العودة الى مباي

 على أثر الدعوة الى العودة الى سياسة مباي الاجتماعية يجدر بنا أن نُذكر بما كانت عليه هذه السياسة، باعتبارها تصورا اجتماعيا لبناء أمة.
أيد مباي وجود اقتصاد تعددي يعمل فيه جنبا الى جنب المال الخاص وقطاع العمال والحكومة. وفي العمل الاقتصادي الاجتماعي وجهه تصور اشتراكي – ديمقراطي يميز مجتمعا يُبنى من الأساس، أراد أن يحقق قيما اجتماعية متقدمة.
رأى مباي أن الدولة مسؤولة عن تطوير أبناء المجتمع الاقتصادي والاجتماعي، ومسؤولة قبل كل شيء عن تطوير الطبقات الضعيفة فيه، وأن عليها ان تعمل على مضاءلة الفروق الاقتصادية والاجتماعية، وكانت أدوات احراز هذه الاهداف هي انشاء اماكن عمل، وتطوير جهاز التربية عامة والدراسات العليا خاصة وجعلهما قريبي المتناول للسكان الضعفاء، ومنح سقف يؤويهم.
إن الحزب الذي قاد الدولة في سنيها الاولى رأى البطالة مفسدة اخلاقية واجتماعية وضررا اقتصاديا – بالفرد وبالاقتصاد ايضا. فقاد سياسة انشاء مصادر عمل تم التعبير عنها بتجنيد المستثمرين وتشجيع الاستثمارات في مناطق التطوير وفي فروع جديدة، وتقديم المشروعات والاعمال الاضطرارية في ايام الضائقة.
وفي مجال التربية طورت الحكومات برئاسة مباي وحزب العمل التربية فوق الابتدائية في بلدات التطوير وفي الأحياء بانشاء عشرات من المدارس الثانوية الشاملة. وعملت ايضا على تطوير الدراسات العليا وأُنشئت جامعات في تل ابيب وبئر السبع وحيفا وجامعة بار ايلان. وبدأ انشاء معاهد اقليمية الى جانبها لتطوير سكان الضواحي كما في غور الاردن وتال حاي.
والأداة الثالثة وهي الاسكان أفصحت عن نفسها ببناء عام واسع لآلاف كثيرة من الشقق كل سنة، لتخفيف ضائقة السكن بين الطوائف السكانية الضعيفة ولانشاء شروط أسهل لاستيعاب الهجرة. والى جانب ذلك سيّر مباي وحزب العمل اسرائيل نحو تأسيسها لتصبح دولة رفاه بواسطة تطوير جهاز الأمن الاجتماعي فاستعملت مخصصات الشيخوخة والاولاد والبطالة وغيرها.
الى جانب التصور العام تمتع قادة حركة العمل بقدرة على الحكم وقدرة على التنفيذ. ولنمثل على ذلك بمجال السكن الذي هو الآن قضية ملحة. في منتصف كانون الاول 1972 التقى وزير المالية بنحاس سبير مهاجرين من الاتحاد السوفييتي في معسكر الانتقال في شناو في النمسا. وقوّى الحديث معهم فيه الاعتراف بأنه يجب زيادة عدد شقق المهاجرين.
وبعد ثلاثة ايام من عودته الى البلاد قدم لتُجيزها الكنيست ميزانية مقدارها 100 مليون ليرة اسرائيلية لبناء خمسة آلاف وحدة سكنية وشراء وحدات منتقلة. والى ذلك ايضا احتشد مع عدد من المساعدين للعثور على حلول سكنية في الحال للمهاجرين. وحصل من شركة الكهرباء على قائمة الشقق التي لم تكن مربوطة بالشبكة وعُدّت خالية. والتقى مع هذه القائمة رؤساء سلطات محلية وطلب اليهم أن يهيئوا الشقق الخالية لاستيعاب المهاجرين.
هذا التوجه العملي مكّن من اعطاء حلول سكنية لأكثر من مليون ونصف مليون مهاجر جاءوا الى البلاد منذ تم انشاء الدولة الى منتصف السبعينيات.
من الواضح أن الدولة والمجتمع في اسرائيل اليوم لا يشبهان ما كانا عليه في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ومن المعلوم انه وقعت في السلطة آنذاك أخطاء اجتماعية وثقافية، واخفاقات اقتصادية واسراف بل فساد ولكن ليس الحديث عن مباي باعتباره حزبا بل عن تصور بناء المجتمع الذي ما يزال الحاجة الملحة ويحتاج لتحقيقها الى قوة اشتراكية – ليبرالية موحدة ومتزنة. 

السابق
الاحتلال يحصن مواقعه في محور الغجر العباسية
التالي
حماس تحاول سرقة العرض