“الغالبون”.. يبكي المقاومين

بعيداً عن السجال الدائر حول مسلسل «الغالبون»، سواء لجهة تاريخ المقاومة أو القصة أو حتى الإخراج، تتابع فئة كبيرة من الجنوبيين من مناصري المقاومة، وخصوصاً من جيلها الأوّل، المسلسل بحنين ملحوظ إلى أيام جميلة رغم قساوتها

لا تنتهي حلقة من مسلسل «الغالبون» على قناة المنار، إلا وتليها حلقات من «الغالبون الحقيقيون» يرويها أهالي القرى الجنوبية. مقاومون من الجيل الأول والحالي، أبناء القرى الحدودية الذين عاشوا الاحتلال، وأمهات شهداء. كلّهم يتابعون المسلسل، لكلّ منهم طقس في مشاهدته، ولكلّ منهم ملاحظاته وحكاياته التي يعود ويرويها تتمة لقصة شهيد أو عملية أو عميل. إلا أن شيئاً واحداً يجمعهم: حنين إلى أيام خلت. أيام كانت فيه بيوت الجنوب أفقية، أشجاره أكثره، عدد سياراته أقلّ، ولا سيما «الرانجات» التي لا يبدو الشيخ راغب حرب في أيّ منها.

هي أيام البساطة والروحانية. أيام كان فيها المقاومون يعملون في مطعم ليؤمنوا أجرة تاكسي يوصلهم إلى السيد عباس الموسوي ليلتحقوا بالمقاومة. أيام حقيقية يجزم حسين الذي لا يفوّت حلقة من المسلسل، ويعترف: «ما في حلقة مرقت منه إلا وبكيت فيها». المقاوم الذي التحق بأولى دورات المقاومة الإسلامية مطلع الثمانينيات يؤكد صحة كلّ ما شاهده إلى الآن، حتى إنه غالباً ما يستبق أحداثه ويروح يحكي لأولاده ما سيحصل «أخبرت أولادي مسبقاً لماذا لم تنجح استخارة الاستشهادي أحمد قصير، وما هو السرّ في أن تنجح بعد أن تمطر لكي يدخل الجنود كلّهم إلى المقرّ فتتسبب العملية بخسائر أكبر». يتذكر أنه كان في دورة عندما استشهد أحمد قصير «وقرأنا له الكثير من الفواتح». يعيد المسلسل حسين إلى بداياته في العمل المقاوم. هو الذي يجد نفسه مزيجاً من علي وفارس لأنه كان يهرّب السلاح من جهة، ونجح في إقناع البعض بأنه عميل من جهة ثانية «حتى بيي شك فيي مرة» يقول. لذلك يؤكد أن المسلسل يحكي أحداثاً حقيقية.

«كل ما ورد صحيح. قصة خلدة صحيحة 100% والأسماء معروفة. أن يخطفوا الشباب ويعذّبوهم ليتأكدوا من ولائهم، هذا صحيح. وهناك شخص الآن من الصف الأول في حزب الله تعرّض لهذه التجربة، لكن هناك مبالغة في التعذيب». وهنا يتذكر أنه تعرّض مرة للهجوم بالرصاص الحيّ خلال مخيّم للتدريب «هجموا علينا وكانوا قد تأكدوا من إفراغ جعبنا من الرصاص، كما اتفقوا مع أحدنا على أن يمثل أنه استشهد». حتى على مستوى السرية بين الأصدقاء «هذا الأمر صحيح».

أحمد، مقاوم من الجيل الأول أيضأً، سعيد لأن المسلسل أضاء على تجربة الشيخ راغب الذي يعدّه السيّد حسن نصر الله «رمزاً لتلك المرحلة». هو «ناطر» كيف سيحكي المسلسل قصة اعتقال الشيخ راغب. «أنا عشتها شخصياً في جبشيت وكنت يوم الإفراج عنه». يضحك وهو يتذكر أنه عندما رغب في الذهاب إلى جبشيت للمشاركة في الاعتصام الشعبي الذي كان ينظّم في البلدة بعد اعتقال الشيخ لم يكن يملك ثمن البنزين «تبرّع لي أحد الإخوة بثمنه». دليل إضافي على صدق أحداث المسلسل وما يدور فيه، وخصوصاً طيبة الشيخ راغب «وكلّ ما يحاول المسلسل أن يظهره من طيبة هذا الرجل وقربه من الناس أقلّ بكثير من حقه». ينتظر ليرى إن كان المسلسل سيعرض كيف سيسلّم الشيخ على المصلّين بعد الإفراج عنه «كان الحشد رهيباً، قال لنا الشاب في الجامع أنتم لا تتحركوا والشيخ آت ليسلّم عليكم».

خديجة حرز، المقاومة ووالدة الشهيد حسن تحرص على متابعته، لكنها لا تقوى على رؤية كلّ المشاهد، وخصوصاً تلك التي تعرض لأهالي الشهداء. من خلال متابعتها للمسلسل تستعيد خديجة فصولاً من تاريخ المقاومة، تتذكر أمور التخطيط ونقل السلاح. تبتسم وهي تستعيد بعض نقاشات حلقة الليلة الماضية: كيف كانوا يخططون للتحايل على العملاء، عندما قال له اترك السيارة ليراها العميل فيعتقد أنك لا تزال في البيت واخرج أنت من الباب الخلفي. أو عندما قال له «السلاح صار هونيك»، أي إن المهمة أنجزت. نقول: «هيدي أشيا كنا نعملها»، مؤكدة دور النساء في العمل المقاوم «صحيح النساء كنّ يقمن بالرصد أكثر لأن المقاومة كانت تحرص على أن لا تقوم النساء بعمل يعرضهن للاعتقال، إلا أني كنت أعرف سيدة ترتدي العباءة وكانت تنقل السلاح».

وإذا كان كلّ من أحمد، حسين وخديجة يحكي عن حالة خاصة، فإن سارة تصف حالة بلدة تخلو شوارعها من المارة عندما يبدأ المسلسل. ابنة دير قانون النهر، قرية الاستشهادي أحمد قصير، تتابع المسلسل بحنين «كأنهم ينتظرون كلمة «أحمد قصير» أو «دير قانون النهر». تصف كيف يتجمع أهل الضيعة ليحكوا تتمة القصص التي يعرفونها عما ورد ذكره من قصص في المسلسل، وخصوصاً من أحداث لها علاقة بعملية أحمد قصير وأيامه الأخيرة. سمعتهم يقولون إن هناك من رآه قبل ساعات من استشهاده يعطي مالاً لأحدهم. تقسّم سارة الأجيال التي تتابع المسلسل إلى ثلاثة: «الأطفال المبهورون بالمقاومة، الكبار الذين يحنّون إلى الماضي، والشباب الذين دخلوا في الجدل وراحوا ينتقدون الفن والكادر والقصة..
والتاريخ. وتلاحظ أن الكبار هم الذين يعلّقون أكثر على الأحداث: «إيه مظبوط هيك صار. هني عاشوا هيدي التفاصيل خاصة إنو أكثر أحداثو صارت عنا»، لكنها تجزم بأن المسلسل نجح في استقطاب جمهور كبير، والرسالة وصلت بقوة، أقلّه إلى الأوساط الشعبية.

زهراء ابنة قرية حدودية تشاهد المسلسل وتبكي. «عندما تقدّم أحمد قصير بسيارته إلى المبنى بكيت. عندما ودّع رفيقه بكيت». تؤكد أن هذا المسلسل كان ضرورة «كنا نحتاج إلى من يحكي قصتنا. لم نشاهد يوماً دراما تحكي عنا وتؤرّخ لشيء يعنينا. ربما نحتاج أيضأً إلى أن نرى أنفسنا، أين كنا وكيف أصبحنا».

النقد لا يمنع التفاعل

لا يرفض كلّ من سألناهم رأيهم في المسلسل النقد الذي قد يوجه إليه من الناحية الفنية، بل هم أيضاً لديهم ما يدلون بهم على هذا الصعيد. منهم من ينتقد السيناريو، ومنهم من ينتقد اللكنة الجنوبية المبالغ بها، ومنهم من ينتقد بعض الكادرات، إلا أنهم يتفقون على فكرة واحدة: نحن مستعدون للدفاع عن المسلسل لأن النقد النخبوي ليس مقياساً لتفاعلنا معه. يعنينا ما وصلنا منه، صحيح أنه كان يمكن أن يكون أفضل بكثير، ونحن نعرف أن هذا العمل تأخر كثيراً، لكننا انتظرناه طويلاً، لذلك نحن مكتفون به وسعداء.

السابق
السيد فضل الله: القرار الاتهامي يؤكد الحاجة لتلاقي القيادات ودراسة المخاطر المترتبة عنه
التالي
نبوءة سائق بريطاني