة رمضانية. وتتلون المساجد بالانارة. وتضيف الألوان المضاءة إلى المدينة القديمة جمالية رائعة، تظهر فن عمارتها وعقودها الحجرية الأثرية، كذلك الأمر بالنسبة للمواقع الأثرية والقلعة البحرية.

وتتميز الأمسيات الرمضانية في صيدا عن غيرها من المدن والمناطق اللبنانية لناحية كثافة الوافدين إلى المدينة من كل مناطق الجنوب وشرق صيدا، ومن بيروت، عدا الحضور الصيداوي العائلي في تلك الأمسيات. إلا أن «شهر رمضان في السنة الحالية، ليس كما كان في العام الفائت»، كما يؤكد أصحاب المطاعم والمحال والمؤسسات التجارية، لا سيما تلك التي يقصدها الوافدون إلى المدينة في أمسياتها، لتدخين النرجيلة العجمية والمعسل على مختلف مشتقاته، ومحلات بيع الفول والحمص البليلة مع المشوشة، وباعة المناقيش بالصعتر والجبنة، أو أصحاب مقاهي الأرصفة المقابلة لميناء الصيادين والقلعة البحرية، والتي تزدهر في رمضان، والمنتشرة فوق رصيف الكورنيش البحري. إضافة إلى باعة المشروبات الرمضانية كالعرق سوس، والتمر الهندي، والجلاب. ويعتبر أصحاب تلك المهن أن «الأيام الأولى من ليالي شهر رمضان في العام الحالي، شهدت انطلاقة بطيئة ولم يكن هناك إقبال لافت كما جرت العادة».

يضيف هؤلاء أن «الوضع تحسن بعض الشيء بعد مرور أسبوع، إلا أنه، بعد مضي أسبوعين، ظهر بوضوح أن نسبة الوافدين إلى صيدا لمناسبة الشهر الكريم، لم تكن ذات النسبة التي تشهدها عادة المدينة في لياليها وأمسياتها الرمضانية، بحيث غابت «العجقات»، والحشود البشرية التي كانت تجتاح صيدا القديمة وأزقتها، وزواريبها الضيقة، ومقاهيها كل ليلة من كل المناطق اللبنانية. واقتصر الأمر على زوار من محيط صيدا يقصدونها للتمتمع بسحر أمسياتها التراثية».
ويؤكـــد عــدد من أصحـــاب مقـــاهي الأرصفة قبالة البحر على أنه «لم تشـــهد المــــقاهي التي نديرها حـــتى تاريخــــه تلك العجقات الليلية، التـــي كنا نشـــهدها في الأعوام الماضـــية، مع أننا اشتغــــلنا والحمد لله، لكن ليس بنفس نسبة شغل رمضان الــعام الماضـــي، حيث كنا نعاني من أجل تأمـــين كرسي واحد لـــصديق أو لزائـــر. وأحيانا كـــانت الكراسي والطـــاولات محجوزة من قبل يومين أو ثلاثة أيام».

وهناك جملة من الاسباب التي يتم الحديث عنها في صيدا، والتي أدت إلى الوضع الحالي والتراجع في الإقبال، من بينها ما هو متعلق بالمسألة المادية للاسر والعائلات، التي باتت تحسب أكثر من حساب للإنفاق، إضافة إلى تنامي الشكاوى من ظاهرة ارتفاع قيمة الفاتورة التي تقدم للزبائن في بعض المقاهي والمطاعم بعد تناولهم الشاي مع المنقوشة، والمرطبات الرمضانية مع النرجيلة معسل أو عجمي، حتى باتت تشكل أي فاتورة ما يشبه الصدمة لدى مرتادي تلك المقاهي في ظل غياب أي حسيب أو رقيب. أما الحلويات العربية تشهد أيامها الذهبية، حيث تنهمك عشرات المحال المشهورة بصناعة الحلويات بتحضير الحدف، والمفروكة، والقطايف، والمدلوقة، والشعيبيات، والكلاج، والعوامة، والمشبك، وزنود الست، وعيش السرايا وغيرها، عدا المعمول والبقلاوة التقليدية في صيدا.
إلا أن هناك أسبابا أخرى للتراجع في أعداد الوافدين، من بينها غياب المهرجانات الليلية التي كانت تعم صيدا في رمضان من كل سنة، والتي كانت تشكل حافزاً مهماً وأسياسيا للوافدين من خارج صيدا، من بينها المهرجانات التي كانت تقيمها البلدية السابقة، والتي كانت تستقدم الفرق المولوية، والصوفية، والإنشادية، والطربية الذائعة الصيت من لبنان والشام وغيرهما. واقتصر الأمر في العام الحالي العام على ما تقدمه البلدية الحالية، من أمسيات وألعاب السيف والترس التراثية، ومهرجانات إنشادية وابتهالات في بعض الساحات والأماكن العامة. ذلك إضافة إلى عدم مبادرة «مؤسسة الحريري» في صيدا، إلى تقديم أي مهرجان رمضاني، أو حتى احتفال من أي نوع على غرار الاحتفالات التي كانت تقدمها سابقا، والتي كانت عنوانا ومقصدا للوافدين ليلا إلى المدينة. وحتى «خان الافرنج»، الذي كان مسرحاً لتلك المهرجانات، فإنه لم يشهد أي احتفال أو حلفة رمضانية وبقي مقفلاً!
لكن في مطلق الأحوال، تبقى صيدا مدينة رمضانية بامتياز، بحيث يرتفع صوت المداحين، والمبتهلين، والمنشدين، والفرق الصوفية، ليشقّ سكون ليل المدينة، ويعزز صخبها الرمضاني على وقع صوت المسحراتي محمد فناس، وقرعه طبلته متجولاً في أزقة صيدا سيرا على قدميه، منادياً بالاسم أهالي المدينة القديمة، داعياً إلى السحور. وذلك التراث عمره مئات السنين. وتحرص صيدا على تعـــزيزه وعدم انقراضه بالرغم من انتشار المسحراتي الآلــــي عبر الكاسيت خارج صيدا القديمة، أو عبر مكبـــرات الصوت، التي تثبت على الســـيارات وتستخدم لإيقاظ الصائمين في حارة صيدا، والقياعة، والهلالية، ومجدليون، وغيرها.
ومن عادات رمضان في صيدا إطلاق مدفع الإفطار، ومدفــــع الإمـــساك من قـــبل الجيش اللبناني، من موقعه في تلة مالياس في حارة صيدا. وتؤكد المدينة حرصـــها على ذلك التقليد التاريخي، حيث كــان ذلك المدفع صلة الوصل مع النــاس لإبلاغهم بثبوت رؤية الهلال.

السابق
ثغرات قانونية..تتضارب والأدلّة الظرفية
التالي
لماذا غادر خالد صاغية الأخبار ؟