قرار.. واجترار

لم يحمل القرار الاتهامي أي شيء غير متوقـّع، وحملة قوى "14 آذار" التي تعاملت مع القرار على أنه حكم مبرم، بما في ذلك تصريح سعد الحريري، جاءت جميعها لتؤكد أن ما يجري تنفيذه، هو كناية عن مخطط سياسي، يستكمل حلقات استهداف المقاومة اللبنانية.

الدلالة الأولى في توقيت نشر النص هي ملامح الفشل لخطة استهداف سورية، بحيث أعيد تحريك المحكمة عبر الإعلان عن القرار، وشنت الحملة ضد حزب الله، بناء على حقيقة أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي نجحت في الإقلاع، ومباشرة العمل على تحريك عجلة الدولة، والتعامل مع أولويات الناس، بينما ظهر من النقاشات والتباينات داخل الحكومة وفي المجلس النيابي، بطلان الأكاذيب التي أطلقتها قوى "14 آذار" بعد تشكيل الحكومة، التي وصفت بأنها حكومة حزب الله، والانتقال إلى استعمال القرار الاتهامي والمحكمة جاء دليلاً على سقوط خطة استهداف سورية، حيث اعترفت هيلاري كلينتون بالعجز الدولي عن القيام بأي عمل عدائي ضد سورية من النوع الذي يراهن عليه المعارضون السوريون، بعد نجاح الجيش العربي السوري في بسط سلطة الدولة، وإنهاء البؤر للتمرد المسلح والإرهاب التكفيري عن الأرض السورية، في حين يشير التوتّر والإرباك السائدان في المواقف التركية، إلى صحة الاستنتاج القائل بأن تركيا لا تستطيع تخطي الحدود الكلامية للتصعيد ضد سورية المحصّنة بتحالفات ومعادلات دولية وإقليمية، ركيزتها منظومة المقاومة التي شدد الرئيس بشار الأسد على التمسك بها، في إطار تعبيره عن صلابة الالتزام بهوية سورية القومية، ودورها العربي، بينما جدد تأكيد السير في الإصلاحات بناء على إرادة الشعب السوري، ولخدمة تطلعاته، وفي سياق التصدي للمخططات الأجنبية.

إن العودة إلى استهداف المقاومة بموجة تصعيد جديدة، بواسطة أداة المحكمة تحكمها مركبات العجز الأجنبي، التي تحيط بالموضوع السوري، فكل من الولايات المتحدة و"إسرائيل" والمعسكر الغربي برمته منشغلون بأزمات كبيرة اقتصادية واجتماعية التي تستغرق إمكاناتهم أزمة العجز عن النيل من قوى المقاومة في المنطقة، وعن شن حروب جديدة توهم خصوم المقاومة أنها ممكنة، كما توهموا قرب سقوط سورية، وفقاً لوعود جيفري فيلتمان.

القرار الذي أصدره بيلمار، وكما وصفه السيد حسن نصرالله، جاء بمثابة اجترار منسوخ لما نشر في وسائل الإعلام قبل سنوات، وقد عرض لسيناريو افتراضي عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبنى على موضوع الاتصالات المطعون بموضوعية الارتكاز عليها بعدما تكشف من وقائع وقرائن عن سيطرة "إسرائيل" على شبكات الاتصالات في لبنان، علماً أن الخبراء الحقوقيين يطعنون أصلاً في منهجية بناء القرار على ما يسميه بلمار الأدلة الظرفية، التي تستخدم لإسناد القرائن الصلبة والاعترافات وشهادات الشهود في أي تحريك قضائي عادي، وتلك هي أصول متعارف عليها في القانون الدولي، يخالفها بلمار ويقلبها رأساً على عقب، كما يبني استنتاجات من تجميع الأدلة الظرفية ليصل إلى سيناريو افتراضي ليس فيه دليل واحد تعترف به المحاكم الطبيعية

توقيت نشر القرار ومضمونه المنقول عبر الصحف ووسائل الإعلام وتحريك جوقة الاتهام التي انطلقت بعد وقوع الاغتيال في العام 2005 مباشرة، بما سمي حملة الاتهام السياسي، جميعها قرائن تقود إلى الاستنتاج بأن ما نشرته المحكمة هو فصل من خطة سياسية لاستهداف المقاومة، بعدما تبينت ميدانياً وسياسياً قدرة سندها السوري على الثبات والصمود وتخييب أوهام المنتظرين في قصر قريطم، أو في باريس، أو في أمانة "14 آذار" وغيرها من المواقع، التي عاشت في الأشهر الماضية حالة من الترقب لأخبار لم ولن تأتي من دمشق، فجرى الانتقال من جديد إلى استهداف المقاومة على الطريقة التي درجت عليها خطة جيفري فيلتمان منذ صدور القرار 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري.

السابق
فليسقط محمود عباس
التالي
تساؤل ؟