عزلة النظام السوري…

لا يكشف اتساع العزلة التي يعيشها النظام السوري في هذه الفترة الا فرح هذا النظام العارم بموقف لبنان في مجلس الأمن لجهة "النأي بنفسه عن بيان المجلس الرئاسي"، واحتفاليته غير المسبوقة بزيارة وزير خارجيته عدنان منصور الى دمشق قبل أيام، ومكابرته برغم ذلك كله عبر ادعاء أن ما يحدث في سوريا منذ خمسة شهور كاملة يعود الى "عصابات مسلحة تعيث في البلد خرابا" من جهة ونتيجة "مؤامرة خارجية" من جهة أخرى.
ليس للنظام السوري علاقة مع الخارج الآن سوى مع تلك التي لا يتحدث عنها، ولا تتحدث عن نفسها، الا مواربة، خشية أن تؤثر سلبا على حليفها الاستراتيجي(ايران تحديدا)، وسوى مع الحكومة الحالية التي شكلتها في لبنان في الظروف المعروفة، وسوى مع تركيا التي قام وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو بزيارة دمشق قبل أيام فقط لتوجيه "انذار أخير" للنظام بأن ينفذ ما وعد به تكرارا والا فليرحل في خلال خمسة عشر يوما، وسوى ما بقي من "علاقة" ملتبسة مع الهند والبرازيل وجنوب افريقيا التي زار ممثلوها في مجلس الأمن عاصمة هذا البلد لابلاغها بأن قدرة هذه الدول على الدفاع عنها في المجلس باتت أقرب ما تكون الى الصفر.
أية عزلة عربية ودولية شاملة، هي عزلة النظام السوري هذه التي لا يخرقها سوى ايران ولبنان وربما كوريا الشمالية وفنزويلا أيضا؟! والتي لا يجد النظام ما يقوله عنها الا أنها تشكل تلك "المؤامرة الخارجية" عليه، والتي يرد عليها بحملة عسكرية لا توفر مدينة أو بلدة أو قرية على مساحة الأرض السورية كلها؟. بل، وماذا يمكن أن يقدم له لبنان وايران، وهما على ما هما عليه داخليا واقليميا ودوليا، لكسر جدار العزلة الذي يطوقه ويطوقهما بدورهما معه سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا على المستويين العربي والدولي؟.
واقع الحال، أن نظام دمشق يخطئ مجددا قراءة الموقفين العربي والدولي منه ومن سياساته، بالطريقة نفسها التي أساء فيها قراءة موقفيهما في العامين 2009 و2010 عندما اعتبر اليد التي مدت اليه تحت عنوان "عفا الله عما مضى" السعودي، أو عنوان "الحوار بدل المواجهة" الفرنسي والأميركي والأوروبي عموما، نوعا من الاستسلام أمام صموده وصمود حلفائه من جهة أو حتى "هزيمة كاملة(وفق تعبيره في ذلك الوقت) للمشروع الأميركي الاسرائيلي في المنطقة… أو حتى عندما قرأ الوضعين اللبناني والاقليمي خطأ كذلك في العام 2004 وظن أن في قدرته، بالرغم من المواقف اللبنانية والعربية والدولية، أن يمدد ولاية الرئيس السابق اميل لحود مع ما رافقه وتلاه من اغتيالات وأحداث أمنية وسياسية، ثم ينجو بنفسه.
ولا حاجة للاستدلال أنه، في ظل هذه القراءة الخاطئة، مارس النظام السوري سياساته على مساحة المنطقة، سواء في لبنان حيث تنكر لليد التي مدها اليه الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز والرئيس سعد الحريري وصولا الى انزلاقه الى اقالة الوزراء المحسوبين له في ما سمي "حكومة الوحدة الوطنية" وقتها، أو على صعيد تقوية علاقاته المرفوضة أساسا مع كل من ايران النووية والعراق الايراني، أو بعد ذلك كله على مستوى تعاطيه السياسي والأمني والاستخباري مع الدول العربية والعالم الخارجي.
وفي المرحلة السورية الراهنة، لا يبدو أن قراءة النظام الخاطئة هذه قد تغيرت أو تبدلت في شيء. لا في ما يتصل بمواقف السعودية والولايات المتحدة وفرنسا وأوروبا عموما، ولا في ما يتعلق بتركيا التي كانت السباقة في الانفتاح عليه في العامين2009 و2010، ثم بعد ذلك عقب انفجار الثورة الشعبية الواسعة ضده، حيث كانت لرئيس وزرائها رجب طيب أردوغان اتصال شبه يومي به داعيا اياه الى تنفيذ ما يتحدث به عن الاصلاح وليس الى اعتماد الحل الأمني الذي ينغمس فيه يوما بعد يوم منذ ذلك التاريخ.
وليس من المبالغة في شيء اعتبار أن هذا النظام يرى في "اعتدال" الموقفين العربي والدولي منه، وعدم مطالبته علنا وبعبارات صريحة بالتنحي حتى الآن، دليلا على التمسك به…ان لم يكن "لسواد عينيه"، كما يقول المثل الشعبي السوري، فرغبة منهما بسد الطريق على نظام سوري جديد لا يعرفان ماذا يكون وماذا تكون مواقفه من سوريا المستقبل(الاصلاح السياسي والاقتصادي والديموقراطية والحريات) من جهة أولى، ومن سياساتها الاقليمية والدولية من جهة ثانية.
والا، فما معنى تلك الاحتفالية الخاصة، وغير المسبوقة في العلاقات اللبنانية – السورية، بموقف لبنان "الخجول" في حد ذاته من البيان الرئاسي لمجلس الأمن الدولي حول انتهاكات النظام السوري لحقوق الانسان في سياق قمعه للتظاهرات الشعبية في دمشق وريفها وحماه وحمص ودير الزور ودرعا وغيرها ؟، بل وما معنى هذه المعزوفة السورية الايرانية الثنائية(من دون غيرهما من دول العالم) في انتقاد أسلوب تعامل الشرطة البريطانية مع المتظاهرين في لندن ومانشستر البريطانيتين في المدة الأخيرة؟.
غالب الظن أن القراءة الخاطئة لأحوال العالم، بما فيها الحال في سوريا نفسها، هي القراءة الوحيدة التي أتقنها النظام السوري في الفترة السابقة، وما زال يصر على أن لا يعرف قراءة غيرها في الفترة الحالية.
أما الدليل على ذلك، فهو الرد الذي لجأ اليه الاعلام السوري والكل يعرف مدى ارتباطه بالنظام على الخطاب المفتوح الذي وجهه الملك عبدالله بن عبد العزيز ودعا فيه النظام الى الاختيار بين الحكمة والفوضى، وكذلك على بيان مجلس التعاون الخليجي، فضلا عما يعرفه الجميع في لبنان عن مطالبة أجهزة الاعلام المؤيدة له فيه بعدم الاشارة من قريب أو بعيد الى ما يحدث في ليبيا… برغم التزام هذه الأجهزة تاريخيا قضية اخفاء الامام موسى الصدر من قبل النظام الليبي الذي يوشك على السقوط بأيدي الثورة الشعبية ضده.
فلا وجود لثورة شعبية في ليبيا، ولا ربما في اليمن ولا حتى قبلهما في تونس ومصر، لأنه ببساطة شديدة لا وجود لثورة شعبية في سوريا، بل مجرد "جرذان" و"مهلوسين" في ليبيا وفقا لما ردد العقيد معمر القذافي في الأيام الأولى للثورة، و"عصابات مسلحة" و"مؤامرة أجنبية" في سوريا كما قال الرئيس بشار الأسد وما يزال حتى الآن.
لكن السؤال، مع ذلك، يبقى السؤال التالي:
– اذا كانت القراءة الخاطئة لوضع الثورة السورية، وللوضعين الاقليمي والدولي، هي سمة النظام السوري في الفترة الحالية، فهل هي أيضا سمته في توقع ما يمكن لدولتين مثل ايران ولبنان، حليفتيه في عزلته الخانقة، أن تقدماه اليه الآن؟.
لا صعوبة في العثور على اجابة، فما يجري على الأرض في سوريا، ثم في لبنان بالذات، كفيل بذلك

السابق
شربل يتراجع ويقرّ بأنها عبوة ناسفة
التالي
منع المحاكمة عن السيد الحسيني وتركه حرّاً