معهد اسرائيلي ينتج سم الإغتيالات الصامتة !!!

إنه المعهد البيولوجي في مدينة «ريشون ليتسيون»، جنوب شرق (تل أبيب)، أكثر المنشآت الأمنية سرية في دولة الكيان، والذي يفرض الكيان الصهيوني رقابة عسكرية مشددة على كل مادة إعلامية تتعلق به، لدرجة إن وسائل الإعلام «الاسرائيلية» تستقي المعلومات بشأنه من وسائل الإعلام الغربية التي تعتمد على مصادر خاصة داخل المعهد، وفي أوقات متباعدة.
المرة الوحيدة التي سمح للإعلام «الاسرائيلي» بتناول ما يجري في المعهد، كانت أيار الماضي، عندما رفع أحد العاملين في المعهد، ويدعى أفيشاي كلاين، على إدارة المعهد، أمام إحدى المحاكم «الاسرائيلية»، حيث جاء ضمن حيثيات دعوى كلاين، قوله إنه ساهم في تطوير مرهم لوقاية الجلد من هجوم بغاز الخردل. وتبين من خلال مضمون الدعوى وردود المعهد عليها الكثير من التفاصيل اللافتة، المتعلقة بعمل المعهد ومجالات عمله.

انتاج أدوات الحرب
ويشغل هذا المعهد 300 من العلماء والفنيين، ويضم عدة أقسام، كل منها يتضمن خط انتاج محدد لإنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية. ومعظم هذه الأقسام يتخصص في انتاج المواد البيولوجية ذات الاستخدام الحربي، مثل السموم التي تستخدم في عمليات الاغتيال، حيث جرى داخل هذا القسم انتاج السم الذي استخدمته وحدة الاغتيال في الموساد المعروفة بـ «كيدون» في المحاولة الفاشلة في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عام 1997، كما كشفت عن ذلك صحيفة «هآرتس».
سلسلة مترابطة
لكن لا خلاف على ان أول استخدام لمنتوجات هذا المعهد في عمليات الإغتيال كانت أواخر عام 1977، حيث أجاز رئيس وزراء العدو الأسبق مناحيم بيغن لجهاز الموساد تصفية وديع حداد، أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذي كانت دولة الكيان تتهمه بالمسؤولية عن عدد من العمليات التي استهدفت دولة الكيان، كان آخرها اختطاف طائرة ركاب صهيونية إلى العاصمة الأوغندية «عنتيبي»، عام 1976.
وحسب ما جاء في كتاب حديث للصحافي الصهيوني أهارون كلاين فقد تبين لدولة الكيان أن حداد، الذي كان يقيم في بغداد، مولع بالشوكولاتة البلجيكية، لذا سعى الموساد لتصفية حداد عبر دس مادة بيولوجية في هذا النوع من الشوكولاتة، التي تقرر أن يقوم بنقلها مسؤول عراقي، كان عميلاً للموساد، وفي نفس الوقت تربطه علاقة بحداد. ويشير الكاتب أن هذه المادة البيولوجية أو السم قد أنتجت لأول مرة في المعهد البيولوجي.
وكانت آلية عمل السم تقوم على التأثير التدريجي في صحة حداد، بحيث لا يموت فجأة فيتم الكشف عن هوية العميل والآلية المستخدمة.
وبالفعل حدث تدهور في صحة حداد، وتم نقله إلى إحدى مستشفيات ألمانيا الشرقية، حيث جرى تشخيص مرضه بسرطان الدم، وتوفي في 28 آذار عام 1978. لكن تبين بعد 32 عاماً إن سبب الوفاة هو السم، الذي أنتج في المعهد البيولوجي. ويمكن القول أن المادة السامة التي استخدمها عملاء الموساد في حقن القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي في شباط عام 2010، وأدت إلى وفاته، قد أنتجت في هذا المعهد.

وتشير التفاصيل الجديدة التي نشرت عن المعهد أنه يضم قسماً يعنى بانتاج أمصال مضادة للسلاح البيولوجي، وتحديداً جرثومة «الإنتراكس»، التي تخشى دولة الكيان أن يقوم العرب أو تنظيمات المقاومة باستخدامها في أي مواجهة معها مستقبلاً.
انتاج الوقاية
ويعنى المعهد بتطوير القدرات الوقائية لدولة الكيان في مواجهة حروب تستخدم فيها الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، حيث إن هناك قسماً خاصاً يعنى بتطوير عقاقير تستخدم في تقليص الأضرار الناجمة عن السلاح الكيماوي. ويعمل المعهد البيولوجي بتعاون وتنسيق كاملين مع المؤسسة الأمنية ممثلة بالجيش والأجهزة الاستخبارية، ويحدّد سلم أولويات الانتاج داخل المعهد بناء على حاجة الجيش والأجهزة الاستخبارية، في ضوء صورة التقدير الاستراتيجي للمخاطر التي يستشرفونها.
ويستدل مما كشف عنه حتى الآن إن المؤسسة الأمنية الصهيونية التي وضعت في عين الاعتبار إن دولاً عربية قد تستخدم الغازات، مثل الخردل في هجوم محتمل على دولة الكيان قد أوعزت للمعهد منذ زمن بعيد بتطوير مواد كيماوية تقلص من تأثير هذا الغاز. ويمكن القول إن دولة الكيان سعت الى تطوير مضادات لغازات أخرى. ويعمل المعهد بتنسيق كامل وتام مع سلاح الطب في الجيش الصهيوني، حيث إن هذا السلاح هو المسؤول عن استيعاب منتجات المعهد وتوفيرها للوحدات العسكرية حسب الطلب. ويعمل المعهد بتنسيق تام أيضاً مع جهازي الموساد والشاباك، حيث إن هذين الجهازين هما المسؤولان بشكل أساسي عن معظم عمليات التصفية والاغتيال ضد أهداف عربية وإسلامية.
معهد متخصص
ونظراً الى أن جهازي الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» مسؤولان عن جلب المعلومات الاستخبارية، فيفترض أن يتعقبا برامج التسليح غير التقليدية لدى العرب، ومن ضمنها البيولوجي والكيماوي، وبالتالي الطلب من المعهد تطوير ردود على هذه البرامج.

ولم يقتصر دور المعهد على توفير الوسائل القتالية في شقيها البيولوجي والكيماوي، أو توفير اللقاح والعقاقير اللازمة لتقليص الأضرار الناجمة عن استخدام سلاح كيماوي أو بيولوجي من قبل العرب، بل تعداه إلى توظيف المعهد في زيادة أرصدة دول الكيان من العملات الصعبة، حيث ذكرت النسخة العبرية لموقع صحيفة " هارتس " إن الولايات المتحدة دفعت للمعهد مئات الملايين من الدولارات لتطوير لقاح ضد جرثومة "الانتراكس"، التي قامت جماعات محلية أميركية بتطويرها وشرعت في استخدامها على نطاق محدود في الولايات المتحدة. واللافت إنه قد جرّب لقاح مضاد للانتراكس على جنود صهاينة، ما أدى إلى إصابتهم بإعاقات، وهذا ما جعل الكثيرين في دولة الكيان يشككون في الدوافع " الأخلاقية " لعمل المعهد، حيث إنه جرت المخاطرة بحياة الجنود لمجرد تحقيق أرباح مالية مقابل توفير الأمن للأميركيين.
تجارب على الحيوانات
ويضم المعهد قسماً خاصاً بإجراء التجارب على الحيوانات، وبشكل خاص على الخنازير والأرانب. وفي أحيان كثيرة على البشر، وتحديداً الجنود. فقد رفع عدد كبير من الجنود دعاوى على وزارة الدفاع الصهيونية، بعدما تبين إن قيادة الجيش سمحت بإجراء تجارب عليهم لتجريب الأمصال المضادة للانتراكس، حيث أصيبوا بأمراض، وطالبوا الجيش بالاعتراف بهم كمعوقي حرب وتقديم تعويضات مالية كبيرة لهم. وقد اتخذت هيئة أركان الجيش الصهيوني في الآونة الأخيرة قراراً بعدم إجراء مثل هذه التجارب على الجنود، وذلك تحت ضغط عوائل الجنود والرأي العام.
أداة لتمتين الاحتلال
ومن المعروف إن رئيس الوزراء الصهيوني الأول بن غوريون هو الذي أمر ببناء المعهد البيولوجي بناءً على توصية عدد من العلماء اليهود، وطوال فترة حكمه التي امتدت من العام 1948 وحتى العام 1963، باستثناء الفترة بين عامي 1953-1955، التي تولى فيها الحكم موشيه شاريت، كان بن غوريون المسؤول المباشر الأول عن المعهد البيولوجي، وكان الوحيد المسؤول عن كل صغيرة وكبيرة فيه، حيث إن طاقم العمل كان لا يسمح لأحد بالإطلاع على أي معلومة من دون الرجوع إليه، حتى عندما كان خارج الحكم في الفترة الممتدة بين عامي 1953 و1955، لدرجة أن طاقم المعهد لم يطلع شاريت عندما زار المعهد كرئيس للوزراء عام 1954 على البرامج التي كان يعكف على تطويرها.
على الرغم من ان عدداً من العلماء قد تعاقبوا على رئاسة المعهد، في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، إلا إنه يعتقد على نطاق واسع ان أكثر الرؤساء الذين تركوا بصماتهم على المعهد هو الرئيس الحالي أفيغدور شيفرمان، الذي يعتبر أكثر الشخصيات تأثيراً في عمل المعهد، والذي يعمل بشكل وثيق مع رؤساء الوزراء ووزراء الحرب وقادة الأجهزة الاستخبارية. ومن المعروف عنه إنه شخصية حازمة، لم يتردد في طرد علماء بسبب إشكاليات انضباطية.
يتضح مما تقدم انه في الوقت الذي تحصل فيه ملاحقة الكثير من الدول على برامج تسلح غير تقليدية متواضعة جداً مقارنة مع برامج التسلح غير التقليدي الصهيونية، إلا ان أحداً في العالم لا يحرك ساكناً من أجل ردع دولة الكيان عن هذا السلوك، وهذا بكل تأكيد سيكون مدعاة لمواصلتها لعدوانها التاريخي.

السابق
حول أحداث الشغب في لندن
التالي
من يبدأ الحرب هذا الخريف: إسرائيل أم سوريا؟!