عدالة…

لا تضير العدالة في شيء، المواقف السابقة والراهنة واللاحقة المناهضة للمحكمة الدولية، وسعيها في عملها بدأب أكيد لا تشوبه شائبة التراخي أو التخاذل أمام ضخّ تشويهي إفترائي عزّ نظيره.
ولا يضير أهل العدالة في شيء، تلقف وقائع وحيثيّات ما جرى في ذلك الرابع عشر من شباط 2005، وقبله في الطريق التمهيدي والتحضيري له، على دفعات وبأقسى قدر ممكن من المهنيّة والاحتراف وطول البال. فالمهم في بداية المطاف ونهايته، الوصول إلى نتيجة تساعد حُكماً، في إسدال الستار على ذلك النوع من الإجرام السياسي، وذلك النوع من الافتراض الكئيب بأنّ العدالة في بلادنا ليست (ولم تكن) إلاّ وليدة معطيات سياسية مطّاطة، وليست نتيجة تلقائية وطبيعية لمبدأ المحاسبة، وما يصطلح على وصفه بذلك الشعار الفخم والرنّان "منع الإفلات من العقاب".
وليست المحكمة الخاصة بلبنان بهذا المعنى إلاّ استثناءً في التاريخ العربي واللبناني. غريبة في مناخ معادٍ، ثقافي قبل أن يكون سياسياً. يضرب بعمق في تراث إلغاء الآخر المختلف.. ذلك التراث المعشعش والغارز جذوره عميقاً في وعي (ولا وعي) جمهور عريض، يفترض دائماً أنّ النقائض معادية للطبيعة الأولى. وانّ "الانسجام" السياسي والثقافي والديني (والآن المذهبي) شرط أكيد لبناء مقوّمات قوّة لا بد منها.. وأنّ النظريات المخبولة الخاصة بالجدال والنقاش وإتاحة المجال أمام مكرمة التسامح مع الغير، لا تعني إلاّ ضعفاً محقّقاً لا يجوز إشهاره وتبيانه في "المراحل المصيريّة"!

.. وفي تتمة ذلك المناخ، يمكن الافتراض براحة ضمير، أنّ الانتكاسة التاريخية لمبادئ الحرّية والديموقراطية بمعناها المؤسّساتي في المناطق العربية، لم تكن انتكاسة غريبة وطارئة، بل هي أليفة إلفة مناخ الإقصاء والإلغاء المصاحبَين لانتعاش العصب الانتمائي الخاص، وفوران الطبائع "الأولى" التي تعني شيئاً واحداً: تعطيل العقل وإنعاش الغرائز.

غريبة إلى حدود نائية وقصيّة، قصّة المحاكم التي تُعنى بالجرائم السياسية المرادفة للتاريخ الوطني الحديث لبلادنا.. حيث هناك محكمة طوارئ دائمة، يديرها شخص أو أشخاص، حزب أو تنظيم، أو عسكر إنقلابي، أو عصبة نخبوية شاطرة بالتآمر وأحكامها لا تُردّ: في النزاع على السلطة أو في الطريق إلى "تحرير الأمّة" من الاحتلال الخارجي والتخلّف المديد، لا مجال لاستئناف وشورى ونقاش ومرافعات. بل قرارات لا نقاش فيها. العبوة كفيلة باستبدال كل ذلك الصخب المضجر. والرصاصة كفيلة بإكمال القصاص، ومنع الراكبين الطارئين على قطار "مجد الأمّة" و"عزّتها" و"كرامتها" من تعطيل وصوله إلى هدفه الأعلى من سدرة المنتهى!

سيمر وقت، قبل أن تستوعب دنيانا، كل المعاني الخاصة بقيام محكمة تبحث عن الحقيقة في الجرائم السياسية، وتوصل إلى عدالة لا تلوّنها أي اعتبارات من خارج النص.. علماً أنّ أوّل الكلام يختصر كل النهايات والحكايات: ما كانت لتقوم محكمة "دولية"، لو لم تكن العدالة في اللغة العربية "الراهنة"، تعني كل شيء إلا إسمها!

.. ومن ثمّ، صباح الخير سيدي الرئيس الشهيد، وأنت الذي أنت: مشوارنا الدائم إلى الغد، وعنوان انتقالنا من شريعة الغاب إلى غابة الشريعة، حيث الحق سلطان، والعدالة سمة حياة.. وحيث الجريمة لا تُبني أمجاداً، بل تحطّم ما قام منها، على ندرته

السابق
مهرجان الحمراء ـ مرايا 2011 ينطلق يوم العيد
التالي
ارتفاع ضغط الدم .. سببه فيروس