معنى الأمس..

لم تكن جمعة الأمس إلاّ تأكيداً خطيراً لما حسبه وافترضه وقاله معظم المراقبين للشأن السوري وتطوّراته وأوضاعه لجهة فشل المقاربة الأمنية العسكرية وخفوت المراهنة على نجاعة تلك المقاربة.
بل ربما كانت حوادث الأمس، هي الأخطر في هذا السياق المفتوح منذ آذار الماضي، خصوصاً وأنّها جاءت بعد اقتحام حماه ودير الزور وتحطيم التحرك الشعبي الواسع والعريض.. وتَرافُق ذلك مع ما قيل عن "اتفاق" جرى التوصّل إليه، في اللقاء الذي جمع الرئيس السوري بوزير الخارجية التركي، ويتضمن جملة خطوات لاحقة.

النتيجة الواضحة (والوحيدة) لامتحان الأيام الماضية ظهرت أمس تحديداً: لا إمكانية بعد اليوم لحسم أمني عسكري للثورة السورية. ولا إمكانية، في المقابل، لأي مقاربة سياسية صلحية تسووية. المأزق اكتمل وأُقفل. لا النظام سيتراجع ولا الناس كذلك. بل مكمن الخطورة الإضافية هو توسع نطاق التحرك المضاد للنظام إلى جغرافيات كانت غائبة أو مغيبة في الفترة الماضية مثل حلب تحديداً ودمشق إلى حد ما. وصحّ بذلك الافتراض القائل إنّ "إقفال" أكبر مركزين للتحرّك في حماه ودير الزور بالطريقة العنفية والدموية التي تمّت، سيؤدي تلقائياً إلى انتقال مركز الثقل في التحرّك الشعبي إلى عاصمة الدولة من جهة، وعاصمة الشمال السوري من جهة ثانية، وهذا ما حصل.

بهذا المعنى، سقط النظام مرّة أخرى في خطأ حساباته، وطغيان العنف والأمن والقبضة الحديدية، على أي مُعطى آخر في تلك الحسابات.
وحتى الأمس، كان يمكن الافتراض أنّ النظام يستطيع الإدّعاء بأنّ مراكز الثقل الشعبي الأكبر ما زالت تحت جناحه.. لم ينتبه (مرّة أخرى) إلى حساسيّة المُعطى المحرّك للناس. ظنّ، أو أراد تعميم ذلك الظن، أنّ العلاقات التعاقدية المعقّدة التي نسجها على مدى عقود، مع نخب اقتصادية وتجارية في دمشق وحلب، كافية لطمس ذلك المعطى، وإبقاء الناس في الإجمال، تحت سقف مصالحها وحساباتها، وأسرى لتلك المصالح والحسابات.

.. إحتاج الأمر إلى ستة شهور متتالية من التحرّكات في طول سوريا وعرضها، وإلى ممارسات غير مسبوقة من قِبَل النظام، وإلى الخطوة الأخيرة التي كانت لا تزال ناقصة قبل الوصول إلى المُقدَّر، وتلك الخطوة خطاها النظام وليس المتظاهرين ضدّه، عندما دخل بدباباته إلى حماه ودير الزور وفعل ما فعل فيهما.. وعلى الهواء المفتوح على كل الكرة الأرضية.

جمعة الأمس، كشفت أنّ سياسة الأرض المحروقة، الموروثة من زمن أفل ومضى، ما عادت تؤتي نتائج لأصحابها. بل هي أكثر من ذلك، تدلّ إلى المكان الذي لا يزال أصحاب تلك السياسة يستمرئون الإقامة فيه، وهو مكان صار موحشاً وغريباً غربة نائية، عن عالم اليوم وطبائعه وحرّياته

السابق
الانباء: المستقبل يؤكد أن الحريري التقى جنبلاط بتركيا والاشتراكي ينفي!
التالي
سورية بين تنحية الأسد وتقويته