هل تؤدي مناورة عباس لانتفاضة ثالثة ؟

على مدى الشهور الأربعة الماضية وضع محمود عباس نفسه في حفرة عميقة في الضفة الغربية. وسيحاول الشهر القادم تفجير نفسه بما يأمل أن يكون تفجيرا تحت السيطرة من المظاهرات الجماعية الفلسطينية التي – بحسب اعتقاده – لن تنقلب ضده أو تخرج عن السيطرة.

ربما تفشل محاولة الرئيس عباس اليائسة، وربما يعمد إلى إلغائها في اللحظة الأخيرة، وربما تكون أيضا مفجرا لثورة عنيفة أخرى في الشرق الأوسط، تلك التي تغير مسار ما يعرف باسم الربيع العربي.
تعود جذور الحفرة التي وضع عباس نفسه فيها إلى أبريل (نيسان)، عندما فشلت إدارة أوباما في سعيها لتقديم تنازلات سعت للحصول عليها من إسرائيل، مما دفع عباس (76 عاما) إلى انتهاج مسار مخالف تماما، عقد خلاله مصالحة مع حماس، ثم سعى إلى الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة.

خلال الأسابيع التالية بدأ يتضح رويدا رويدا أن عباس ومساعديه فشلوا في دراسة الأمر على النحو الكافي. فالاعتراف بالدولة في الأمم المتحدة يمكن أن يرفض من قبل الولايات المتحدة، وتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف بفلسطين كدولة «غير عضو» يمكن تمريره، لكنه قد يجذب أصواتا سلبية مدمرة من واشنطن والكثير من دول أوروبا. فإصرار عباس على مبادرة الأمم المتحدة أو تشكيل حكومة مشتركة مع حماس سيدفع الكونغرس إلى قطع المعونات الأميركية التي تصل إلى 500 مليون دولار سنويا، وهو ما سيؤدي بدوره إلى أزمة اقتصادية عاجلة في الضفة الغربية التي تتمتع بوفرة ازدهار نادرة.

الطامة الكبرى هي أن مبادرة الدولة الكبرى لن تسفر عن حل عملي للمواطنين الفلسطينيين، عدا فقد وظائفهم. ولن يكون هناك انسحاب إسرائيلي، ولن يتوقف التوسع في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. ومن ثم فلا عجب في تنامي معارضة خطة عباس في الداخل. فلم ترفض المبادرة فقط الإدارة الأميركية، بل عارضتها الحكومة الأردنية وحماس ورئيس وزراء عباس ذاته الذي أعلن أنهم يعتبرون مبادرته مجازفة.

ومن ثم طرح عباس دعوته الأولى الشهر الماضي في رام الله، يطالب فيها بتحرك جماعي منظم ومنسق في كل مكان، ليصاحب تصويت الأمم المتحدة. وتعتمد الفكرة على قيام مسيرات ضخمة، على غرار مسيرات الربيع العربي في رام الله ومدن الضفة الغربية الأخرى، تبدأ في أوائل سبتمبر (أيلول) المقبل وتصل إلى ذروتها في 21 من الشهر نفسه.

من الناحية النظرية، سيحرك هذا الدول للتصويت للدولة الفلسطينية، ويجعل إسرائيل تبدو منعزلة، ويجذب انتباه القنوات الفضائية العربية، ويخلق وهما مضللا بالانتصار عندما تدفع أصوات دول العالم الثالث قرار الجمعية العامة بلا معنى إلى السطح.
البديل هو كشف عجز عباس، فيقول مسؤول إسرائيلي مشترك في الإعداد لسبتمبر «مشكلة عباس أنه سيشعر بالحرج إذا ما صوتت الأمم المتحدة على القرار ولم يحدث شيء على الأرض. ولذا فهو يخطط للقفز على ظهر النمر. لكن المشكلة أنه إذا ما فقد السيطرة على النمر فهو هالك لا محالة».

يقول الفلسطينيون إن لديهم خطة لذلك، فستتم حماية المظاهرات بشكل جيد، وستقتصر على مدن الضفة الغربية فقط بعيدا عن الجنود والمستوطنين الإسرائيليين. ويدرك المسؤولون المحيطون بعباس أنه إذا ما تحولت المظاهرات إلى انتفاضة ثالثة فسيكونون هم الطرف الخاسر، وسيبعدون عن السلطة من قبل قادة أكثر ميلا إلى السلاح.
إن إسرائيل تعلم أيضا أن لديها الكثير على المحك، فيقول أحد المسؤولين الإسرائيليين الذين تحدثت معهم، والذي أشار أيضا إلى أن الجيش الإسرائيلي يجري استعدادات مكثفة تهدف إلى تجنب المصادمات العنيفة «عشر جثث يمكن أن تغير الشرق الأوسط».

ليس من الصعب تخيل ما قد يحدث في الانتفاضة الثالثة، فقد يجد بشار الأسد ومعمر القذافي في تركيز الاهتمام العربي على النزاع العربي الإسرائيلي ملاذا لهما. وربما يدفع ذلك سوريا وإيران إلى تنظيم مسيرات على الحدود الإسرائيلية من مرتفعات الجولان ولبنان. وقد يستغل المتطرفون في مصر هذا الغضب تجاه إسرائيل لنيل الدعم في الانتخابات الحاسمة التي أعلن عن إجرائها في نوفمبر (تشرين الثاني).. وهكذا. كانت الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية وحكومة اليمين الإسرائيلي تحاول التوصل إلى مبادرة دبلوماسية تعطي عباس سببا لإلغاء خطته، منها على سبيل المثال قرار عن مجلس الأمن يحدد شروط الدولة الفلسطينية ويحث على استئناف المفاوضات. لكن هذه الجهود افتقرت إلى القوة وتبدو احتمالات نجاحها الآن غير متوقعة، على الرغم من التوقعات بمجازفة سياسية في سبتمبر.

إذا ما كان هناك شيء يوقف عباس فهو الفلسطينيون أنفسهم. وقد أظهر استطلاع الرأي الأخير أن ثلثي الفلسطينيين يعارضون اندلاع انتفاضة ثالثة، و14 في المائة فقط قالوا إنهم سيشاركون فيها. وإذا ما كان العالم محظوظا فسوف تتحول خطة تفجير سبتمبر إلى مجرد فشل فلسطيني آخر.

السابق
إحراق كابلات النحاس آخر الفنون الإجرامية في بيئة الجنوب
التالي
الرجل الحامل يستعيد رشاقته بعد الولادة