تبغ رمضان: مزارعو الصوم الشاقّ والتعب المضاعف

 سهرات شهر رمضان الجميلة، حول موائد الفواكه والحلويات وطعام الصحور والأركيلة، أو انتشار الناس في المقاهي والساحات العامة، والنوم والنهوض المتأخري.. لا مكان لكل هذا عند مزارعي التبغ في قرى عيترون وبليدا وعيتا الشعب وتولين وغيرها، حيث يجهد معظم الأبناء على زراعة شتول التبغ كوسيلة فريدة للعيش بكرامة. فلا وقت لهؤلاء للراحة، والخروج من أماكن العمل في غرف أرضية داخل منازلهم، تلك المخصّصة لجمع أوراق التبغ وشكّها وتوضيبها، أو في الحقول المزروعة تبغاً التي يقصدها المزارعون عند طلوع الضوء يومياً لقطاف الأوراق الخضراء قبل أن تزداد حدّة حرارة الشمس.
فتزامن شهر رمضان مع موسم قطاف وشكّ وتوضيب شتول التبغ المرّة يزيد من مرارة شتلة التبغ و"أجر" الصيام ومشقته التي لا تضاهيها مشقّة، خلال أكثر من 16 ساعة عمل متواصلة، بدون طعام أو شراب، تقوم بها كلّ ربّة منزل أو صبية مع رجالهن وأطفالهنّ الذين لم يبلغوا الحلم بعد.
"الصائم الذي لا يعمل في زراعة التبغ، يستطيع تدبّر أمره، بالسهر الطويل والنوم الى ساعات متأخرة، أو النوم في ساعات النهار الحارّة الطويلة، وقصد المساجد المبرّدة لقراءة الدعاء والقرآن وحضور المسلسلات التفزيونية الرمضانية، أما نحن فلا بدّ لنا من انجاز عملنا الشاق الطويل، الذي يتضاعف في شهر رمضان عندما يحلّ في مثل هذه الأيام"، تقول أم علي بيضون، من بلدة بليدا، وهي تحاول انهاء "الطرد" الأخير لهذا اليوم من أوراق التبغ، مع بناتها الصغيرات، والعرق يتصبّب من وجهها، دون أن تستطيع الخلود الى النوم لتحلم بكأس من المياه: "فلا وقت لديّ، أنهض كلّ يوم في الثالثة صباحاً لأعدّ طعام الصحور لزوجي وأولادي، وبعد صلاة الفجر، نذهب الى الحقل لقطاف ما تيسّر من اوراق التبغ، والعودة الى هذا المكان الصغير (غرفة في أسفل المنزل) لبدء العمل في الشكّ والتوضيب وجمع الأوراق اليابسة في الطرود بعد رصّها في اللفائف المخصصة لها".
من الثالثة، قبل طلوع الفجر، الى الرابعة عصراً، يتوقف عمل أم علي بيضون مع أوراق التبغ، لتسرع، كما تقول، لاعداد طعام الفطور لأسرتها: "فلا وقت للراحة، لأنّ الطبخ في رمضان يحتاج الى عناية ووقت لإطعام أسرة صائمة من 7 أفراد. أضف أنّ زوجي يعود متأخراً من عمله المضني وأولادي يعملون معي في القطاف والشك وعلينا جميعاً أن نأكل جيداً للبدء بنهار عمل آخر".
4 دونمات تزرعها أم علي مع زوجها وأولادها، في عمل يحتاج الى مجهود أكثر من سنة كاملة، وكل ما تجنيه من هذه الزراعة لا يزيد عن 5 ملايين ليرة، محسوم منها بدلات ايجار الأرض والفلاحة وثمن المياه والأسمدة والأدوات المختلفة.: "المشكلة في انه لا بديل عن هذا العمل، فمنذ استقلال البلد لم تفعل الدولة ونواب الشعب شيئا لتأمين عمل بديل لنا يقينا من هذا العذاب ومن العوز والحاجة".
حال أم علي كحال معظم نساء عيترون وعيتا الشعب وتولين .. فزينب عواضة، من عيترون، تنهض في الثالثة صباحاً أيضا، تعدّ طعام السحور، وتذهب الى عملها بعد صلاة الصبح، ثم تعود الى مطبخها عصراً. زوجها بسام توبة يئنّ من تعب زوجته: "كيف لها أن ترتاح، ولا بديل لنا عن هذا العمل، في الوقت الذي نرى البعض ينهض من نومه قبل صلاة الظهر، ليعود الى النوم بعد ساعات قليلة بانتظار طعام الفطور"، ويبيّن أن "معظم أبناء بلدتي الذين يزرعون عشرات الدونمات، يعانون هذه المعاناة ولم نرَ مسؤولاً يبحث عن عمل بديل لنا"، لكن رغم ذلك فزينب عواضة يؤنسها تجمّع أولادها قربها: "عندما يتبادلون الأحاديث الجميلة، ليس حول موائد الملذّات، بل حول تجمّع اوراق التبغ التي لا تنتهي حتى يأتي بديلاً عنها".
واللاّفت، والأمرّ من مرارة التبغ هذا العام، هو المرض الذي أصاب الشتول: الماليدو. وتسبب به الهطول المتأخر للأمطار، والذي أدى الى القضاء على نحو ثلث الموسم، ما زاد الطين بلّة. وفي هذا الاطار يقول رئيس بلدية عيترون سليم مراد إنّ "هذا المرض أصاب الحقل والشتول معاً، والأوراق الخضراء تصبح صفراء سهلة اليباس، كما تصاب بزغب رمادي يؤثر على جودتها، وأكثر من 1100 مزارع تبغ في عيترون تضرّروا بسبب ذلك".
 

السابق
الشرق الأوسط: قوات الأسد تقصف مخيمات الفلسطينيين في اللاذقية
التالي
حسن جوني: أنا الطفل الذي استبدل بالرَّسم كلَّ أحلامه