الدفاع من خارج المحكمة بات أكثر صعوبة

حين عرض الرئيس سعد الحريري على الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في تموز من العام الماضي معلوماته عن القرار الاتهامي في قضية اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري "وكان حريصا كل الحرص على الاستعداد للتعاون لحماية البلد" وفق ما وصف السيد نصرالله ابلاغه من الحريري "باتهام عناصر من "حزب الله" غير منضبطين"، اعتبرت مصادر ديبلوماسية عدة في بيروت ان كشف السيد نصرالله هذا الامر واطاحته استهدف امرين: الاول انه شكل من جهة طعنة للحريري من خلال محاولة اظهاره كمن يسعى الى الالتفاف على المحكمة الدولية والثاني تسبب في أخذ لبنان الى مرحلة اضطراب طويلة لا يزال يعاني منها. ومع نشر اجزاء القرار الاتهامي كرر الحريري دعوته الحزب الى فك ارتباطه بالمتهمين. اذ ان القرار أشار الى ارتباط هؤلاء بالحزب "بغضّ النظر عما اذا كان الاعتداء لحسابه ام لا" وفق ما جاء فيه.

ومع ان الحزب قد يكون ضامناً استمرار اقتناع مناصريه ومؤيديه بالمنطق الذي قدمه خلال العامين الماضيين في موضوع مواجهته للمحكمة، الا ان مصادر معنية تعتقد ان الحزب سيكون في مواجهة تحديات من نوع مختلف. اذ ان التفاصيل التي أجيز نشر البعض منها تظهر ان المحكمة مهنية وليست سياسية حتى لو كان انشاؤها تم بقرار سياسي في مجلس الامن وعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري سياسية ايضا. وهذه التفاصيل تقوم على وقائع واثباتات علمية غير سياسية لا يمكن دحضها بتجاهلها كما لا يمكن دحضها بالمواقف السياسية والاعلامية التي يمكن ان تقنع القسم الاكبر من اللبنانيين او الخارج.

ففي هذه المرحلة التي باتت عليها الامور فان الرد يكون بوقائع واثباتات دامغة أخرى مناقضة بعيدة من السياسة التي اعتمدها الحزب حتى الآن في الرد على القرار الاتهامي. وقد يكون من الصعب إقناع الرأي العام المحلي او الخارجي بعدم اعتماد مبدأ الدفاع عن الاتهام أمام المحكمة وليس خارجها على نحو لم يظهر نجاعته بحيث أدى مثلاً الى إطاحة المحكمة او الى إطاحة الاتهام او تقديم معطيات تساهم في ان تقود الى متهمين آخرين محتملين. اذ ان التحدي الذي أقامه سابقاً الامين العام للحزب بالرد اعلامياً وسياسياً على المحكمة لن يجد سياقه الطبيعي لأن الامور تخطت هذه المرحلة. ومجرد الرد بوقائع تدحض وقائع المحكمة واثباتاتها إعلامياً من جانب الحزب وعلى نحو متواصل يضعه في الواجهة مجدداً علماً ان تفاصيل القرار الموزعة حتى الآن تنزع من يده ورقة استخدمها طويلاً تفيد باستهدافه دولياً ووجود مؤامرة ضده في هذا الاطار. فهذا لم يرد حتى الآن علماً ان القرار لم يحدد بعد من أعطى الأوامر ومن يقف وراء عملية الاغتيال وما هي أهدافها.

وهناك نقطة أخرى لا يمكن الاستهانة بها وهي ان شركاء الحزب في الوطن من الطوائف الأخرى لم يوجهوا اليه أصابع الاتهام لا بصفة سياسية او بصفة حزبية او شخصية تاركين مساحة للمصالحة ولرأب الصدع في حين تعتبر هذه المصادر ان تبني الحزب المتهمين ورفض تسليمهم يضعه في مواجهة جملة عناصر ليس أقلها في موقع المعرقل للعدالة استناداً الى ما صرح به الأمين العام للحزب وكذلك مسؤولون آخرون في الحزب. وهو أمر يمكن ان يتسبب بمشكلات للحزب في الداخل الى جانب المشكلات التي تواجهها الحكومة لجهة التماهي الذي أقامه الحزب بينه وبين المتهمين. فليس هناك من قد يذهب الى المطالبة باعتماد الأسلوب نفسه الذي اعتمد زمن الوصاية السورية حين قادت الاتهامات التي طالت "القوات اللبنانية" آنذاك بذريعة تفجير كنيسة سيدة النجاة على نحو متسرع ومقصود الى حل الحزب قبل المحاكمة وإثبات التهمة.

كما ان النية التصالحية لا تزال موجودة لدى الطرف الذي سقط منه ضحايا اغتيالات.
لكن هذا التماهي سيرسم علامات شك كبيرة إضافية لدى اللبنانيين وسيضع الحزب على الارجح أمام مواجهة الخارج على قاعدة مختلفة أولاً في ظل رفضه التعاون مع المحكمة ثم في ظل التماهي بين المتهمين والحزب وعدم الفصل بينه وبينهم بما يمكن ان يعنيه ذلك على صعد متعددة ومن ثم تعطيله تعاون الحكومة مع المحكمة على هذا الاساس.

السابق
الاخبار: ميقاتي ـ باسيل: اتفاق قبل الأربعاء
التالي
القرار..استنتاجات وأدلة ظرفية لا مباشرة